
عندما استضاف الرئيس الامريكي جورج بوش اثنين من كبار قياديي الحزب
الديمقراطي في مكتبه البيضاوي الاسبوع الماضي في محاولة لابرام هدنة
بين الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري بعد انتخابات التجديد النصفي
للكونجرس كان قد نسي فيما يبدو للحظة أن نائبه ديك تشيني كان في نفس
الغرفة أيضا.
قال بوش "يدرك ثلاثتنا أهمية التعاون معا من أجل انجاز الامور"
متحدثا الى رئيسة مجلس النواب المقبلة نانسي بيلوسي والنائب الديمقراطي
ستيني هوير ومستبعدا من هذا الحديث فيما يبدو تشيني الذي كان يجلس على
أريكة في ركن الغرفة.
كانت تلك هفوة ولكن المحللين السياسيين اعتبروها رمزا لتراجع نفوذ
نائب الرئيس الذي كان يصور في الماضي من حين لاخر على أنه الذي يحرك
الاحداث من وراء الكواليس والذي كان يملك القوة الحقيقية في ادارة بوش.
وقال محللون ان تشيني يعرف عنه أنه من صقور السياسة الخارجية والذي
سعى جاهدا من أجل حرب العراق وبرامج مثل المراقبة الالكترونية للمشتبه
بهم في قضايا الارهاب بعد هجمات 11 سبتمبر أيلول ولكن نفوذ تشيني بدأ
يتراجع قبل فترة طويلة من الانتخابات التي أجريت يوم الثلاثاء والتي
جعلت الديمقراطيين يسيطرون على مجلسي الكونجرس.
قال كالفن جيلسون وهو استاذ العلوم السياسية في جامعة ساذرن ميثودست
في دالاس "كان نائب الرئيس يتمتع بنفوذ كبير في فترة الولاية الاولى
لبوش... كان من المقدر أن يذوي نفوذه يوما ما ولكن خطى هذا التراجع
تسارعت بعد الانتخابات وهي الان تتراجع بسرعة كبيرة للغاية."
ونفت دانا بيرينو المتحدثة باسم البيت الابيض مثل تلك الاقاويل
واصفة اياها بأنها تصدر عن أشخاص "ليس لديهم دراية أو اتصال بالرئيس أو
نائب الرئيس."
ويفخر تشيني بنفسه باعتباره من اضطلع بدور فريد يقول انه يتيح له
تقديم مشورة خالصة لبوش استنادا الى كون تشيني ليس لديه طموح في
الرئاسة بخلاف أغلب نواب الرؤساء وانه يعاني من متاعب قلبية قد تحول
دون ترشيحه لنفسه في هذا المنصب.
ويقول المقربون من نائب الرئيس ان هذا يتيح له الترفع عن أي خلافات
ولكن منتقدين يقولون ان هذا يجعله غير قادر على فهم قواعد اللعبة
السياسية مما يمثل عبئا على بوش في بعض الاحيان ومثال لذلك عندما أحجم
تشيني في باديء الامر عن الكشف عن ملابسات حادث صيد أطلق فيه الرصاص
على صديق له على سبيل الخطأ.
وبالنسبة للعالمين ببواطن الامور فان الواقعة التي كانت لها دلائل
أكثر مما حدث في مكتبه البيضاوي من تجاهل بوش لتشيني كانت قرار الرئيس
بالاطاحة بوزير الدفاع دونالد رامسفيلد في الوقت الذي طالب فيه بوجود
"رؤية جديدة" فيما يتعلق بالعراق.
وتشيني ورامسفيلد وكلاهما يعمدان الى التصريحات الحادة من أكثر
الشخصيات اثارة للجدل في ادارة بوش.
جاء في كتاب "حالة الانكار" للمؤلف بوب وودوارد أن التحالف بين
تشيني ورامسفيلد والذي يرجع الى ادارة فورد منذ جيل مضى كان قويا
للغاية حتى أن تشيني قاوم في العام الماضي عزل رامسفيلد وهو ما كان
يؤيده اندي كارد كبير موظفي البيت الابيض السابق والسيدة الاولى لورا
بوش.
وقال محللون انه في حين أن تشيني ربما يكون قد ساعد في تجنب خروج
رامسفيلد من الادارة في وقت مبكر فان ثقله خلال فترة الولاية الثانية
لبوش ليس بنفس قدر ما كان يتمتع به عندما تولى الرئيس بوش الذي كان
يفتقر الى الخبرة الكافية في السياسة الخارجية الرئاسة عام 2001 .
قال ستيفن وين الاستاذ في جامعة جورجتاون ان خطوة بوش لاختيار
صديقته المقربة كوندوليزا رايس لتولي وزارة الخارجية عام 2005 ثم في
وقت سابق هذا العام اختيار جوشوا بولتن ليخلف كارد في منصب كبير موظفي
البيت الابيض أدى الى احداث توازن مع نفوذ تشيني.
ولكن اعادة رسم الخريطة السياسية بعد الانتصارات التي حققها الحزب
الديمقراطي في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس ربما يكون لها المزيد
من التداعيات بالنسبة لتشيني في الوقت الذي يؤكد فيه الرئيس بوش على
التعاون بين الحزبين والتحلي بمرونة أكبر في التعامل مع العراق.
وقال وين "أعتقد أن دور تشيني في اللحظة الراهنة سيقتصر على تولي
مهامه الخاصة به والابتعاد عن العيون... ليس من المرجح أن يذعن
للتغييرات التي يريد الرئيس اجراءها."
