الأستاذ خضير ميري في حوار مع شبكة النبأ: انا مجنون  ولكني ليس بالدرجة التي تجعلني اواجه الازمة في العراق.. انه بلد الاشباح

أجرى الحوار حامد الحمراني – القاهرة

  

* شعوري لعدم جدوى وجودي في العراق الا ان اكون رقما جديدا في قائمة الضحايا هو الذي دفعني الى الهجرة من العراق

* انا ضد من يعيشون على المكاسب ويخافون من التضحيات

* يجب ان نتخلص من ثقافة الموتى والتحنيط في التاريخ وان نكتب ما نعيشه وان نتخلص من الاستعراض الثقافي  ومن التراكم المعلوماتي الذي يورث الغباء..

 

لقد ارتكبت كل حماقاتي بهذا البلد واعطيت فرصة للاخرين كي ينالوا مني لا لشىء فقط لاعطي قيمة للثقافة العراقية، وها انذا اعلن خروجي وهجرتي من العراق لابحث عن صحراء تليق بامنيتي بعد ان بدأت لغة لا افهمها، فلأول مرة احس ان العراق بدأ يضيع وانا لا املك الا ضلوعي واحلامي وحذائي الذي يسيرني حيث يشاء الجنون، اعلن مغادرتي  من العراق الذي اصبح من حق من يعرف اللعبة وليس من هو ضحيتها.

بهذه الكلمات اختتم خضير ميري الناقد والفيلسوف والمجنون والشاعر وجوده في العراق تاركا وراءه عموده الثقافي في صحيفة الصباح الذي استمر اكثر من سنه واسئلة خلقها واسئلة بقيت تدغدغ ميله الى المشاكسة فلم يجب عليها واسئلة يقول انها فن الفنون، ترك العراق متوجها الى القاهرة.

وعلى مسرح الاوبرا مصادفة  ونحن بانتظار المسرحية العراقية " نساء في الحرب " التي تحكي زمن الطاغية وكيف كان هو السبب في هجرة العقول المثقفة فقد ابكتنا كثيرا  وجعلتنا نلعن الدكتاتورية المقيتة في شوارع القاهرة مليون مره.

التقيت  ميري وقبلها بيومين اتصل بي الشاعر المبدع عمر عجيل السراي انه في سوريا بعد تلقيه التهديد من لا يعرف منهم الا انهم هددوه  وقلت في نفسي انها مواسم الهجرة الى خارج العراق..

- لماذا القاهرة استاد ميري؟

 قال ليس الذهاب الى القاهرة هجرة بالمعنى الحقيقي، انها محطة لاسترداد الطاقة ومحاولة لسحب كمية كافية من الاوكسجين بلا اتربه وفرصة لاعادة الاعمال الكتابية واستكمال بعض المشاريع.

واستدرك ميري " نعم ان وجودي الان في العراق لا يخلو من مخاطر.. بغض النتظر عن التوصيفات الثقافية او الابداعية او ان تكون صاحب راي او مشاكس او مجنون  انت مستهدف، الكل مستهدفين "

انا شخصيا اقف عاجزا ازاء فهم ما يجري في العراق، ابتداءا من عدم قدرة الاحتلال على استكمال شروطه في جلب الامن وانتهاءا بلهاث الحكومات في ترقيع الاوضاع وشللها الكامل ازاء حماية المواطنين الابرياء، مرورا بالطائفية الزائفه التي اصبحت لسان حال كل القوى السياسية بلا استثناء.. ولعل شعوري لعدم جدوى وجودي في العراق الا ان اكون رقما جديدا في قائمة الضحايا هو الذي دفعني الى الهجرة من العراق..

- قلت له اين تكمن الازمة؟

من الجانب الفكري فان العراق لم يؤسس خطابا معرفيا مجردا عن نوازع مثقفيه وقد كان الدين (بالمفهوم المذهبي الضيق) هو الذي يدفع الناس باتجاه نوازعهم لمطالبهم الدنوية والاخروية ولعل ضعف المثقف العلماني المتطور وطغيان الدكتاتورية فترة طويلة وشيوع القتل المشروع (المبرر) انتج طبقة كبيرة من المجرمين ساعدت على تفشي مظاهر العنف والارهاب فيما بعد.

