وصايا العراقيين في الزمن الصعب

 

الواقع العراقي الصعب وما خلفه من هواجس ومخاوف أمنية ومآسي صارت زاد المواطنين اليومي، فرض شروطه ومفرداته على حياة الناس وغير الكثير من تفاصيل معيشتهم ولغتهم وثقافتهم وعاداتهم..ويظهر ذلك جليا في جملة النصائح والوصايا التي يتبادلها العراقيون فيما بينهم قبل وبعد كل حادث..

هذه النصائح التي صارت مملة من كثرة تكرارها وترديدها قد لا تفيد ،ولكن العراقيين لا يملكون إلا تبادلها وأحيانا السخرية منها..ومع ذلك فقد تتسبب في إنقاذ حياة مواطن بريء لا ناقة له ولا جمل في كل أنهار الدماء التي صارت تلون أرض الرافدين..

سالم محمود موظف متزوج ويبلغ من العمر 27 عاما ، قال لوكالة انباء (اصوات العراق) المستقلة "زوجتي تنتظر مولودا . نصحني الاهل والاصدقاء بأن ابتعد عن الاسماء التاريخية والاسلامية والشخصيات العربية عندما اختار اسما للمولود الجديد."

وتابع " إعتبروها نصيحة ذهبية لأن مئات العراقيين يلقون حتفهم بسبب اسمائهم , ونحن بدأنا نأخذ احتياطات مستقبلية في تسمية اولادنا."

وليد خالد ، طالب جامعي، قال " اشتريت موبايل ونصحني اخي بعدم وضع خلفيات معينة او استخدام نغمات دينية او اغنيات وطنية او أناشيد سياسية ، فالبعض قضوا نحبهم بسبب ارتفاع سعر جهازه او بسبب النغمة التي يستعملها او الخلفية التي يضعها لانها قد تكشف عن هويته وتكون سببا في قتله.. وعليه إخترت نغمة تيتانيك ولم يعترض عليها احد."

وقال طارق كنعان،وهو عسكري متقاعد، " لقد امتنعت عن شراء الصحف بالرغم من ولعي بقرائتها.. فهناك من يتصيد ضحاياه عن طريق اختيارهم صحفا معينة ،حيث تكون هذه الصحف مفتاحا لكشف إنتماء قارئها وعليه فقد يخسر عمره."

واضاف " لقد استحلفني ولدي الجامعي الاستغناء عن فكرة شراء الصحف خوفا علي..وحتى زوجتي التي تنتظر مني الانتهاء من قراءة الصحيفة لتستعملها في المطبخ او مسح النوافذ اعلنت عدم رغبتها في اقتناء أي صحيفة قد تترمل بسببها."

أما ام احمد ،وهى ربة بيت وخريجة اعداية، فقالت " اوصي أبنائي وبناتي بعدم الثرثرة مع زملائهم في المدرسة.. فكم من عائلة قضت نحبها عندما تحدث اولادهم بطريقة عفوية عما يملكونه من مال او اثاث.. وكم من عائلة دفعت شقاء عمرها فدية ليعود احد ابنائها الذي اختطف من قبل عصابات للخطف تفتش هنا وهناك عن ضحاياها."

وتابعت "الاطفال يثرثرون ويرغبون بالتباهي بسيارة الوالد او حتى بمصروفهم اليومي.. الامر الذي يجعلنا نخشى كل شيء وأي شيء خوفا من فقدان حياتنا."

وقالت إن "تكميم افواه اولادنا واستمرارنا بتقديم النصح لهم ما هو الا ردود فعل لما يجري."

شاكر عبد الوهاب ،كاسب ( 62 عاما) ،قال " انصح اولادي يوميا بان يتجنبوا الارتال الامريكية ، والدبابات ودوريات الشرطة ، وعجلات الجيش وكاسحات الالغام ومواكب المسؤولين بالاضافة الى الملثمين."

وأضاف "ما نشاهده يوميا يجعلنا على شفا الجنون ، لذلك اوصي اولادي قبل خروجهم يوميا بأن يبتعدوا عن كل ما قد ينهي حياتهم حتى لو انبطحوا في بركة مياه آسنة.. المهم سلامتهم "

ومن جانبه ، قال صلاح الدين خليل ،موظف (56 عاما) " كلما يمر يوم تزيد معاناة العراقيين..فهم لا يفيقوا من صدمة الامس حتى ترعبهم صدمة اليوم.."

واضاف " يوميا اجدد وصيتي واضيف عليها مايستجد.. واخر وصية لعائلتي كانت دفني في المقبرة القريبة من داري إذ لا حاجة لدفني في مقابر العائلة الكائنة في احدى المحافظات، والسبب يعود للتصفيات التي لم نشهد لها مثيلا ..فربما تكون مناسبة دفن احد الاقارب تصفية للعشيرة."

وقال محمد امين ،وهو عسكري متقاعد( 58 عاما) "لقد الغيت فكرة الصلاة في الجامع فقد تكون سببا بقتلي على الرغم من الله امر الرجال بالصلاة في المساجد، ولكن الخوف من مراقبة كيفية آداء الصلاة ووضع اليدين أثناء الصلاة جعلنا نخشى العواقب."

وتابع " ماذا نفعل؟!!..اننا نصلي بالطريقتين حسب الظروف خوفا من التداعيات.. ونصحت جيراني بأن يفعلوا مثلي كي لا يقتل احدهم عند خروجه من الجامع."

واشارت سميرة عمار ،وهى ربة بيت ، الى أن زوجها يمنعها والاطفال "من الخروج خوف العمليات المسلحة، ويقول لها (بين حانا ومانا ضاعوا قتلانا)..فيوم امس لم نجد من جارنا هادي الا ساقه، أما بقية جسده فتقطع وذاب بفعل حرارة السيارة المفخخة التي انفجرت في مكان مزدحم."

وأضافت أن زوجها "دائم النصيحة لي وللاطفال بعدم الذهاب للاماكن المزدحمة خوفا من كل شيء."

أما ما يزعج الطفل محمد اسماعيل ، الطالب في الصف الثاني الابتدائي، فهو ان صوت إنفجار المفخخات يجعل العصافير تطير وتهرب من فوق الاشجار ، ويقول إن "عدد الجنازات صار اكثر من عدد العصافير.."

ويضيف " والدي ينصحني بعدم الابتعاد عن البيت خوفا من الاختطاف.. فقد خطفوا صديقي قبل شهرين وذبحوه."

هكذا تغيرت حياة العراقيين وإنقلبت رأسا على عقب.. فهم لا يفكرون إلا في الاخطار المحدقة بهم ..ولم يبق امامهم الا تبادل النصائح ، مهما كانت مملة ومكررة ، فلعل نصائحهم ووصاياهم تقلل من ضحاياهم.

شبكة النبأ المعلوماتية-الثلاثاء 21  /تشرين الثاني  /2006 -29 /شوال /1427