دور المسنين.. صور مأساوية لآباء وأمهات من ضحايا جحود الأبناء

 

عندما يقترب المرء من مبنى علقت عليه يافطة "دار رعاية المسنين " ينتابه شعور غريب ويدعو الله بينه وبين نفسه ألا يحكم عليه القدر بأن يكون واحدا من نزلاء هذا المكان..!!

الخطوات مرتعشة والصمت مريب في هذا المبنى سواء كان بيتا أو منزلا أو دارا ..لا فرق في التسميات مثلما لا فرق بين نزلائه الذين شاء سوء الحظ وجحود الابناء أن يكونوا تحت رعاية الآخرين من الأغراب ، ويجدوا في كنفهم ما فقدوه من أبناء من دمهم ولحمهم قال عنهم احد المسنين " أولادنا جاحدون وناكرون للجميل لأنهم رمونا هنا كما ترمى (...)."

وجع وألم ..ووجوه متغضنة وسنون أكلت شباب العمر الذي كان طافحا بالكفاح من اجل أن يكبر الأبناء وإذا بالأبناء لا يؤدون الأمانة متناسين أن للزمن دورته..وكما قال ذات المسن الذي ما زال يريد تسمية نفسه بكنيته ، وكأنه يسامح ابنه الذي رماه في هذا المكان ( أبو محمد) ،وقد إنسابت دمعتان على خديه المزدحمين بتجاعيد الزمن "سيكون ابني الذي رماني نزيلا في هذا المكان ذات يوم حين يرميه ابنه مثلما رماني."

مديرة الدار السيدة احتشام مجيد الهر ، الحاصلة على بكالوريوس حقوق ، تقول لوكالة أنباء (أصوات العراق ) إن "الدار تضم 51 مسنا ، وهؤلاء المسنون بحاجة إلى رعاية من نوع خاص ..رعاية لا يمكن توفرها إلا بالصبر والعناية الخاصة..لقد فقدوا الأمل أو أنهم يعتقدون إن الأمل قد ضاع منهم بسبب الحياة وظروفها."

وتضيف "وجدوا أنفسهم إما عاجزين عن الاستمرار مع الحياة في بيوتهم الأولى أو أن الأولاد والبنات وجدوا في هذه الدار سبيلا لكي يرتاح الجميع أو أن الظروف الاقتصادية لعبت في مقدرات البعض ولم يجدوا معينا لهم غير دار الرعاية."

وتتابع مديرة الدار " كل شيء في هذا المكان يجب أن يكون إنسانيا لأننا لا نتعامل مع شريحة غير سوية بل مع أناس افنوا زهرة شبابهم وعمرهم الطويل لكي يكونوا في منأى عن الظلم. "

وترجع أسباب لجوء المسنين الى الدار " إما إلى عقوق الأبناء ، سواء كانوا أولادا أو بنات ، كأن يكونوا قد تزوجوا ولا يتسع بيت الزوجية الجديد للآباء ، أو لأن الأبناء قد أخذتهم الحروب وتركت آباءهم وحيدين أو أن الأبناء أنفسهم لم يعودوا يطيقون تصرفات الآباء التي لا يفهمها الآخرون لان المسن حين يكبر يتحول إلى طفل كبير."

وتقول السيدة إحتشام إن " عدد المسنين من الرجال 31 في حين وصل عدد المسنات الى 20 مسنة"، مشيرة الى أن " اغلب المسنين هم من خارج محافظة كربلاء."

وتستطرد أن " بعض هؤلاء المسنين يأتي بهم أولادهم ومن ثم يتبرأون منهم لا لشيء إلا لأنهم اعتبروهم جالبي سخرية من قبل المجتمع أو اعتبروهم عائقا في حياتهم أو للهرب من مشاكل تصادفهم بسبب العمر الذي لف هؤلاء الكبار الذين يحتاجون إلى رعاية خاصة..والبعض الآخر اعتبرهم عائقا إذا ما كان مستواهم المعاشي قد تطور وأصبحت الحياة في عيون الأولاد لها لون مختلف في حين مازال الآباء والأمهات يسبحون بذات الألوان القديمة ويعتبرونها هي الأصل فيحصل الاختلاف بين جيلين."

وتشير مديرة الدار الى أن " بعض المسنين يأتي بنفسه إلى الدار لعيش بعيدا عن الطرقات والبرد ونظرات الناس ليحيا بكرامة حتى لو كانت بعيدا عن رعاية الأبناء."

