يوم 20 نوفمبر طالعتنا صحيفة (المصري اليوم) بخبر زائف عن الندوة
التي عقدت في مقر (مكتبة الشروق الدولية) بوسط القاهرة عن كتاب (الشيعة
والتشيع لأهل البيت) لمؤلفه كاتب هذه السطور.
استغرق العمل في هذا الكتاب أكثر من عام ونصف تخللها كثير من
النقاشات مع الناشر المهندس/ عادل المعلم تدقيقا في اختيار الكلمات
والمصادر وكان الرجل يأمل ألا يثير الكتاب أي رد فعل سلبي إلا أن إرضاء
الجميع غاية لا تنال ناهيك عن أن بعض الاتجاهات التي نذرت حياتها لشن
حرب (مقدسة) على الشيعة والتشيع لن ترضى لا بالشيعة ولا بالتشيع
معتدلين كانوا أم غير معتدلين.
النموذج المثالي لهذا الصنف من البشر تمثل في الجريدة المشار إليها
والتي كتبت ما يلي (اشتباكات بالأيدي خلال أول مناقشة علنية لكتاب عن
الشيعة) وأكمل المحرر تلفيقه بالقول (شهدت أول ندوة علنية لمناقشة كتاب
عن الشيعة في مصر أحداثا مؤسفة... اشتبك مؤيدون للدكتور أحمد راسم
النفيس مؤلف كتاب الشيعة والتشيع لأهل البيت ومشايخ من الأزهر وجمعية
أنصار السنة المحمدية بالأيدي عقب اتهامات متبادلة بالوهابية والجعفرية
في الندوة) كما زعم المحرر صاحب الخيال المريض أن حالة من الهرج الشديد
والتدافع قد سادت الندوة لطلب الحصول على الكلمة.
ولكي (تسبك) الجريدة تلفيقها نشرت صورة لأحد الوهابيين الذين حضروا
الندوة وهو يتكلم ممسكا في يده بورقة (ليست عصا ولا سكينا والحمد
لله)!!.
أي أن من أراد الكلام كان مضطرا للاستئذان من مدير الندوة الذي أفسح
المجال كاملا للإخوة الوهابيين للإفصاح عن آرائهم المعروفة سلفا (في
مذهب أهل البيت وليس في الكتاب) فأيا منهم لم يقرأ الكتاب وهو ليس
مستعدا لسماع وجهة نظر مخالفة فهم وحدهم أصحاب الحق والحقيقة وهم وحدهم
المدافعون عن الإسلام ولا حاجة بنا لتوضيح الواضح!!.
ومع ذلك فقد فشل هؤلاء في تحقيق مرادهم لسبب أساسي هو الحضور الكثيف
للجمهور المصري المعتدل الباحث عن الحقيقة والمحب للوحدة بين المسلمين
والذي لم يسمح لهم بتطوير مهامهم القتالية إلى ما هو أكثر من الصوت
العالي فاكتفى القوم ببعض الصراخ ولم يحدث أي نوع من الاشتباك ولا حتى
على المستوى اللفظي فقد نجح مديرو الندوة في إدارتها بصورة ديموقراطية
أتاحت لهؤلاء وغيرهم من الحضور أن يدلوا بآرائهم إلا أن الفسحة الزمنية
المحدودة وكثرة عدد طالبي الحديث لم تكن تسمح بأكثر مما سمحت به.
من بين الأسئلة التي طرحت سؤال من هذا المحرر المزور عما أسماه
بخطورة تشييع السنة وتسنين الشيعة وكان الرد أننا لا نعرف الطريقة التي
يجري بها هذا الشيء المشار إليه وهذا فكر مطروح من حق الناس أن يتعرفوا
إليه من مصادره وبلسان أصحابه وهم وحدهم أصحاب الحق في الاختيار.
إنها فزاعة (التبشير الشيعي) التي يرفعها بعض من يرون أنفسهم أوصياء
على عقول العباد.
