
ينتاب اللبنانيون الذين ما زالوا يعانون من تداعيات الحرب مع
اسرائيل شعور بالخوف من ان تنزلق البلاد نحو المزيد من حوادث
الاغتيالات وعدم الاستقرار في اعقاب اغتيال الوزير المسيحي بيار الجميل
يوم الثلاثاء.
وقال جوني جوسين (25 عاما) ويعمل في عيادة بيطرية في شارع مونوت
"انني في انتظار اغتيال وزير جديد هذه ليست النهاية بكل تأكيد."
واصبحت الحانات والمطاعم خاوية بشكل كبير في الشارع الذي عادة ما
ينبض بالحيوية والنشاط في منطقة الاشرفية التي تقطنها اغلبية مسيحية
بالعاصمة بيروت.
واغتيل الجميل وهو من المنتقدين بشدة لسوريا بالقرب من بيروت بعد أن
صدم ثلاثة مسلحين على الاقل سيارتهم في عربته ثم نزلوا وأمطروها
بالرصاص.
وتوقفت حركة السير على الطرق الرئيسية في بيروت ودوت اصوات الموسيقى
الوطنية من داخل السيارات.
وقال علي شكير (25 عاما) ويعمل مديرا بأحد المطاعم في نبرة يأس تعبر
عن حال مطعمه الخالي من الرواد "اعطوها اسبوع واحد فقط وسوف يتحول هذا
البلد الى ألسنة من اللهب. سيتحتم علي ان ارحل الى المانيا."
وتحسرت المخرجة التلفزيونية روزي (41 عاما) على التراجع المستمر
للاقتصاد في مواجهة مستقبل تحيط به الشكوك بعد ثلاثة اشهر من انتهاء
الحرب بين اسرائيل وحزب الله.
وتعم بيروت بالفعل اجواء مشحونة بالتوتر المتزايد.
وكان اللبنانيون ينتظرون بشغف رؤية ما اذا كانت المظاهرات الحاشدة
التي دعا اليها حزب الله ستجرى ام ان بامكان الفصائل المتناحرة التوصل
الى اتفاق ينطوي على حل وسط.
ومن المؤكد ان يسلط هذا الاغتيال الضوء على التوترات في لبنان في ظل
ازمة سياسية عميقة بين الاغلبية المناهضة لسوريا والمعارضة المؤيدة
لدمشق بقيادة حزب الله والعازمة على الاطاحة بالحكومة التي تعتبرها
موالية للولايات المتحدة.
وقال شهود انه تم اغلاق اثنين من الطرق الرئيسية في منطقة الاشرفية
المسيحية بعد ان احرق متظاهرون غاضبون صورة لزعيم المعارضة المسيحية
ميشيل عون الحليف لحزب الله.
وقال طالب جامعي يدعى يوسف (23 عاما) "اشعر بالاستياء التام. اتمنى
ان يتركنا كل هؤلاء الساسة لحال سبيلنا ويعطونا راحة. لم اعد حتى
استطيع التفكير."
يقول تيم باتشر من صحيفة الديلي تلجراف إنه رغم الصدمة التي تركتها
عملية الاغتيال، إلا أنها تندرج في الواقع ضمن سلسلة من الاغتيالات
والتفجيرات التي توحي بأن الممارسة السياسية في لبنان لم تخضع للثورة
أيضا في ربيع عام 2005. فالحكومات اللبنانية ظلت ضعيفة كعادتها رغم
المساحيق التجميلية الناجمة عن الانتخابات. ويعتبر باتشر أن الامتحان
الحقيقي لما إن كانت السياسة في لبنان قد تغيرت أم لا سيكون في الأيام
المقبلة.
ويقول: " عندما تعرض جد بيير الجميل الذي كان يحمل الاسم ذاته
لمحاولة اغتيال توفي فيها أربعة أشخاص قام أعضاء من حزبه بتصفية 27
عاملا فلسطينيا، مما أشعل فتيل حرب أهلية طاحنة في البلاد. ويستخلص
كاتب المقال أنه " إذا أثارت عملية الاغتيال يوم أمس ردة فعل مماثلة،
فإن الجانب السلمي لثورة الأرز سيصبح جزءا من الماضي السحيق."
البعد الاقليمي
وتقول الجارديان إن عملية الاغتيال هزت حكومة لبنان المحاصرة وأحدثت
هزات ارتدادية عبر منطقة الشرق الأوسط بكاملها، حيث زادت في تعقيد
الجهود الرامية لإيجاد تسوية إقليمية للحرب في العراق، لا سيما بعد
توجيه البيت الأبيض لأصابع الاتهام إلى كل من سورية وإيران بعد أن كانت
الترتيبات جارية لإشراكهما في محادثات السلام.
