تضييق مجلس النواب على وسائل الإعلام تخالف الدستور وحرية التعبير

 

أعرب برلمانيون وصحافيون عراقيون عن إستيائهم من الإجراءات التي أعلن عنها يوم الإثنين رئيس مجلس النواب الدكتور محمود المشهداني ،والقاضية بالتضييق على وسائل الإعلام في دخول قصر المؤتمرات بالمنطقة الخضراء في بغداد لتغطية جلسات المجلس .

واعترض عدد كبير من أعضاء البرلمان على تلك الإجراءات ،ودعا عضو مجلس النواب عن الإئتلاف العراقي الموحد الدكتور نديم الجابري (حزب الفضيلة) الصحفيين إلى "رفع دعوى قضائية ضد مجلس النواب في المحكمة الدستورية ، بسبب تقييده للحريات الصحفية."

وكان المشهداني أعلن لدى افتتاحه جلسة البرلمان اليوم عن جملة من الإجراءات قال إنها توصيات تقدم بها المجلس السياسي للأمن الوطني ،من ضمنها الإسراع في إيجاد صيغة قانونية جديدة للتعامل مع الإعلام .

وأضاف رئيس البرلمان "من الآن فصاعدا فان وسائل الإعلام ستكون خارج البرلمان ،وعندما تكون هناك حالة إحتقانية.. فإن الإعلام ممكن أن يكون سببا من أسباب الإحتقان."

وقال عباس البياتي ( الإئتلاف الموحد) ،الذي تحدث إلى وكالة أنباء ( أصوات العراق) قبيل سفره مع الرئيس جلال الطالباني إلى إيران اليوم ،إن هذا الإجراء "غير دستوري.. وسيكون لنا رأي وسنثير هذا الموضوع في مجلس النواب."

ومنع عدد من الصحفيين والإعلاميين من دخول المنطقة الخضراء اليوم بناءً على توجيهات هيئة رئاسة مجلس النواب.

وأبدى عضو البرلمان عن (جبهة التوافق) حسين الفلوجي إستغرابه الشديد من ذلك القرار، مشيرا إلى أن النواب "لا يعلمون به" ،معتبر هذا الموضوع بمثابة "خنق للحريات.. وعلى الجميع رفضه وعدم قبوله ،لأنه ليس من صلاحية أحد أن يحجب المعلومة."

وإنتقد الصحفيون الذين يعملون على تغطية جلسات مجلس النواب الإجراءات التي تهدف إلى التضييق عليهم ،كما إنتقدوا تصريحات رئيس مجلس النواب محمود المشهداني ، والتي حملهم فيها جانبا مما يجري في الشارع العراقي من إحتقان طائفي وإراقة دماء .

ووصف حسام الخفاجي من إذاعة (صوت العراق) القرار بأنه "خطوة غير مدروسة.. وتعكس

مدى تخبط مجلس النواب في المشاكل التي يعاني منها وإتخاذه قررات غير صحيحة ,كما أنها خطوة تنافي مبادئ الديمقراطية والتي جاءوا (المسؤولين) من أجلها.. وستحد بالتأكيد من حرية الصحافة والتعبير ونشر الحقيقة."

واعتبر الخفاجي أن المسؤولين عن إصدار تلك القرارات "لا يريدون أن يطلع الشعب على حقيقة مايجري في جلسات البرلمان ،والتي أصبحت ساحة للمنازعات والمجادلات السياسية.. وتظهر مدى خلافاتهم."

وأضاف لـ ( أصوات العراق) قائلا "لكن ما صرح به المشهداني عن مسؤولية الإعلاميين عن جانب مما يحدث في البلاد يعد إجحافا بحقنا."

وقالت مراسلة لإحدى القنوات الفضائية " كان هذه الخطوة متوقعة ،واليوم بالذات.. لأن الأوضاع باتت سيئة ,وهذا تطبيق عملي للحرية والديمقراطية التي وعدونا بها!!"

وتساءلت "الآن أصبحنا نحن المسؤولين عن الإحتقان والفتنة الطائفية وإراقة الدم العراقي..؟."

