تغيرات المحاور والأدوار  في الشرق الأوسط وتفاقم الصراع المذهبي

 

أكد الشيخ هاني فحص، عضو المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان، أن الأزمة السياسية الراهنة، التي تعاني منها البلاد، والتي أخذت أبعاداً مذهبية بين السنة والشيعة، تعود إلى القرار السياسي الذي اتخذ بعد عقد اتفاق الطائف بين المتنازعين اللبنانيين عام 1990، والذي قضى بتعليق بناء الدولة اللبنانية بانتظار انتهاء عملية السلام.

فحص أكد أن الصراع المذهبي في لبنان والمنطقة تفجر بسبب عجز الدولة العربية الحديثة عن إدخال معايير الانتماء والمواطنية إلى عقول وقلوب مواطنيها، وبناء سياسة المشاركة والحوار، مما أدى على انهيار بناء المجتمع والدولة معاً، وعودة الأفراد إلى ذواتهم المذهبية.

كلام فحص جاء ضمن مشاركته في فعاليات المنتدى الاستراتيجي العربي، الأربعاء، في الجلسات التي تناولت تحديات تفاقم الظاهرة الطائفية في المنطقة.

ودعا فحص إلى الاعتراف بالتعددية والاختلاف في المجتمعات العربية، والعثور على الطريقة الأفضل لإدارته، معتبراً أن أي نظام عربي يمهد لانقسام طائفي في مجتمعه، عندما يبدأ بالاستقواء على مواطنيه، الأمر الذي يدفعهم بالمقابل إلى الاستقواء عليه بطوائفهم، داعياً إلى بث سياسة الحوار والتسامح.

من جهته، رأى عبد الحميد الأنصاري، عميد كلية الشريعة السابق في جامعة الكويت، أن "المنطقة بطبيعتها مولدة للأزمات"، مذكراً بظاهرة التطرف الديني التي سيطرت على الواقع السياسي للمنطقة في الفترة الماضية، والتي حل محلها اليوم، ما أسماه بـ"الانقسام المذهبي".

وحذر الأنصاري من مخاطر هذا الانقسام الذي يجتذب التدخل الخارجي، كما هي الحال في العراق ولبنان، معتبراً أن الحل لا يقوم سوى بمراجعة المسلمين لكامل بنيتهم الثقافية، ولخطابهم التعليمي والديني والإعلامي والسياسي، والذي يمارسون من خلاله فعلياً قمع الآخر، حيث أصبح التكفير والتخوين ثقافة سائدة.

أما الدكتور فهمي الهويدي، الكاتب والمفكر الإسلامي المصري المعروف، فقد وجه نقداً شديداً إلى السياسة الأمريكية في المنطقة، والتي تسببت بتفاقم الانقسامات المذهبية والدينية، خاصة في العراق، حيث كانت الخطوة الأولى مع اختيار أعضاء مجلس الحكم الانتقالي بحسب هوياتهم المذهبية والاثنية.

الهويدي، انتقد بعض الدول العربية، التي "حذرت من هلال شيعي، بينما لا تبعد إسرائيل عنها سوى بضع كيلومترات"، على حد قوله، مستغرباً صدور هذا الكلام من جهات" لم يعرف عنها غيرة على آهل السنة."

وطالب المفكر المصري بعدم التعميم في وصف الحالة المذهبية، مشيراً إلى المفارقة المتمثلة بواقع أن الشيعة في لبنان يقاومون الولايات المتحدة، بينما "يقع سنّته في مربعها"، في الوقت الذي يقاوم سنّة العراق الولايات المتحدة، ويقع شيعته في المربع الأمريكي.

وفي الشأت الإيراني، اعتبر الهويدي أن هناك بالفعل "صحوة شيعية في المنطقة، وهي تقوم حالياً بالتمدد،" غير أنه لفت إلى أن هذا الوضع حاصل بسبب الفراغ السني، داعياً الدول العربية إلى عدم توجيه النقد إلى الحركة الإيرانية في ظل عدم وجود قرار عربي بالتحرك لتحمل مسؤولية القضايا الكبرى، محذراً من خطر أن تتسبب حركة التمدد هذه بشرخ مستقبلاً.

وفي السياق عينه، قال فالي نصر، خبير شؤون الشرق الأوسط، وعضو مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك، أن هناك خلفيات تاريخية لا يمكن تجاوزها لفهم طبيعة الأحداث الحالية، معتبراً أن الهوية الطائفية والمذهبية لطالما كانت مهمة في الشرق الأوسط.

فالي، اعتبر أن العديد من أنظمة المنطقة، كان يمثل، بهويته المذهبية، أقلية ضمن مجتمعه على الصعيد الديمغرافي، لذلك عندما بدأت خطوات تغيير الأنظمة في المنطقة، أحدثت توتراً مذهبياً بسبب الطبيعة الديمغرافية لهذه الدول.

وقد شهدت الجلسة مداخلات، كان أبرزها لرئيس تحرير صحيفة القدس العربي، عبد الباري عطوان، الذي اعتبر أن المذاهب والطوائف في المنطقة باتت "العوبة" بيد الولايات المتحدة، تحركها كيفما تشاء.

