الوطن والمواطنة والوطنية فوق الجميع

د. عدنان جواد الطعمة

لابد لي أن اشير بادئ الأمر إلى أن هدف هذه المقالة هوعرض ما هوصالح للعراق الحبيب والإخوة العراقيين والأخوات العراقيات بغض النظر عن المذاهب والديانات والقوميات وليس جرح شعور أحد المسؤولين أوالمواطنين أوالأحزاب  أوالشخصيات الدينية أومس كرامتهم.

فإذا راجع كل فرد منا  وكل مسؤول حكومي وحزب ورجل دين نفسه ووضع شعار مصلحة الوطن والمواطنين والمواطنات بدلا من مصلحته ومنافعه الذاتية فإن الوطن العراق سيعيد عافيته وستتم بناء البنى التحتية بسواعد أبنائه الكرام  وبناته الكريمات باسرع ما يتصوره العقل السليم.

المواطن العراقي هو ثروة البلاد وأغلى من النفط والمعادن والخيرات الأخرى. وعلى الجميع أن يحتفظ بهذه الثروة النادرة، لا أن يتخاصموا فيما بينهم بالعداوة والبغضاء، لأن أعداء العراق سيفرحوا.

بعد مراجعتي الدقيقة لأحداث العراق الدموية الرهيبة منذ تحريره من أبشع نظام ديكتاتوري في التاسع من نيسان المبارك عام 2003  على أيدي قوات التحالف والإحتلال ولحد تاريخ اليوم  رأيت  من الواجب علي وعلى كل إخواننا العراقيين الكرام المساهمة في إصلاح ما أفسدته تلك الأحداث ولرأب الصدع والإنشقاق بين الأطراف المتنازعة بصراحة ولمصلحتهم ومنفعة العراق والعراقيين ولإيقاف النزيف الدموي اليومي.

فمنذ تشكيل مجلس الحكم العراقي المكون من 26 عضوا شنت بعض الدول العربية التي كانت منتفعة من النظام البائد ومساهمة بصورة مباشرة أو غير مباشرة لقتل العراقيين من الشيعة والأكراد وغيرهم، حملاتها المسعورة ضد مجلس الحكم العراقي بكافة وسائلها الإعلامية والمادية بل وأرسلت الإرهابيين عبر حدودها المفتوحة مع العراق وزودتهم بالمال والسلاح والمتفجرات لقتل العراقيين  بحجة محاربة الإحتلال وإفشال أول عملية ديمقراطية في العراق  منذ تأسيس الحكم الوطني العراقي عام  1920.

وتدخل هذه الدول العربية شجع إيران أيضا على تدخلها المباشر بحسن نية لدعم إخوانها في المعتقد. وهكذا ازداد تدخل مخابرات بعض الدول العربية والإسلامية والأجنبية في العراق بحيث زاد عددها الأربعين دولة كما صرح الأخ وفيق السامرائي  مستشار رئيس الجمهورية العراقية السيد الدكتورجلال الطالباني، لإحدى الفضائيات العربية قائلا :

توجد في العراق مخابرات لأكثر من أربعين دولة عربية وإسلامية وأجنبية، وكلها تسعى إلى تحقيق مصالحها التالية :

1 – السيطرة على منابع النفط والطاقة

2 – إستلام السلطة عن طريق الحصول على المناصب الوزارية المهمة

3 – إفشال العملية الديمقراطية في العراق

4 – عدم تمكين العراقيين من إعادة بناء البنى التحتية ليبقى متأخرا

5 – تحافظ تلك الدول على أنظمتها

إستغربت كثيرا من أقوال السيد وفيق السامرائي المسؤول عن المخابرات العراقية هذه، وسؤالي  التالي أطرحه على سيادته: إذا كنت شخصيا تعلم بذلك، فماذا فعلت ضد هذه المخابرات التي اكتشفتها؟

هل قمت، يا سيدي، بطرد تلك المخابرات العربية والإسلامية والأجنبية من العراق للحفاظ على أرواح العراقيين الذين انتخبوك؟