هل يمكن أن يعني رحيل رامسفيلد من الادارة أن دور تشيني هو التالي..
قال بوش ان هذا لن يحدث واتفق المحللون على أن هذا مستبعد بصورة كبيرة.
قال سكوت ريد وهو مستشار سياسي من الحزب الجمهوري "لا أعتقد أنه حتى
احتمال بعيد" مضيفا أن مثل هذه الخطوة تعني اعترافا بالفشل لن يسمح بوش
أبدا باعلانه.
هذا وباشر الحزب الجمهوري الاميركي بزعامة الرئيس جورج بوش البحث عن
قادة جدد واستراتيجية جديدة لتجاوز "الصفعة" التي تلقاها في الانتخابات
النيابية الثلاثاء الماضي.
وقال روي بلانت المسؤول الثالث في الغالبية الجمهورية المنتهية
ولايتها في مجلس النواب "يجب الاستماع الى كل الانتقادات" من الناخبين
وهو ما يجمع عليه كل المسؤولين الجمهوريين.
وقال بلانت الجمعة متحدثا لشبكة "فوكس" التلفزيونية "امامنا سنتان
لاستعادة حيوية الحركة المحافظة مثلما جرى بعد (هزائم) 1974 و1976
و1992 التي تلتها كلها نتائج ممتازة للمحافظين الاميركيين".
واعلن رئيس الحزب الجمهوري كين ميلمان احد مخططي الحملة الانتخابية
التي قادت بوش مجددا الى البيت الابيض عام 2004 انه يعتزم الانسحاب في
كانون الثاني/يناير ما يشير الى عمق التغييرات القادمة.
وكان رئيس مجلس النواب المنتهية ولايته دينيس هاسترت اعلن منذ
الاربعاء انه سيعود مجرد نائب بعد ان لزم الصمت طوال الحملة الانتخابية
نظرا للشبهات التي تحوم حوله وتاخذ عليه تساهله حيال نائب اجرى مراسلات
الكترونية اباحية مع طلاب يعملون في الكونغرس.
اما مستشار الرئيس كارل روف واضع استراتيجية البيت الابيض والملقب
ب"دماغ بوش" فقد ولت ايام المجد بالنسبة له حيث وجه اليه بوش الاربعاء
انتقادا لاذعا قائلا "من الواضح انني عملت على الحملة اكثر منه".
وفي انتظار تغيير قادته يبدو الحزب مترددا ما بين العودة الى جذور
الحركة المحافظة او اعتماد استراتيجية توسع تتخطى قاعدته الانتخابية
التقليدية من البيض والمتدينين والمحافظين المتشددين.
وتوقعت صحيفة واشنطن تايمز ان يطلب من مايكل ستيل الذي فشل بنسبة
اصوات ضئيلة في الفوز بمقعد عن ولاية ميريلاند ذات الميول الديموقراطية
في مجلس الشيوخ تولي رئاسة الحزب.
وسيكون هذا الجمهوري الاسود المقدام في موقع جيد لمواصلة استراتيجية
الانفتاح على الاقليات التي اطلقها كين ميلمان قبل ان تنهار في اعقاب
الاعصار كاترينا في صيف 2005 وما نتج عنه من اضرار جسيمة وضحايا في
اعداد المواطنين السود في نيو اورلينز.
واعتمد ستيل الصيف الماضي موقفا ملفتا من ادارة بوش وغالبيتها
المنتهية ولايتها اذ اتهمهما بنسف فرص الجمهوريين الانتخابية نتيجة
اخطائهم المتكررة في الاداء ولا سيما في العراق ومحاولاتهم الفظة
لاجتذاب اليمين الديني.
وفي مجلس النواب يحاول زعيم الغالبية الجمهورية المنتهية ولايته جون
بونر الحفاظ على موقعه على رأس كتلته وهو موقع يشغله منذ اقل من سنة.
غير انه يواجه منافسة شديدة من مايك بنس الذي ينتقد بشدة الادارة
والغالبية المنتهية ولايتها. وقال بنس معلقا على نتيجة الانتخابات "ان
فضائح (الفساد) اضرت بقضيتنا لكن الفضيحة الحقيقية في واشنطن تكمن في
النفقات الفدرالية التي لا نهاية لها وقد قال ناخبونا +كفى+".
وقد تعكس المعركة للفوز بمراكز المسؤولية في الحزب صورة لما سيكون
عليه السباق للفوز بترشيح الحزب للانتخابات الرئاسية عام 2008.
ويبدو السناتور النافذ جون ماكاين الاوفر حظا للفوز بالترشيح
الجمهوري وهو الذي ينتقد سوء الادارة ويلزم مسافة بالنسبة الى اليمين
الديني غير انه سيواجه على الارجح حاكم ماساتشوستس المنتهية ولايته ميت
رومني الاكثر تشددا منه في ما يتعلق بالقضايا الاجتماعية.
وفي انتظار هذه المواجهة التي ستحسم مستقبل الحزب الجمهوري يجد بعض
المحافظين عزاء في الاشارة الى ان هزيمة الجمهوريين في الانتخابات لم
تقض على النزعة المحافظة.
ورأى محرر الافتتاحية المحافظ في صحيفة "واشنطن بوست" تشارلز
كراوتهامر الجمعة ان "هزيمة الجمهوريين ابعدت العديد من الوسطيين (..)
في حين ان الموجة الديموقراطية جاءت بالعديد من الديموقراطيين
المحافظين" مضيفا "النتيجة ان الحزبين انزلقا الى اليمين". |