العنف والتضخم يخنقان متاجر بغداد ومدارسها خالية

 

لينا تعشق بجنون ولكنها تشعر برعب لان زفافها بعد اسبوعين ..فهي تخاف ان يغلق المخبز والا يفتح المصور الاستديو وان ينفذ مسحوق الشعر عند مصفف الشعر.

وأدى ارتفاع معدل التضخم والقنابل وعمليات الخطف واطلاق النار في الاسواق وفي الطرق المليئة بقطاع الطرق والتي تسلكها الشاحنات الى خنق المتاجر والشركات ببغداد مدمرة الانتعاش الاقتصادي القصير الذي شهدته العاصمة العراقية مع انتهاء عقوبات الامم المتحدة وكبت ما كان يشتهر به العراقيون من حب الاستمتاع بمباهج الحياة.

ويناضل اصحاب المتاجر والشركات الصغيرة لابقاء مخزوناتهم من كل شيء ابتداء من لمبات الاضاءة الى فرش الاسنان والشيكولاتة.

وتشعر لينا (33 عاما) بيأس .

وقالت "عندما تزوجت صديقتي في يوليو كان الوضع سيئا ولكن هذا أسوأ. اشعر برعب من الذهاب للتسوق. كان يجب ان أكون سعيدة ولكن لا أشعر ما تشعر به أي عروس."

وقصفت مرارا سوق شورجا لتجارة الجملة في بغداد وهي من بين أقدم الاسواق في المدينة كما انها من أسواق التوريد الرئيسية لعدد لا يحصى من المتاجر الصغيرة المتناثرة في شتى انحاء العاصمة.

وفي هجوم وقع في وضح النهار في الشهر الماضي خطف مسلحون عشرات من الحمالين في السوق التي قلصت في الاونة الاخيرة ساعات عملها.

وقال وسام بديع وهو صاحب متجر في وسط بغداد يبلغ من العمر 40 عاما " هناك ركود في السوق.

"قبل عام اعتدت ان اكسب 100 دولار يوميا.والا اكسب 50 دولارا في اليوم."

وقال عبد الحسين وهو صاحب متجر اخر انه اصبح من الصعب على المتاجر الصغيرة شراء سلعها من أسواق الجملة مثل الشورجا بسبب اعمال العنف.

واضاف"السيارات التي كانت تحمل السلع اعتادت لصق اعلانات كبيرة عليها للسلع التي توزعها ولكن لم تعد تفعل ذلك الان. لقد ازالت تلك الملصقات . فهم خائفون من تعرضهم للقتل او الخطف."

وقال متسائلا وهو يشير الى قافلة عسكرية امريكية مارة "كيف تتوقع الا يخاف الناس وهم يرون مشاهد كتلك .الناس غير خائفين من الامريكيين وانما خائفون من الانفجارات التي قد تحدث بالقرب منهم."

وبشكل متشائم قال ابو محمد الذي يمتلك متجرا صغيرا في حي الكرادة بوسط بغداد "بسبب التفجيرات واطلاق النار اصبحت الشورجا تغلق مبكرا الان.انهم خائفون جدا من ان يفتحوا. انت لا تعرف على الاطلاق ما ستجده في الشورجا اذا ذهبت الى هناك لذلك اصبح الامر صعبا جدا بالنسبة للمتاجر الصغيرة."

ويزيد معدل التضخم عن 50 في المئة سنويا ولكن الاسعار الاخيرة لبعض السلع الكمالية مثل البن والشيكولاتة ارتفعت بنسبة 50 في المئة خلال اسبوع او نحو ذلك.

وأغلقت متاجر كثيرة في حي المنصور الذي كان فيما مضى حيا تجاريا راقيا يضم مطاعم تعج بالناس ووضعت على ابوابها لافتات" للبيع".

ووقعت عمليات خطف جماعي في متاجر ومطاعم ومتاجر الالكترونيات في الاحياء . وقتل حلاقون وخبازون .وخطف في الاونة الاخيرة قصابون في مصنع للحوم خارج بغداد.

ومع فرض الاسلاميين المتشددين برنامجهم المتعلق بتفسير صارم لاحكام الشريعة فجرت متاجر المشروبات الروحية في المناطق المسيحية واشعلت النار فيها.

وقالت لينا التي تخشى ان يتحول ما يفترض ان يكون اسعد ايام حياتها الى كارثة"اشعر بمثل هذا العبء عندما افكر فيما قد يحدث يوم زفافنا."

بدوره ينتظر أحمد خارج أبواب المدرسة في صباح يوم بارد في منتصف الاسبوع وهو يمسك بكتبه الدراسية.

لكن لان غالبية الطلبة والمدرسين لم يأتوا الى المدرسة أجل الطالب البالغ من العمر 18 عاما والذي يدرس بالسنة النهائية في المرحلة الثانوية الدراسة لمدة يوم اخر.

وقال والاستياء يبدو واضحا على وجهه "لقد ألغيت الدراسة لمدة يوم آخر." وأضاف "لقد حضر 15 طالبا فقط من بين 200 طالب في هذه السنة الدراسية."

منذ ثلاث سنوات وبعد سقوط صدام حسين كان الطلبة والمدرسون يتحدثون بشغف عن حذف الصفحات الاجبارية الخاصة بالدكتاتور من كتبهم الدراسية وتحرير الدراسة الاكاديمية من تدخل حزب البعث الحاكم.

والآن سم الطائفية ضرب بعمق في قلب النظام التعليمي في العراق فيما يهاجم متشددون من جماعات سنية وشيعية المدارس والجامعات والافراد.