- قلت هذا منطق سياسي ام ثقافي ام فلسفي.. انت فيلسوف؟

قال " لست فيلسوفا ولكنني اكتب في الفلسفة وكانت لي محاولات مبكرة لانتاج افكار فلسفية ليست خالصة لكونها مزيج من الشعرية والجمالية وانا اقرب بالكتابة الفلسفية الى " نيتشه " مني الى كبار الفلاسفة المهتمين ولعلني كنت انادي بما اطلق عليه بتفكير ما بعد الفلسفة وهو مشروع يتخطى الفلسفة كونها منهجا متعاليا  ليكون مجرد كتابة ابداعية، بمعنى ان الفلسفة كانت توهم نفسها بالبحث عن حقيقة خارجها بينما فكر " ما بعد الفلسفة "  يعتقد انه لا يتوجد حقيقة خارج الفلسفة.. وبما ان الادب في تقنيات متطورة "بفن الاكاذيب " وان الوهم اصل الجماليات فان الفلسفة فن ابداعي يتيح للمفاهيم والتصورات والافكار وهو غير مسؤول عن تطبيقها.. فالمادة عن كارل ماركس هي مفهوم فلسفي لا تقل وهما عن فكرة المثال عند المثاليين وكلاهما نتاج مبدعين وهكذا فان علينا ان نعود الى الفلسفة  الى رحمها الاصلي القائم  بفن التعبير..والتفكير هو فن انتاج المفاهيم بذات المعنى الذي يتيح الروائي شخصياته والشاعر دلالاته  وانا مدين بالكثير من هذه الافكار  الى " جيل ديلوز " وهو من تلاميذ فوكو  - وقد مات منتحرا –  حيث انه قال ان الفلسفة هي ابداع المفاهيم.

- قلت له يعني ان الازمة ازمة فلسفية ام سياسية ام اخلاقية؟

قال " الاجيال الثقافية في العراق ليس لها علاقة بالفلسفة وهي اجيال هشه توارت خلف سلطة الشعر  واعتاشت عليه بدءا من السياب وانتهاء وليس نهاية بخزعل الماجدي.. لم يكن الجواهري ولا البياتي ولا حتى مظفر النواب  ان يستطيعوا ان يقدموا فكرا..  ان شعراء مثل اركون او فنانيين مثل سلفادور دالي  قدموا ردا فلسفيا وافكار  اما نحن فشعرائنا مجرد شعراء يعيشون على انتهازية الشعر..

- اين الحل؟

قال ميري " نحن بحاجة لتكريس الانقطاعات  ان  نتخلص من سلطة السلف وان نتخلص من ثقافة الموتى والتحنيط في التاريخ وان نكتب ما نعيشه وان نتخلص من الاستعراض الثقافي  ومن التراكم المعلوماتي الذي يورث الغباء  وان نسمح لانفسنا ان نبدأ دائما من الصفر علينا ان نكتب مثلما نحيا لا مثل ما نقرأ  ولعل الشعار " ان الكتابة الجديدة بحاجة الى خيانة المرجعيات "  هي النموذج الامثل.. يجب ان نكتب شيئا لم يكتب بعد..

- وماذا وجد ميري عندما فقد عقله قديما؟

لم اكن قديما سياسيا كنت متمردا واستعطت ان انتزع حريتي من بلدي كاملة ولم استجدها من بلد اخر.. ففي عام 2001 في عمان هاجمت المعارضة لانني على دراية بانهم لا يمثلون مواقف سياسية حقيقية وعندما عادوا بعد السقوط عادوا ليجلسوا على كراسي الاخرين ولعدم وجود الامان عادوا من حيث اتوا.." انهم يعيشون على المكاسب ويخافون من التضحيات "

لم اكن سياسيا.. نعم لقد اقتنعت في الماركسية والوجودية والبنوية والجنون  ولا اصلح ان اكون نموذجا لاي شخص اخر.. لم اتاثر بالثقافة العراقية قط.. لم اقرأ لاحد حتى اصير مثله..انا ممارسة ابداعية ممكن ان تكون مهمة اذا توفرت لها ظروف الاصغاء والتعبير.

- سالت خضير ميري عن قضية الجنون؟

قال " تجربتي الخاصة التي ادعيتها  في زمن النظام السابق دفاعا عن حياتي ووجدتها بعد ذلك تجربة مثيرة كتبت عنها وساعدتني على الانتشار والترويج  (وما زلت اعتاش عليها) فانا الان اعمل على اصدار المجلد الاول " تاريخ الجنون في العقل العربي " الذي اثبت من خلاله  ان العقل العربي كان اقرب الى الجنون بدءا من جنون الاشياء وانتهاء بالحكام العرب الذين كانوا يملكون  خمسة الاف جارية ويسفكون الدماء في الليل مع شرب النبيذ..

- وسالته عن الوطن؟ فقال هو انتماء اختياري اكثر ما هو انتماء اصيل فقلت له هل ان خضير ميري راض عن نفسه؟

انا راض عن نفسي بقدر ما انني افكر جيدا واقرأ جيدا وامارس حياتي بلا قيم زائفه و كلما استيقظت صباحا وارى انه لم ينطوي علي شىء فساقول هذا حسن.

