أخلاق  النعامة  في قائمة التوافق السنية

 محمد الوادي

 بداية ومما لاشك فيه ان قائمة التوافق هي قائمة سنية جوهرآ ومضمونآ، وهذا لايحتاج الى مزايدات وطنية كاذبة وبائسة. وبذلك تكون قائمة التوافق تحاكي على الارض القوائم الاخرى في البرلمان من ناحية نوعية التمثيل المذهبي او القومي بدون أدنى تمايز او أدعاء.  لذلك ومن هذا المنطلق الواقعي كان الكثير من العراقيين يمنون النفس بعد الانتخابات الاخيرة التي جرت لانتخاب برلمان وحكومة دائمية. بان تكون سمات هذه المرحلة الهدوء وتقليل الانفجارات ونبذ التطرف وعدم رعاية الارهاب وتسليم او طرد كل بهائم الشر والتفخيخ التي جاءت من وراء الحدود لتجد لها الحاضنة القوية في مناطق ومدن عراقية تقع ضمن الحدود الجغرافية لقائمة التوافق. لكني كنت من الذين يدعون الى التريث وعدم " الشطح " بالامنيات الى خارج حدود " دورة التاريخ العراقي " وكذلك عدم الابتعاد عن الواقع. فالتاريخ العراقي بحدوده الدنيا المعاصرة على اقل تقدير خلال ثمانية عقود يخبرنا أن هولاء يمثلون المكون المنفرد بحكم البلد طيلة هذه العقود رغم أنهم أقلية سكانية. والواقع ايضآ يشير ان مثلهم لايفرط بسلطة بشكل بسيط بل مستعدين لافتعال الحروب وانتهاك كل الحواجز الوطنية لاجل الرجوع الى ماكانوا عليه. لكن فات عليهم وبجهل كبير أن عراق مابعد 9 نيسان2003 ابدآ واطلاقآ لايشبه عراق ماقبل ذلك ولو بمقدار جزء من ذره.

المراقب هذه الايام وبالذات بعد صدور حكم الاعدام بحق الصنم الساقط. يجد ان تصريحات وتصرفات وحتى سفر اعضاء قائمة التوافق تشير بوضوح يصل حد " الفضيحة " الى فقدان التوازن والخلل الانساني والوطني الكبير الصارخ وهم يدافعون كلآ بطريقته الخاصة عن موقف هذا الصنم الساقط رغم كل جرائمه البشعة والحقيرة بحق العراقيين ورغم انهم يحاولون ألباس موقفهم هذا بعناونين اخرى. و من المعيب جدآ ان يحرص هولاء على تاكيد انتماء صدام الى طائفة معينة كممثل عنها لان في ذلك تجاوز كبير على مشاعر كل العراقيين دون استثناء وفي مقدمتهم السنة العرب لاني احسب ان ذلك لايشرف الاخيار والشرفاء منهم وهم كثر. لقد كانت مفارقة غريبة ان تتجتمع قيادات قائمة التوافق في هذا الوقت بالذات في قطر وتتناوب الحضور في برامج قناة الجزيرة وبشكل واضح للعيان ترتيبه حتى يخيل للمرء انهم كانوا يقفون في الطابور لتبادل الجلوس على الكرسي امام الكاميرات وبشكل ملح وبتصريحات متشابهة وخطيرة في أن واحد كلها تصب في ( عدم الموافقة على اصدار حكم الاعدام على صدام وهذا الموقف يذكرنا بموقفهم ايام قتل الزرقاوي !! وكذلك تناوبهم على اعلان مواقفهم ان الحكومة طائفية وان الحكومة تريد ان تحول بغداد الى مدينة شيعية وانها ليس حكومة وحدة وطنية واعتراضهم على رفع الحواجز عن مدينة الصدر وكذلك اصرارهم على الاعتراف بالمقاومة " الشريفة " وبذات الوقت اصرارهم على عدم انسحاب القوات الامريكية في الوقت الحاضر !! )