وعن طريقة التعامل مع المسنين ، توضح مديرة الدار ان " الخطوة الأولى لدينا هي توفير الرعاية والعطف وتخفيف الهموم لأن بعض المسنين ، وهذا مؤكد ، مصابون بأمراض عديدة بحكم عامل العمر ،فتتولى الدار علاجهم حيث يوجد هنا طبيب يقوم بفحص المرضى وعلاجهم وإذا ما كانت هناك حاجة إلى طبيب إخصائي تتم إحالتهم اليه ،فالدار تقوم بالاتصال بأحد الأطباء الذي يأتي بدوره لتقديم العلاج."

وتشيرالى " دائرة صحة كربلاء تقدم كل ما لديها من مساعدات إن كانت طبية أو صحية أو علاجية وتوفر الدواء."

ولدى محاولة التحدث الى نزلاء الدار ، رفض جميع المسنين تقريبا الكلام او التصريح باسمائهم..ولكن احدهم أجهش بالبكاء قائلا " لا أريد لابني أن يقرأ اسمي فربما يؤثر ذلك على سمعته"، مؤكدا عاطفة الابوة التي لا تزال تحنو على ولد لا يسأل عن أبيه.!!

وحين إطمأن الرجل الى ان اسمه لن يذكر إحتراما لرغبته ، مسح دموعه وقال" أنا مرتاح هنا وجميع العاملين أبنائي" ، مضيفا "جاء بي أبني إلى هذا المكان ولم أكن اعرف انه سيرميني هنا الى الابد .. قال لي وقد حمل حقيبة صغيرة انه سيأخذني إلى الزيارة (زيارة المراقد المقدسة في كربلاء ) وإذا بي هنا في هذه الدار."

وأضاف" الحقيقة أنني كنت غاضبا حين غادر ابني وتركني، ولكن بعد أيام وحين وجدت الراحة هنا فرحت لان زوجة ابني لا تريدني أن أكون في بيتها وابني ضعيف الشخصية أمامها وأنا رجل كهل لي طلباتي الخاصة في نوعية الأكل والشراب والدواء والمرض..فمن مثلي لا يمكن أن يكون خاليا من المرض ونحن قد مررنا بأعوام عجاف من الحروب والقهر والحزن."

ومن جانبها ،قالت إحدى المسنات رافضة الإفصاح عن اسمها"لدي ولد واحد وبنت واحدة ولكنهما لا يأتيان لزيارتي إلا قليلا."

وهنا تدخلت مديرة الدار لتقول إن " اغلب النزلاء ما زال قلبهم ينبض بحب الأبناء إلا إن الأبناء لا يزورون آباءهم أو أمهاتهم وكأنهم قطعوا الصلة بهم نهائيا فتحولوا إلى أبناء عاقين."

وفي صيدلية الدار التي تقدم أدويتها إلى المسنين الذين لا يستغنون عنها ، قال مسؤول الصيدلية "توجد لدينا أدوية كافية لبعض الإمراض ولكنها لا تكفي لجميع الإمراض" ، موضحا أن " الدار بحاجة إلى أدوية غير متوفرة مثل الأشرطة الخاصة بقياس نسبة السكر في الدم ..وما نحتاجه هو نوعان من هذه الأشرطة لكي نزود المرضى من المسنين بها، كما تعاني الصيدلية من نقص ( الفراش الهوائي ) الخاص بمرضى القرحة."

وتابع " في السابق كانت تأتينا أدوية من بعض المنظمات ، أما الآن فما يصلنا يأتي فقط من المستشفى الحسيني ، لذلك نطالب المنظمات والشخصيات المقتدرة والباحثة عن الحسنة إلى آخر العمر أن تسارع بدعم هذه الدار" ، مضيفا" كما تحتاج الدار إلى شعبة للأسنان أو يتم عمل أسنان للمسنين في عيادات الأسنان."

وعن الجهات التي تقدم المساعدة لهذه الدار ، قالت المديرة " سابقا.. كانت تأتينا المساعدات من عدة جهات ،سواء من قبل منظمات عالمية كالمنظمة الإيطالية أو الحوزات العلمية ، إلا إن كل شيء توقف ولم نعد نحصل على أي دعم."

وإستدركت قائلة إن "كل ما نحصل عليه حاليا هو عبارة عن دعم من مجلس المحافظة إذ قدم تبرعات عديدة للمسنين وللدار ، وكذلك منظمة حقوق الإنسان فهي غير مقصرة في الجانب الترفيهي."

شبكة النبأ المعلوماتية- 12 الاحد /تشرين الثاني  /2006 -20 /شوال /1427