إن مشكلة السكن في العراق هي ذاتها المشكلة الموجودة في العديد من
بلدان العالم الثالث إلا أن المعالجات تختلف من بلد إلى آخر، وفي
العراق لم تحضي هذه المشكلة بالمعالجة الحقيقية المتمثلة برسم
إستراتيجية أسكانية تتحسب للزيادة السكانية في البلد وإنشاء المجمعات
التي يستوعب هذه الزيادات وتخلف المعالجة أدى إلى تضخم المشكلة.
وان جميع المعالجات التي تناولت الموضوع لم تكن إلا من خلال إصدار
التشريعات التي لا تزيد في عدد الوحدات السكنية وإنما لفرض التزامات
تنقل بموجبها مسؤوليتها في توفير السكن لكل مواطن إلى جهة أخرى تارة
تكون تجاه المالك وأخرى تجاه المستأجر وهذه التشريعات المتمثلة
بالقوانين والقرارات لم تزيد المشكلة إلا تعقيدا، حيث كانت تقيد إرادة
المالك من الانتفاع بملكه وتمنح المستأجر الحماية القانونية على أن
ينتفع بالعقار لمدة غير محددة وبمقدار الأجر الذي اتفق عليها ابتداء
دون مراعاة تقلب الظروف الاقتصادية حتى أصبح مقدار أجره لا يعادل ثمن
علبة سكائر في بعض الأحيان لعقارات قيمها تعادل مئات الملايين من
الدنانير العراقية.
وهذا الأجراء كان يعبر عن وجه الفشل الحقيقي للحكومات التي تعاقبت
على العراق منذ تأسيس الدولة العراقية، من أن توفر السكن للمواطنين
والذي هو من أهم التزاماتها تجاه المواطن كونها تملك الموارد العامة
للبلد من نفط ومعادن وما شابه، بالإضافة إلى جبايتها للضرائب القاسية
في قيمها تجاه المواطن، وهذه التشريعات كما أسلفت ضاعفت من حجم
المشكلة، حيث عزف أصحاب العقارات ورؤوس الأموال من الاستثمار في القطاع
الإسكاني وتراكمت حتى وصلت إلى ما عليه الآن، والملاحظ إن المعالجة هي
ذاتها التي كانت تسير عليها الأنظمة السابقة بإتباع آلية التخدير
للمشكلة دون الاستئصال، وهذا الحل سيكون ظرفي ولمدة محددة.
ومما تقدم أرى أن تكون المعالجة في آلية جديدة مصدرها شعور الدولة
والحكومة بمسئوليتها تجاه توفير السكن للمواطن وان تبتعد عن أسلوب نقل
ثقل المهمة إلى كاهل المالك وحرمانه من التمتع بمنافع ملكه، وبما إن
الحكومة غير قادرة على بناء مجمعات سكنية في الوقت الحاضر أرى أن تسعى
الحكومة إلى تعويض أصحاب الأملاك عن الخسارة التي يتعرضون لها جراء
عدم إمكانية الانتفاع بأملاكهم المستأجرة وهذا التعويض لا يكون بدفع
المبالغ أو جزء من بدل الإيجار إلى المالك بدل المستأجر، لكن بمنح
محفزات للمالك الذي يشيد عمارة سكنية أو دار سكنية معدة للإيجار كسكن،
ومنها الإعفاء الضريبي وإصدار قانون ينظم هذه الحالة وكذلك الإعفاء من
الرسوم البلدية وأية مستحقات وبأي صورة تكون على المالك للدولة، حينئذ
نكون قد أوجدنا المحفز الذي يعوض المالك عن بعض خسارته في عدم الانتفاع
ويقرن وجود المستأجر بتلك السماحات والإعفاءات مما يعزز من قناعة
المالك ان جهة اخرى تتحمل معه الضرر الذي لحق به جراء ازمة السكن ،
وهذا المقترح لا يعد إلا إشارة بالأمكان تطويرها ومنح المحفزات الأخرى
مثل تسهيل اقراض الملاك لبناء المجمعات السكنية و منح أجازات الاستيراد
للمواد الإنشائية بدون رسوم كمركية وما شابه ذلك من آليات ووسائل تدفع
المالك إلى الاعتقاد بان وجود المستأجر، وبالبدل الذي لا يستطيع تغيره
لانه محمي بموجب القانون، بان هذا الوجود قد در عليه بالفائدة ، كما إن
المواطن المستأجر سوف يشعر بان الدولة تشعر بحاجته وتتلمس المعالجة
للمشكلة مما سيعزز من إيمانه بالدفاع عنها واحترامها، ونكون قد أسهمنا
في تعزيز الأمن الاجتماعي بدلا من إثارة الضغائن بين المالك والمستأجر
في القرارات التي أما ترفع الحماية الكلية عن المستأجر أو التي تقيد
المالك بالامتناع بملكه، لذا أرى أن يلتفت المشرع العراقي إلى هذا
الأمر ودراسته من جوانيه الاقتصادية والمالية والاجتماعية حتى نتمكن من
المساهمة في معالجة مشكلة الإسكان في الوقت الحاضر ولو بشكل مؤقت
وجزئي. |