وهل قمت بإجراءات ضد تلك الدول المعنية، مثلا قطع العلاقات الديبلوماسية وإلغاء الإتفاقيات الإقتصادية معها ومحاسبة القتلة المجرمين منهم وفق القانون والقضاء العراقي؟

يعلم الجميع أن العراق أصبح مسرحا لأخذ الثأر والإنتقام من قوات الإحتلال وخاصة أمريكا على حساب ودماء أبنائه البررة وأن معظم الدول تسعى إلى مصالحها الإقتصادية والإستراتيجية. ولماذا لم تسع الحكومات والأحزاب والشخصيات السياسية والدينية إلى مصلحة العراق والعراقيين؟

لقد آلمني كثيرا كتاب  الحاكم المدني السيد بول بريمر الذي نشرت الترجمة العربية الأولي  صحيفة القبس الكويتية عندما قال:

"  لم أجد في 26 عضوا من مجلس الحكم شخصية وطنية واحدة تهتم بمصلحة العراق، ولم أجد شخصين منهم متفقين، لكن الجميع اتفقوا على زيادة رواتبهم بمقدار خمسة آلاف دولار شهريا كمصروفات "

كل مسؤول أخذ يعين أقاربه ومحبيه أو أعضاء حزبه وغيرهم وبذلك فقد صرفت أموال الدولة لأشخاص لم يقدموا شيئا نافعا للشعب ولم يحافظوا على أرواح المواطنين، فحدثت مجازر النجف الأشرف والكاظمية وكربلاء والإسكندرية ومسؤول هيئة الأمم المتحدة والسفارة الأردنية ببغداد  والحلة والفلوجة والموصل وكركوك وسامراء وغيرها.

لقد عمل مجلس الحكم وكذلك عملت الحكومات الوطنية العراقية بعض الإنجازات الطفيفة، إلا أن الأوضاع الأمنية والإقتصادية إزدادت كل يوم سوءا بعد سوء. فلم تحقق تلك الحكومات كل الأهداف والمشاريع التي وعدت بها الشعب العراقي النبيل، حيث لازالت عوائل شهداء المقابر الجماعية والعوائل المهجرة من الشيعة والأكراد الفيلة والتركمان لم تعوض عن حقوقها وبيوتها التي سلبها النظام المقبور في كل المحافظات ومنها كركوك.

 كما أن مسألة ما يقارب العشرة آلاف من الإخوة والشباب الفيليين دون العشرين سنة والذين اختطفها طاغية العراق  صدام حسين بقت عالقة لم يعلم أهالي المختطفين لحد الآن شيئا عن مصيرهم ولم  نسمع أن الحكومات العراقية الوطنية قد عالجت هذا الموضوع بصورة جدية ووجدت حلا لإرضاء  ذوي إخواننا الفيليين المفقودين.

فو الله لقد سئمنا من مواقف الحكومات كلها لعدم حل هذه المأساة الإنسانية لهذا التاريخ ولعدم معاقبة الوزراء والمسؤولين الذين نهبوا أموال الدولة. أضف إلى ذلك فإننا لم نسمع يوما بمعاقبة القتلة المجرمين الذين استباحوا حرمات العراقيين وقتلهم بعد اغتصابهن.

سمعنا مرارا ونسمع بين حين وآخر إلقاء القبض على عصابات الإرهابين والمجرمين ولكن لم تتم معاقبة المجرمين الذين اعترفوا بجرائمهم وتحدثوا عن تفاصيل جرائمهم بدم بارد عن قتل شهدائنا العراقيين في الفضائيات العراقية والعربية. أهكذا يكافأ الشعب العراقي البطل بعربه وأكراده وتركمانه ومسيحيه وصابئته وأيزيديته وغيرهم الذي تحدى الإرهاب وقرر المشاركة في عمليات الإنتخابات وكتابة الدستور العراقي وانتخاب  أعضاء البرلمان والسادة الوزراء في الحكومات المتعددة؟