كما ألقى النائب الكويتي، وليد الطبطبائي، مداخلة جاء فيها، أن "المشكلة الطائفية في المنطقة هي صنيعة النظام الإيراني، الذي يرقص على كل الحبال، فيصارع الولايات المتحدة في لبنان، ويتحالف معها في العراق"، مستفيداً من التغيرات السياسية لتحقيق مصالحه.

من جهته قال عماد مصطفى، السفير السوري في الولايات المتحدة الأمريكية، إن بلاده دفعت، ولا تزال، أثماناً باهظة بسبب مواقفها المؤيدة للمقاومة في لبنان وفلسطين، مؤكداً أن هذا القرار الذي وصفه "بالاستراتيجي" هو واجب قومي نفذته سوريا.

وفي إشارة إلى طبيعة علاقات بلاده بطهران، قال مصطفى إن "أحداث الثورة الإيرانية عام 1979، أدت إلى تحول في السياسة العامة التي اتبعتها سوريا، نتيجة لمركزية الصراع العربي الاسرائيلي، وتأثيره المشترك على الطرفين".

وأكد السفير السوري أن بلاده تنظر إلى السلام كحل استراتيجي، غير أنه أشار في الوقت عينه إلى وجود مشروع امريكي إسرائيلي لكسر الإرادة العربية، واضعاً تحالف سوريا مع طهران في الإطار السياسي، معتبراً أن الأحلاف تظهر وتختفي بسبب المصالح المشتركة.

كلام السفير السوري جاء ضمن جلسة "التحالفات المتغيرة في العالم العربي" في إطار فعاليات المنتدى الاستراتيجي العربي 2006، الذي يعقد حاليا في مدينة دبي.

وفي تعليق له، وصف رامي خوري، المحرر العام في صحيفة ديلي ستار في لبنان، التحالفات الراهنة بالمؤقتة، موضحاً أنه لا يجوز أن يطلق عليها اسم التحالفات بقدر ما هي التقاء حول وجهات نظر مشتركة في سياق رد الفعل على الخطر الذي يهدد كلاً من أطراف هذا التوافق.

ورأى خوري أن التوافق لا يتعدى كونه مرحلياً قصير المدى، بسبب عجز كل طرف من أطرافه عن توفير الإجابات والحلول للمشكلات في الشرق الأوسط.

وأضاف: "لم يتمكن أحد حتى الآن من الخروج بحل قائم على نظام سياسي فاعل ومؤثر انطلاقاً من الشفافية والمحاسبة وحكم القانون".

أما فالي نصر، الباحث الزميل في الدراسات الشرق أوسطية في مجلس الشؤون الخارجية بالولايات المتحدة الأمريكية، فركز على تعاظم النفوذ الإيراني كقوة رئيسية في المنطقة، معتبراً أن "النجاح الأخير الذي حققة حزب الله على إسرائيل في الحرب التي شنتها الصيف الماضي على لبنان، بمثابة الدفعة إلى الأمام بالنسبة للدور الإيراني كلاعب إقليمي."

من جهة اخرى، قال سكرتير التحرير السابق في صحيفة صدى البلد اللبنانية، عقاب صقر، إن هناك ثلاثة محاور في المنطقة، وليس إثنين، وهي الدول "المعتدلة" التي تضم مصر والأردن والسعودية من جهة، والحلف السوري الإيراني من جهة أخرى، بالإضافة إلى إسرائيل.

صقر اتهم الدعاية الإعلامية للحلف الإيراني السوري، باستغلال الصداقة المشتركة التي تجمع دول الحلف المعتدل بالولايات المتحدة، لاتهامهم أنهم في حلف غير معلن مع إسرائيل، معتبراً هذا التفسير غير حقيقي.

وتابع الصحفي اللبناني كلامه، موضحاً أن الحلف الإيراني السوري، يحتك بحلف الدول المعتدلة في مناطق مختلفة، هي لبنان وفلسطين والعراق حيث يؤيد الأول المعارضة اللبنانية وحركة حماس والمقاومة العراقية، بينما يؤيد الأخر الرئاسة الفلسطينية والحكومة اللبنانية وحكومة العراق.

وذكر صقر، بأن سوريا وإيران ليسا بعيداتان تاريخياً عن الولايات المتحدة، مشيراً إلى دور الأولى في حرب إخراج صدام حسين من العراق، التي اعتبرها صقر "اللبنة الأولى في بناء الشرق الأوسط الجديد،" ودور الثانية في الحرب على أفغانستان، وإسقاط نظام صدام.

وميز المحلل السياسي اللبناني، بين طريقة تعاطي المحورين مع حلفائهما، معتبراً أن المحور السوري الإيراني يقدم لأنصاره السلاح والعتاد، ويشجعهم على الصدام، بينما تقتصر أشكال الدعم الذي يقدمه المحور المعتدل على الدعم المالي والديبلوماسي.

وحذر صقر من مخاطر استخدام السلاح الذي خصص لمقاومة العدو في الصراعات الداخلية، سواء في لبنان أو في فلسطين، معتبراً ظاهرة الإنتقال من مواجهة العدو إلى الصدام الداخلي، ظاهرة شديدة الخطورة. 

شبكة النبأ المعلوماتية-الخميس7 /كانون الأول  /2006 -15 /ذي القعدة /1427