وإستطردت "السياسيون والنواب هم الذين يتحملون مسؤولية تصريحاتهم.. ولسنا نحن , فنحن دورنا هو إيصال الرسالة الإعلامية.. لكنهم يريدون إعلاما مسيسا ويسير في إتجاه واحد يخدم مصالحهم."

أما إياد العبودي (جريدة الوطن) فاعتبر الإجراءات الجديدة "خطوة خاطئة بحق الصحفيين والإعلاميين" ,وقال " كانوا يستطيعون وضع ضوابط للنشر والإعلام بدلا من منعنا من الدخول ,وهذا ينافي إدعاءاتهم بالديمقراطية واحترام حرية التعبير."

ويقول حسام الشحماني (جريدة التآخي) "بصراحة لا أستطيع أن أقول سوى أن البرلمان بدأ يتخبط في قرارته ،وذلك دليل على أن البرلمان العراقي تسوده الفوضى وعدم التوفيق في آرائه وقراراته."

وأضاف "برأيي أنهم ( المسؤولين) بدأوا يخافون من إطلاع الشعب العراقي على ما يقوم به أعضاؤه المنتخبون ،والذين كان أولى بهم مناقشة القضايا التي تهم الشارع العراقي.. بدلا من الإلتهاء بنقاشات تعكس خلافاتهم السياسية."

وترى صحفية في إحدى وكالات الأنباء العراقية أن ما جرى " كان استكمالا لسلسلة إجراءات بدأت منذ مطلع العام الحالي ,عندما تم الحد من حريتنا في التنقل داخل مجلس النواب بحجة إزعاج الأعضاء.. وتم حصرنا في مساحة صغيرة محاطة بعوارض ألمنيوم.

وتابعت "ظلم كبير أن يحملنا السيد المشهداني مسؤولية تردي الأوضاع ونزيف الدم العراقي, وكان الأولى مطالبة أعضاء المجلس بالكف عن إثارة النعرات الطائفية بتصريحاتهم."

ولفت الصحفي إياد صدام (صحيفة كل العراق) إلى أن المركز الصحفي في قصر المؤتمرات "هو المصدر الإعلامي الأهم للصحفيين في العراق ككل ،ومنه نتسلم بيانات الحكومة ومجلس النواب.. وهو النافذه الحقيقية للصحفي وبالتالي للمواطنين ،وإغلاقه يوجه ضربة حقيقية للإعلام العراقي ككل."

وزاد "ليس من مصلحة أحد أن يبعد الصحفيين عن مجلس النواب ،ومن يفعل ذلك يوجه طعنة للشعب الذي إنتخب النواب."

يذكر أن المركز الصحفي الدولي الذي منع الصحفيين من دخوله اليوم تأسس عام ( 2003) في عهد سلطة الإئتلاف المؤقتة برئاسة الحاكم المدني الأمريكي للعراق بول بريمر ،وكان النواة الأولى للصحافة الإلكترونية في العراق حيث تعلم فيه أكثر من مئة صحفي عراقي كيفية التعامل مع شبكة المعلومات الدولية ( الإنترنت) .

وتم تسليم المركز إلى دائرة الإتصالات الحكومية العراقي عام ( 2005) ،التي قامت بتعيين إدارة للإشراف عليه وصيانته.. ووضعت خططا لتطويره لما يمثله من عصب حيوي لنقل أخبار مجلس النواب والحكومة .

ولدى بدء الدورة الحالية لمجلس النواب جرت مصادرة المركز ،ثم تم تخصيص مساحة ضيقة

منه فقط للصحفيين بعد توسط السفارة الأمريكية ومطالبتها للمجلس بالإبقاء على المركز الصحفي. لكن الدائرة الإعلامية في مجلس النواب ظلت تحذر الصحفيين من أن تلك المساحة سوف تصادر أيضا.. وسيجرى نقل الصحفيين إلى مكان آخر .