إنه نفس التناقض الذي وقع فيه رجل بمقاس الدكتور سليم العوا في
حواره مع موقع العربية بتاريخ 20-11-2006 عندما قال (إن الخطوة الأولى
في تقريب أبناء المذهبين هي تعريف كل منهما بالآخر. فالواقع أن السنة
يعرفون عن الشيعة قليلاً جداً من حقائق مذهبهم. والأمر نفسه صحيح
بالنسبة للشيعة. والمقصود هنا هو عامة أبناء المذهبين وأتباعهما. أما
في مستوى العلماء فإن الحاجة إلى المعرفة الدقيقة والصحيحة أظهر لدى
علماء أهل السنة منها لدى علماء الشيعة. وبغير بذل جهد صادق بنّاء في
توسيع نطاق المعرفة الجادة لدى أصحاب كل مذهب بالآخر, فإن جهود التقريب
سوف تظل محدودة الأثر).
إنه كلام جميل ولكن سرعان ما عاد الدكتور العوا فسحبه محذرا مما
أسماه (محاولة بعض المنتسبين إلى المذهب الشيعي الإمامي التبشير به بين
أهل السنة في البلاد التي خلص الإسلام فيها لمذاهب السنة دون سواهم.
وهذا أمر يحدث في مصر وفي المغرب وفي عدد من أقطار إفريقيا، وله خطورته
في توسيع الهوة بين المذهبين وفي إنشاء عداوة بين أتباعهما أو إذكائها.
ولذلك أذكِّر دائماً باتفاق أعلنته مع المرحوم العلامة الشيخ محمد مهدي
شمس الدين، رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان، أنه: "لا
يجوز التبشير المذهبي بين المسلمين". وقد قال كثيراً إنه ليس هناك
مصلحة في أن يتسنن شيعي أو يتشيع سني.
وأنا أدعو هؤلاء العلماء إلى إعلان براءة المذهب (ما شاء الله!!) من
هذه المحاولات غير السائغة لتحويل أتباع المذاهب السنية إلى اتباع
المذهب الشيعي. ومما يمكن لتلك المحاولات أن بعض الذين يُحْمَلُ إليهم
(خمس) دخل مقلديهم من الشيعة يضعون بعض هذا المال في غير موضعه بتمويل
محاولات تشييع السنة والواجب على علماء الشيعة أن يؤكدوا على ضرورة وضع
هذا المال في مصارفه التي أوردها علماء المذهب المقلدون والتي ليس منها
– قطعاً – نشر المذهب في بلاد أهل السنة).
ولا أدري كيف يمكن أن يحدث هذا التعريف المشار إليه وكيف يمكن (بذل
جهد صادق بنّاء في توسيع نطاق المعرفة الجادة لدى أصحاب كل مذهب
بالآخر، علمائهم وعامتهم على السواء) من دون عرض المذهب الشيعي الذي
أقر الرجل أن السنة لا يعرفون شيئا عنه؟!.
الأهم من هذا هو لماذا سكت الدكتور العوا وغيره من جماعة الأوصياء
على الإسلام على تلك الحملات التكفيرية الوهابية الموجهة ضد الشيعة
ويكفي أن جماعة الوهابيين المشار إليهم جاءت ومعها كميات لا بأس بها من
كتيبات تكفير الشيعة المطبوعة على نفقة فاعل الخير القاطن بجوارنا على
الضفة الأخرى من البحر الأحمر وقامت بتوزيعها جهارا نهارا فهل يجرؤ
الدكتور العوا على إدانة هؤلاء والمطالبة بإنفاق أموال النفط على فقراء
المسلمين بدلا من منحها لهؤلاء التكفيريين؟!.