لماذا لم توقف الحكومة العراقية من يحرض على القتل ويثير النعرات الطائفية والقومية العنصرية لتمزيق وحدة الشعب العراقي  بغية إشعال الحرب الأهلية البغيضة  بين الإخوة المواطنين العراقيين عند حده؟

ولماذا لم تجرد الحكومة الوطنية العراقية كافة الميليشيات من الأسلحة ما عدا رجال الشرطة والأمن والجيش؟

هل سمعتم، يا سادتي، أن دولة ما في العالم تسمح لمواطنيها حمل الرشاشات والأسلحة المختلفة والمتفجرات؟ فما هو إذن دور الشرطة ورجال الأمن والجيش؟

لا تخيبوا، يا سادتي، آمال الشعب العراقي الكريم الذي انتخبكم وضحى بدمائه من أجلكم !

لماذا لم تعيدوا العوائل الشيعية والسنية وغيرها التي  طردت  بالتهديد والإكراه من بيوتها في عهدكم؟

ألم تكن هذه العوائل عراقية؟

لا تنفع المعاذير والأقوال بأن الحكومة ليس في يدها شيئ، بل أن السفارة الأمريكية وقوات الإحتلال والتحالف هي التي تحكم العراق !

فإذا كان الأمر كذلك، فلماذا تركتم شعبنا العراقي النبيل عرضة للأخطار للمشاركة للإنتخابات الديمقراطية في العراق؟

لماذا لم تصارحوا شعبنا العراقي بكل الأمور، لكي يكون على بينة من الأمر.

ولماذا لم تكشفوا الجهات والأنظمة العربية والإسلامية والأجنبية التي تحاول إفشال العملية الديمقراطية في العراق  وتدمير البنى التحتية وسلب ثروات وخيرات العراق؟

أهكذا أصبحت قيمة المواطن العراقي سنة وشيعة وأكرادا وتركمانا وأيزيدية ومسيحية وكلدانا وأشورية وصابئة وغيرهم بهذا الرخص ( أرخص من البصل )، حيث يقتل الأبرياء منهم جميعا كل يوم وبصورة وحشية شوهت سمعة العرب والمسلمين والإسلام؟

يهمنا كل مواطن عراقي يعيش على تربة العراق ولا فرق بينهم أبدا، وجميعهم إخواننا في التربة والهوية والمواطنة. فالضحايا والشهداء هم أبناؤنا وإخواننا، فمن العار والعيب على أولئك الذين يفرقون بين الشيعة والسنة وبين العرب والأكراد والمسلمين والمسيحيين وغيرهم، وأن اللعنة ستلاحقهم إلى يوم الدين.

والجميع يعلم بأن العراق مهد الحضارات متعدد القوميات والثقافات والأديان منذ آلاف السنين وأن المجتمع العراقي بحد ذاته ومن أخلاقياته متجانس ومنسجم ومحب للسلم والعيش المشترك من قبل الجميع وأن له صلات رحم متينة بين الشيعة والسنة والأكراد والعرب من الشيعة والسنة وحتى صلات رحم بين العوائل الإسلامية والمسيحية.

وعندما كنا في المدرسة الثانوية والجامعة لم نعرف ما هو مذهب ودين  وقومية زميلنا الطالب، وكنا إخوة وأحبة.

فعلى رجال الدين الأعلام والمدرسين والأساتذة والأمهات والأبناء والأحزاب قاطبة أن أن يغرسوا في قلوب أبنائهم بذور المحبة والإخاء، فلا فرق بين شيعي وسني وكردي وعربي وعربي وأعجمي إلا بالتقوى والعمل الصالح وما يقدمه لإخوانه ووطنه.

له دينه ولي ديني. ليس من حقنا أن نحاسب أحدا لأنه ولد سنيا أو شيعيا أو مسيحيا أو كرديا أو أيزيديا أو صابئيا، فالمسألة هي إحترام آدمية الإنسان وخلق الله سبحانه وتعالى.