وتابع ميري " انا مجنون  ولكني ليس بالدرجة التي تجعلني اواجه الازمة في العراق "

فالقتله مجهولون والجثث مجهولة والميليشيات المسلحة مجهولة " انه بلد الاشباح "

ان هم يلعبون في مقدرات الشعب، والذي يحدث ليس حربا اهلية، وانما تظافرت الجهود العالمية لشن حرب ابادة ضد الشعب العراقي من اجل مصالح انية.

- قلت له انت مهزوم...؟

قال حيث ما يكون موت في بلدك لا يوجد انتصار بعد ذلك، انا مجرد كاتب لا يخلو من برجوازية يحلم بقلم وطاولة ومكان امن يكتب فيه.

اعرف جيدا ان العراق تاريخ عظيم ولكني جربت كل الطرق ولكني فشلت، انا لا استطيع العيش في العراق، واعتقد لو عاد " لوركا " الى الحياة لاختار نهاية اخرى غير القتل،

انا اريد ان اكتب عن الحياة، وليس للمبدأ الذي سرعان ما يخطأ ويزول.

- هل يشهد العراق هجرة منظمة للمثقفين؟

قال خضير ميري " يجب ان لا نكبر سفر البعض منا لشىء او لاخر  حتى يقولون هناك هجرة جديدة للمثقف العراقي، البقاء في الوطن مشروع انساني كبير،  واذا كنت انا او غيري لم نستطيع ان نمضي حتى النهاية بسبب " القدرات القابلة للنضوب " فليس الهجرة بديلا

وانا شخصيا ما زلت اكتب في العراق باستمرار من خلال عمودي وكتبي في القاهرة واعادة كتبي التي حرمت من المطالعة في العراق لاني كرست حياتي في بلدي، لقد وجدت نفسي غير مقروء كما ينبغي..

- من خلال عمودك في الصباح الثقافي عدك البعض بانك ناقد؟

قال ميري " لست ناقدا " بسبب نقصان العقلانية عندي وفقدان الاحكام ورغبتي في تصحيح الكتابة، لاني ذاتيا اكتبها مغلوطة، كما ان الناقد عندنا متهم بانعدام الابداع – وهو عبارة عن لقلق عجوز يراقب الناس من اعلى –، فلا يمكن لكاتب لا اخلاقي مثلي ان يطرح نفسه بصيغة ناقد..

لقد سبب لي العمود في الصباح خلافات كثيرة انا افتعلتها، وكان  مع الاستاذ وجيه عباس خلاف زائف، وصدقه وجيه لغرض الاثارة الثقافية.

اما محمد خضير فهو امتداد منهجي قديم وقد هاجمه خضير للتنظير اكثر مما يجب ومحاولته الدفاع عن كل كتاباته وعدم الاعتراف بان بعضها كتابة مرحلية كـ" كراسة كانون " وهي ليست رواية ولا تمثل محمد خضير. واقولها بصراحة لقد كتب محمد خضير عني بغاية الانسانية وانا قابلتها بغاية الجحود لاني كنت ادرك نفسيا حاجة القارىء لان يجدني وقحا ولكن عمود محمد خضير كان اكثر اقناعا من ردي عليه،  لقد كان كيسا ولطيفا "

انا من سلاسلة رامبو ومحمد شكري المغربي وغيرهم من الكتاب الذين ذهبوا الى الهامش او صعدوا اليه، ولهذا انا اكتب كتابة صريحة وصادقة واشعر بان سيدتي المراهقة تغذي اعمالي،  وحكايات من البشماعية هي بداية المنعطف في كتاباتي.

- وما الذي سيفعله خضير ميري في القاهرة؟

قال انا بصدد اعادة طباعة كتبي

ايام الجنون والعسل

حكايات من الشماعية

اوراق منزوعة من كتابة الجنون

جن وجنون وجريمه – رواية تحكي عن استبدال المجانين بالمحكومين بالاعدام في النظام السابق

صحراء بوذا – نثر طويل مطبوع في فلسطين واعادة طبعه

الجنون في اذار

تاريح الجنون في العقل العربي

واكتب حاليا عمل طويل – قصص  مسرودة روائيا

والشيطان من الخلف

والان نعد لتجربة فلم سينمائي قصير انا كتبت السيناريو ويخرجه الفنان حيدر المقيم في امريكا اسمه " القاهرة والجنون "

كتبت مسلسل في بيتنا مجنون – 28 حلقه وتم الاتفاق  على ان يكون باللغة الفصحى حتى يتم تمثيله من قبل الفنانيين المصريين  وهي فنطازيا واقعية تصلح في أي مكان واي زمان وتحكي عن شخص مجهول في عائلة برجوازية  ويعيد ترتيبها ويصبح هو العاقل الوحيد في تلك العائلة.

شبكة النبأ المعلوماتية- 12 الاحد /تشرين الثاني  /2006 -20 /شوال /1427