هذا وكان محمود المشهداني رئيس مجلس النواب العراقي قد قال يوم الاثنين ان صيغة "قانونية" جديدة سيقوم البرلمان بتشريعها قريبا تهدف الى ايجاد طريقة لما وصفه "للتعامل مع الاعلام والاعلاميين الفاسدين". وطالب المجلس من اعضائه تقليل البيانات الاحادية إلى "حد المنع".

وقال المشهداني امام أعضاء البرلمان في جلسة اعتيادية عقدها اليوم وبعد ثلاثة ايام من فرض حالة حظر التجول على مدينة بغداد ان البرلمان العراقي بصدد اصدار تشريع جديد يضمن "الاسراع في ايجاد الصيغة القانونية للتعامل مع الاعلام والاعلاميين الفاسدين."

واضاف المشهداني ان البرلمان العراقي يعتبر " الحالة التي يمر بها البلد الان هي حالة طواريء وطلبنا من الحكومة ان تستخدمها صلاحيتها القصوى الممنوحة لها وفق قانون الطواريء...وخصوصا التعامل مع اي كلام او موقف سياسي او اعلامي يؤدي الى زيادة الاحتقان او اثارة الفتنة الطائفية."

وكانت مدينة بغداد قد شهدت نهاية الاسبوع الماضي توترا واحتقانا شديدين اثر مقتل اكثر من 200 من المدنيين واصابة مايقارب 250 آخرين بعد سلسلة عمليات مسلحة لسيارات مفخخة استهدفت الضاحية الشرقية لمدينة الصدر.

واتهمت اطراف في الحكومة العراقية في الايام القليلة الماضية وسائل الاعلام بالعمل على زيادة الاحتقان ، كما اتهمتها ببث رسائل وتغطيات اعلامية "مفبركة".

وطالب المشهداني من اعضاء البرلمان ومن الكتل البرلمانية " بتقليل البيانات الاستفزازية الاحادية وتوحيد الخطاب الاعلامي والسياسي العراقي."

واضاف ان رئاسة البرلمان ستقوم " بتقليل.. الى حد المنع احيانا من البيانات... واذا كان هناك حدث مهم جدا ممكن ان نسمح به فسيتم تحت ضوابط محددة للتعبير عنه وبشكل جماعي."

ومضى المشهداني يقول "من الان فصاعدا فان وسائل الاعلام ستكون خارج البرلمان وعندما تكون هناك حالة احتقانية لان الاعلام ممكن ان يكون سببا من اسباب الاحتقان."

وقال المشهداني ان هذه الاجراءات الجديدة جاءت "بتوصية من المجلس السياسي للامن الوطني."

ووصف المشهداني الحالة التي تمر بها البلاد بأنها "مؤامرة (وهي) تنصب على اشاعة الفوضى الامنية وعلى زيادة الاحتقان في الشارع تمهيدا لحرب اهلية او طائفية تقضي على العراق الجديد."

وأثار هذا القرار حفيظة بعض النواب والذين بادروا بالمناقشة , الامر الذي حدا بالمشهداني الى جعل الجلسة مغلقة.

من جهة اخرى، قال محمد ابو بكر مدير عام الدائرة الاعلامية لمجلس النواب ان المجلس " اتخذ اجراءات وسياقات جديدة تتعلق بحضور الصحفيين جلسات مجلس النواب... وسترى النور قريبا."

واضاف ابو بكر لوكالة أنباء (أصوات العراق) المستقلة ان الاجراءات التي سيعلن عنها "لا تعني بالضرورة منع الصحفيين من حضور جلسات البرلمان."

واشار ابو بكر ان الاجراءات "ستتضمن وجود قنوات مناسبة لايصال مجريات الاحداث الى الصحفيين والى الشعب العراقي."

وكان السيد جلال الطالباني رئيس الجمهورية قد ذكر يوم الجمعة الماضية إن القادة السياسيين العراقيين اتفقوا خلال اجتماع المجلس السياسي للامن الوطني على توحيد الخطاب السياسي و "التصدي للتكفيريين المجرمين ومواجهة الاعلام المعادي."  

شبكة النبأ المعلوماتية-االاربعاء  29  /تشرين الثاني  /2006 - 7 /ذي القعدة /1427