كما ان الفوضى الطائفية سممت المجتمع وجلبت العنف العشوائي الى حجرات الدراسة على نحو لم يشاهد من قبل.

وحكى محمد وهو طالب بمدرسة في حي الكرادة بوسط بغداد هذا الاسبوع كيف تسلق حائطا ليهرب عندما جذب رجال ميليشيا ناظر المدرسة الذي أخذ يتوسل اليهم حتى لا يقتلوه في فناء المدرسة للانتقام من اهانة مزعومة.

ويقول أبو عبد الله الذي كان مدرسا بمدرسة القدس الثانوية في بغداد انه ترك عمله بعد ان جلب طالب ضبطه وهو يحاول الغش في امتحان عصابة الى المدرسة للاعتداء عليه.

وقال "عندما منعناه من الغش ترك المدرسة وعاد مع 15 صديقا يمسكون بسكاكين. مزقوا وجه زميل بسكين طويل وضربوني."

وقال أبو عبد الله ان المتشددين قتلوا ايضا منذ اسبوعين مدرس اللغة العربية هادي فرحان وهو من زملائه الشيعة وكان يشتهر بصراحته.

وقال "حذرناه لكي يكف عن الحديث في السياسة. قتله أثر على المدرسة حيث لم يعد يعمل بهذه المدرسة سوى 14 مدرسا من بين 42 مدرسا. وانتقل الشيعة الى مدارس في مناطقهم بينما انسحب كثيرون اخرون."

وقالت طالبة عمرها 16 عاما طلبت عدم نشر اسمها ان المدرسين في مدرستها يأمرون الطالبات بانتظام بالخروج الى طرقات المبنى عندما تسقط قذائف المورتر على مقربة وان بعض المدرسين يحثون الطالبات الان على البقاء بعيدا عن حجرات الدراسة.

وقالت "عدد صغير جدا من الطالبات يأتي الى المدرسة." واضافت "وطلب أحد المدرسين منا ان نتفق فيما بيننا على عدم الحضور حتى يتمكن المدرسون من البقاء في منازلهم في هذا الوقت العصيب."

وسعاد زوجة تقيم في بغداد وتحتجز طفليها اللذين يبلغان ستة وثماني سنوات في المنزل طوال الوقت بعد ان اصابها الرعب وأصبحت تخشى من تكرار ما حدث في يوم في الاونة الاخيرة عندما وصلت في نهاية الدراسة لتجدهما منكمشين في أحد الاركان حجرة الدراسة مع حفنة من الاطفال الاخرين بعد ان هرب المدرسون والطلبة الاخرون قبل ساعات عندما انتشرت شائعات بأن جماعة متشددة على وشك شن هجوم على المدرسة.

وقالت وهي تعبر عن مشاعر يشترك معها فيها آلاف الاباء "لايمكنني ان اتحمل عدم وجودهما معي طوال الوقت الان."

وقال مسؤول بوزارة التعليم ان الموقف مروع.

وقال "هؤلاء الذين يطلق عليهم مجاهدين يحاولون ترويع وارهاب الناس. هذه كارثة عظمى. اننا نحاول توفير الحماية لهذه المدارس."

لكن المسؤول الذي كان مرعوبا بدرجة كبيرة جعلته يخشى الافصاح عن اسمه قال انه في النهاية الامر متروك للاباء والجيران ليدافعوا عن مدارسهم. وقال "اذا لم تقم بحماية نفسك .. من الذي سيحميك."

والموقف في كليات وجامعات بغداد ليس افضل حيث أدت الهجمات الطائفية الانتقامية ضد الاساتذة الى سقوط عدد كبير منهم قتلى بينما فر مئات الاساتذة من العراق في "نزوح للعقول المفكرة" وهو ما يجعل كثيرون يخشون على مستقبل العراق.

وهذا الاسبوع وزعت جماعة أنصار السنة منشورات في المناطق السنية في بغداد تأمر الاقلية السنية بالبقاء في المنازل خلال الفترة المتبقية من السنة الدراسية. وقالت المنشورات ان الجماعة "تحمي" الاكاديميين السنة من القتلة الشيعة.

وطمأن رئيس الوزراء الشيعي نوري المالكي العراقيين هذا الاسبوع الى انه سيتم توفير الامن في الجامعات وحذر الذين يغيبون من انهم سيفقدون اماكنهم.

لكن الجامعتين الرئيسيتين في العاصمة وكثير من المدارس في المناطق السنية أصبحت خالية تقريبا.

وتعطل التعليم ليس قاصرا على العاصمة.

في بعقوبة معقل المسلحين وهي مدينة يعيش فيها سكان ينتمون لطوائف مختلفة فرض المتشددون السنة اغلاق جميع المدارس.

وفي سامراء السنية طلب متشددون سنة من ناظرة مدرسة البنات ان تأمر الطالبات بعدم ارتداء ملابس جينز ضيقة وعدم استخدام مساحيق تجميل. وعندما رفضت دخل مسلحون مكتبها اثناء ساعات الدراسة وقتلوها بالرصاص.

وزارة التعليم ببساطة في حالة فوضى.

وقال مسؤول الوزارة لرويترز "من الواضح انه في العراق توجد هجمات من متطرفين دينين وبعثيين وصداميين وعصابات ومافيا وعملاء مخابرات من دول اخرى."

واضاف "ما الذي يمكنني عمله."  

شبكة النبأ المعلوماتية-الاحد10  /كانون الأول  /2006 -18 /ذي القعدة /1427