وتنقل الصحيفة عن السفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة جون بولتون
قوله تعليقا على الحادث: " لقد حذر البيت الأبيض قبل أسبوعين من أن
سورية وإيران ربما تقتربان من ارتكاب محاولة انقلابية في لبنان.
وبإمكان المرء أن يتساءل ما إن كان هذا الاغتيال الحقير الرصاصة الأولى
ضمن هذه المحاولة الانقلابية."
كما تنقل تصريحات للسفير السوري لدى المنظمة الدولية بشار جعفري قال
فيها إن سوريا "طرف في الحل وليست طرفا في المشكلة".
واعتبرت صحيفة التايمز أن اغتيال الجميل يهدد بإجهاض مبادرة رئيس
الوزراء البريطاني توني بلير بالانفتاح على سورية بعد أن وجهت إليها
الاتهامات.
وفي مقال تحليلي داخلي اعتبرت الكاتبة الصحافية برونوين مادوكس أن
التفاتة بلير نحو سورية تبدو الآن سخية أكثر من اللازم بعد حادث اغتيال
الجميل الذي ينبغي، برأيها، أن تظل سورية المتهمة الرئيسية فيه رغم
إنكارها المتواصل.
وتعتبر كاتبة المقال أن سورية وإيران - والعراق أيضا- تسير نحو رسم
مستقبل المنطقة بعيدا عما تريده لها الولايات المتحدة وبريطانيا.
وتضيف أن توقيت الحادث والأهداف الكامنة وراءه يجعلان ظلال الشك
تحوم في المقام الأول حول سورية وحلفائها في حزب الله. " فالجميل كان
ضمن أعضاء الحكومة الذين صوتوا قبل أيام على قانون يدعو للدفع بالتحقيق
الدولي حول اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري. كما أن اغتيال
الجميل يضع حكومة السنيورة على شفا السقوط، إذ يكفي استقالة عضو فيها
لتسقط دستوريا، وهذا هو القصد"، على حد رأي كاتبة المقال.
ويوضح المقال كيف أن مبادرة بلير بالانفتاح على سورية جاءت مخالفة
لتصورات الإدارة الأمريكية وارتكزت على مبدأين اثنين: كون سورية خيار
أفضل من إيران صاحبة البرنامج النووي المثير للجدل وسعي الدول الغربية
الدائم لعزل سورية عن حليفها الإيراني وجرها نحو العالم العربي.
وتختم مادوكس مقالها التحليلي بالقول: "إن على بلير، فصيح الكلام،
ألا يتصور بأن الحوار يؤتي أكله دائما أو أنه إذا توافق العراق وسورية
فإن ذلك قد يخدم مصالحه بالضرورة. وما حدث بالأمس يظهر درجة العدوانية
التي تضمرها سورية والمتعاطفين معها".
بدورها اعتبرت الفيننشل تايمز أن جهود إعادة سورية إلى الحقل
الدبلوماسي باءت بالفشل بمقتل بيار الجميل.
وقالت إن الحادث قد يشكل ضربة لتوني بلير الذي أوفد مبعوثا له إلى
دمشق في وقت سابق في محاولة لحمل سورية على إعادة التفكير في مواقفها
المعادية لإسرائيل والحكومة اللبنانية.
كما قالت الصحيفة إن الحادث يهدد بقاء الحكومة اللبنانية التي عانت
الأمرين لتحقيق الوحدة الوطنية بعد المواجهة الحربية بين إسرائيل
ومقاتلي حزب الله الصيف الماضي.
وبيار الجميل كان في الثلاثينيات من عمره ويعمل محاميا وهو أصغر عضو
في البرلمان اللبناني. انتخب أول مرة عام 2000 ثم اعيد انتخابه عام
2005. وهو من الجيل الثالث من الساسة البارزين من عائلة الجميل التي
اثرت على التاريخ الحديث للبنان.
أسس جده بيار الجميل حزب الكتائب اللبناني أحد المجموعات الرئيسية
في الحرب الاهلية اللبنانية التي اندلعت عام 1975. وكان والده أمين
الجميل رئيسا للبنان بين 1982 و1988.
اغتيل عمه بشير الجميل في سبتمبر ايلول عام 1982 بعد اقل من شهر من
انتخابه رئيسا للبلاد وفور موافقته على بدء علاقات دبلوماسية مع
اسرائيل.
|