هناك أطراف داخل الولايات المتحدة كانت تدعو منذ فترة- وتبدوا
اليوم أكثر إصراراً - إلى إقامة حوار مباشر مع طهران للوصول إلى تسوية
ما بشأن ملفها النووي وما ألتصق به، يبدو أن هذه الأطراف قد وجدت
مؤخراً داخل الإدارة الأمريكية منْ لا يمانع في رسـمنة الحوار.
ومن هنا يبدو أن إيران إستطاعت الإبتعاد قليلا عن حافة الهاوية
مرحلياً، والفضل يعود إلى البرغماتية النسبية للاعبين الأساسيين،
والأوراق التي في حوزة إيران من جهة، والتعثرات المتتالية للولايات
المتحدة في المنطقة عموماً والعراق خصوصاً من جهة أخرى.
لكن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد أعلن وخلال مؤتمرصحفي يوم أمس
الجميع بأنه سيعلن أخباراً سارة بعد أقل من ثلاثة شهور، وخلال فترة
الإحتفال بذكرى إنتصار الثورة الإيرانيـة.
أتصور بإن هذه الأخبار السارة ستكون على غرار تلك التي أعلن عنها
نجاد في الربيع الماضي عندما أعلن عن حصول إيران على تكنولوجيا دورة
الوقود النووي.
- لكن في أي إطار يمكن تحليل تصريحات أحمدي نحاد ؟
رداً على هذه التصريحات وأثناء الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء
الإسرائيلي للولايات المتحدة قال المتحدث بإسم البيت الأبيض:
" إن تصريحات كهذه يعني أنها- إيران- بصدد إمتلاك الأسلحة النووية،
و بإمتلاكها لمثل هذا السلاح ستشكل إيران مصدر قلق وتوتر في المنطقة."
فهل عاد الطرفان إلى المربع الأول ؟
هناك عاملان:
العامل الأول يرتبط بالوضع الداخلي الإيراني ؛ والثاني يرتبط
بإحتياجات السياسة الخارجية الأميركية الراهنة المتعارضة، وتعقيداتها
المتشابكة الحائرة أحياناً بين وزارة الخارجية والدفاع والمخابرات
المركزية ومجلس الأمن القومي والرئيس وجماعات الضغط والنفوذ.
فيما يتعلق بالحالة الداخلية فإيران مقبلة على إنتخابات هامة لمجلس
خبراء القيادة فضلاً عن إنتخابات البلديات، وهذا يعني تحليل بعض
التصريحات في إطارشـد الحبال والحشد والتحشيد المضاد بين الجناحين
المحافظ والإصلاحي. من جهة أخرى فقد تمّ إقصاء أكثرمن نصف مرشحي الجناح
الإصلاحي من خوض الإنتخابات القادمة لمجلس الخبراء. فبعد التعبئة التي
أجرتها السلطات الإيرانية بشأن الملف النووي أصبح الملف النووي يرتبط
بشكل وثيق بالشعورالقومي الإيراني حيث أن أي تنازل من هذا الجناح اوذاك
يعتبر بمثابة إنتحار سياسي، ولذلك يسعى الفريق الحاكم الموصوف
بالمحافظ إستغلال هذه الورقة لصالحه من خلال إستخدامه لغة التحدي في
الملف النووي لحشد أكبر عدد من الناخبين لفتح آخر المعاقل المتبقية
التي يشغلها بعض الإصلاحيين المعتدلين.
كما أنه يسعى لخلق زوبعة إعلامية في هذه الإنتخابات لتمرير مشروع
إقصاء الإصلاحيين أوالمحسوبين عليهم من خوض الإنتخابات والحليلولة دون
وقوع إنعكاسات داخلية أوخارجية واسعة كتلك التي حصلت خلال الإنخابات
البرلمانية السابقة.
اما في الولايات المتحدة فرغم تزايد الأصوات المنادية بإجراء حوار
رسمي مباشر مع طهران لكن هناك أيضاً منْ يصر على ضرورة إتخاذ إجراءات
متشددة إزاء إيران وتتمع تلك التيارات بنفوذ واسع داخل الإدارة
الأمريكية. ومن أبرزهذه التيارات تلك المدافعة عن إسرائيل في الولايات
المتحدة.
وربما تأتي الزيارة الأخيرة لرئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت
لدعم جهود هذه التيارات التي تبدي تحفظاً شديداً إزاء أي تحول جذري في
العلاقات الإيرانية- الأمريكية، وتسعى جاهدة للحيلولة دون وقوع أي
تغيير في هذا المجال.
على الرغم من وجود بعض الحوافز التي تدفع الجانبين للجلوس الرسمي
العلني على طاولة المفاوضات يبدو أن قضية المحادثات الإيرانية-
الأمريكية قد أثيرت مرة أخرى في التوقيت الغير مناسب، وان الطرفين على
المدى القصير المنظور سيواصل التقيـّد بسياسة تجنب الصراع المباشر
أوالحوار المباشر ورفع سقف المطالبات وتدويرالأزمة.
*معهد الإمام الشيرازي الدولي
للدراسات – واشنطن
http://www.siironline.org |