وصدق القائل إن لم يكن أخاك في الدين، فهو أخوك في الخلقة.

إلإشاعات المغرضة التي تروجها بعض الدول العربية ووسائل إعلامها حول الإنتخابات الديمقراطية وكتابة الدستور العراقي على يد أبنائه الكرام بأغلبية ساحقة أن تلك الإنتخابات وكتابة الدستور غير شرعية لأن العراق محتل  بينما باركت نفس الجهات الإنتخابات الفلسطينية تحت الإحتلال الصهيوني وروجت لها ودعمتها  بالمال وبكافة وسائل إعلامها.

ألم يكن ذلك الكيل بمكيالين؟

أما بخصوص الفيدراليات العراقية وإلى متى الإنتظار؟ لماذا لم تعلنوا تشكيل الفيدرالية في وسط وجنوب العراق؟ ألم ينص الدستور العراقي على ذلك؟

نعم نؤيد الفيدراليات كما ذكرنا مرارا بأن تتمتع كل فيدرالية بإدارتها المستقلة وتحكم وتدار من قبل أبنائها وأن ثروات العراق يجب أن توزع بعدالة على جميع الفيدراليات وفق ما تحتاجه الفيدرالية.

لا ينبغي أن يشعر الإخوة السنة بالإحباط أبدا، إذا لم تكن في أراضيهم آبار نفط، لأن الدستور يحمي حقوقهم المشروعة بمثل ما يحمي حقوق الأكراد والشيعة. فالعراق ليس فقط للشيعة والأكراد وأن ثروات العراق ليست فقط للشيعة والأكراد بل للجميع.

لا نقبل بنهب ثروات العراق من قبل فرد أو حزب واحد أو عائلة واحدة، لقد ولي ذلك العهد من غير رجعة. يجب أن يتمتع كل أبناء الشعب العراقي بحقوقه المدنية ويساهم بمحبة وتآخي مع إخوانه لبناء عراق  ديمقراطي  مزدهر يحترم الإسلام والأديان والقوميات الأخرى.

وأخيرا وليس آخرا نطالب سيادة رئيس الجمهورية العراقية وسيادة رئيس كردستان العراق وسيادة رئيس الوزراء العراقي الأستاذ المالكي والبرلمان العراقي أن يتدخلوا في حل والتحقيق في مأساة الإخوة الأكراد الفيلية المختطفين من نظام طاغية العراق للتأكد والتشخيص عما إذا كانوا أحياءا يرزقون أم لا وأن يعوضوا ذويهم عن فقدان فلذات أكبادهم.

فالإخوة الأكراد الفيلية هم من خيرة الوطنيين العراقيين وأنهم ضحوا  كثيرا بأبنائهم من أجل العراق.

وقد تشرفت بالتعرف على عشرات  من العوائل الكردية الفيلية أيام الشباب وهذا الوقت وقمت بتدريس الكثير من أبنائهم، ولدي ذكريات جميلة خالدة في القلب معهم لحد الآن.

كما نطالب السادة الكرام المذكورين أعلاه تعويض كافة عوائل الشهداء والمقابر الجماعية  في عهد الطاغية المخلوع  وحتى الذين قتلوا أو عذبوا واستشهدوا في كافة المحافظات العراقية وفي سجون العراق بعد تحرير العراق من أبشع نظام ديكتاتوري.

سأفرح من كل قلبي إذا سمعت بأن الإخوة السنة يعيدون ويبنون بيت أخيهم الشيعي الذي اغتصبوه أو هدموه بقدر ما أفرح إذا سمعت بأن الإخوة الشيعة يعيدون دار أخيهم السني الذي اغتصبوه أوهدموه وعنذئذ سأصيح بأعلى صوتي ألله أكبر، عاش العراق وعاش العراقيون   المجد والخلود لشهداء العراق.

 *ألمانيا

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية-الاربعاء 22  /تشرين الثاني  /2006 -30 /شوال /1427