لم يفت الدكتور العوا أن يعرج على قضية المال الشيعي وأن يعطي مراجع
الشيعة دروسا في ترشيد الإنفاق ولأن هذا الغمز واللمز ليس بعيدا عن
كاتب هذه السطور (خاصة بعد أزمة الشيخ القرضاوي نهاية الصيف الماضي)
ولأن أغلب معلومات جماعة الأوصياء هي معلومات سماعية نقول للرجل أن
كتبي تطبعها دور للنشر وليست مؤسسات خيرية ومن بينها مكتبة الشروق
الدولية وأن هذه الدور تهدف لتحقيق الربح فكفى غمزا ولمزا!!.
يريدون التعريف والتعارف ولا يكفون عن إيذاء من يقوم بهذا الدور
ووصفه بالعمالة والارتزاق وهي تهمة يمكن أن تطال الجميع ولا تستثني
أحدا خاصة من أصحاب البنوك والشركات.
تهمة سب الصحابة
إنها تهمة هلامية غير واضحة المعالم مثل تهمة تكدير الصفو العام
والسلم الأهلي التي توجهها النظم المستبدة لمعارضيها ورغم ذلك يراد لها
أن تبقى أبدية سرمدية تحوم كالموت فوق رؤوس شيعة أهل البيت من دون حتى
أن نعرف أسماء هؤلاء الصحابة ومن دون أن يتاح للشيعة حق الدفاع عن
النفس وشرح السبب وراء هذا السب المفترض إذ أن الدفاع عن النفس سيعد هو
الآخر سبا وكفرا وزندقة وما أسهل إطلاق هذه الاتهامات في أمة يتحكم في
مصيرها المفلسون أخلاقيا وليس ماليا من جماعة الأوصياء على الإسلام.
الذين يكررون مطالبة الشيعة بترك ما يسمى سب الصحابة إما أناس لم
يقرءوا تاريخنا المسمى بالإسلامي وهم بحاجة إلى من يعرفهم بهذا التاريخ
وما جرى فيه من ظلم وقتل جماعي لأهل البيت وشيعتهم. أو هم أناس معاندون
سلطوا هذا الاتهام على معارضي الظلم والاستئثار الذي حفل به تاريخنا من
أولئك الذين ضربوا عرض الحائط بكل القيم القرآنية الثابتة من نهي عن
الظلم والعدوان واقرأ ما قاله الجاحظ في رده على هؤلاء المعاندين.
فعندها استوى معاوية على الملك واستبدَّ على بقيّة الشُّورى وعلى
جماعة المسلمين من الأنصار والمهاجرين في العام الذي سَمَّوْه عام
الجماعة وما كان عام جماعةٍ بل كان عام فُرْقة وقهر وجبرية وغلبة
والعام الذي تحَّلت فيه الإمامة مُلكاً كسرويّاً والخلافة غصْباً
وقيصريّاً ولم يَعْدُ ذلك أجمع الضَّلال والفسق, ثمَّ مازالت معاصيه
من جنس ما حكينا وعلى منازل ما رتَّبنا حتَّى ردَّ قضيَّة رسول الله
صلى الله عليه وسلم ردّاً مكشوفاً وجحد حُكمه جحداً ظاهرا فخرج بذلك من
حُكم الفُجَّار إلى حكم الكفَّار, وليس قتل حُجْر بن عديّ وإطعام عمرو
بن العاص خراج مصر وبيعته يزيد الخليع والاستئثار بالفيئ واختيار
الولاة على الهوى وتعطيل الحدود بالشَّفاعة والقرابة من جنْس جَحْد
الأحكام المنصوصة والشرائع المشهورة والسُّنن المنصوبة, وسواءٌ في باب
ما يستحقُّ من الإكفار جحد الكتاب وردُّ السنة على أن كثيراً من أهل
ذلك العصر قد كفروا بترك إكفاره, وقد أربتْ عليهم نابتة عصرنا ومبتدعة
دهرنا فقالت: لا تسبُّوه فإنَّ له صُحبة وسبُّ معاوية بدعة ومن
يبغضْه فقد خالف السُّنَّة, فزعمت أنَّ من السُنّة ترك البراءة ممن
جحد السُنَّة!!. |