 وفات على هولاء جميعآ ان هناك حقائق على الارض لايمكن تجاوزها. فهم يجلسون في مقر قناة الجزيرة ينددون بالاحتلال. والقيادة المركزية لهذه  القوات في العراق وكل الشرق الاوسط لاتبعد سوى مئات الامتار عن الكرسي الذي يجلسون عليه وان الصواريخ والطائرات الامريكية وحتى الخطط العسكرية تنطلق من قطر وليس من ارتيريا مثلآ. وكذلك احدهم صرح بان فقط في بغداد قتل مئتان الف من السنة وهجر اكثر من ستمائة الف واعتقل اكثر من مئتان الف. وفي طريقة حساب بسيطة يتجاوز الرقم المليون من السنة العرب فقط في بغداد. وهذه مخالفة صارخة لابسط الوقائع السكانية على الارض وخاصة في مدينة بغداد حيث لايوجد مثل هذا الرقم الكبير والمضخم..

 ايضآ احدهم كان يشيد " ببعض " العشائر العروبية في الجنوب والفرات الاوسط. وكانه يملك مفاتيح المنح العروبية في العراق. لكن بنفس الوقت ونفس هذا الشخص عندما يتصل به مشاهد "مرتب" ليشتم الحكومة ويصفها بالحكومة الصفوية الصهيونية.. يهز راسه موافقآ ومبتسمآ " سيادة نائب رئيس الجمهورية " على الحكومة التي يمثل احد واجهاتها الرئيسية ويضيف زلة اخرى عندما يهدد ويلوح بالحرب الاهلية وكأن دماء العراقيين من كل ابنائه وطوائفه التي تهدر كل يوم في الشوارع غير كافية لطموحات الهاشمي  السياسية !! بل الاهم عنده كيف يقلل من صلاحيات رئيس الوزراء الدستورية !! بما يجعل القرار السياسي في البلد اكثر مماهو عليه الان من سوء وتشتت بسبب تدخل القوات الاجنبية وايضآ بسبب هذا التجمع الهجين الذي أسمه " حكومة وحدة وطنية " والتي فعلآ لاتحاكي الواقع السكاني ولاالانتخابي في البلد فاصبحت حكومة مثقلة وباأشخاص غير متفقين من الااساس وبطيئة في ردود الافعال وفي التعامل مع الاحداث المصيرية اليومية للناس. ان تهديد قائمة التوافق بالانسحاب من العملية السياسية هو نوع من الابتزاز السياسي المسخ. وهو لاينتمي باي حال من الاحوال الى العمل الوطني الحقيقي لانهم لو لم يكونوا طلاب سلطة وحكم كان بالامكان من بداية تأسيس الحكومة اعلان  قائمتهم أنهم قوى معارضة سياسية في البرلمان. وكان ذلك التصرف لو حصل يعتبر تطابق فعلي مع نتائج الانتخابات التي حصلوا فيها في الواقع الذي يعرفونه جيدآ أقل من اربعين مقعد. لكنهم أثروا الحصول على مناصب ووزارت أكبر بكثير من واقعهم البرلماني. مماجعل الحكومة وقراراتها في حالة  من الدوارن الفارغ والنتائج المخيبة للامال. و لايمكن النظر الى هذا الامر بحسن نيه من قبل جبهة التوافق.بل قد يكون هو هذا الهدف المطلوب لذلك بدأت في الفترة الاخيرة اصواتهم ترتفع مطالبة بسحب الثقة من حكومة المالكي او تقصير مدتها الى عامين فقط !! مع يقينهم انهم لايملكون مثل هذه الامكانية على هذه التغيرات الجوهرية في العملية السياسية في عراق اليوم ورغم كل سلبيات الحكومة الحالية. وفي مقدمة هذه السلبيات هي اشراك التوافق في الحكومة. 

أن العراق اليوم يذبح بكل طوائفه وابنائه دون استثناء. وكل يوم بل وكل ساعة او دقيقة يقتل مواطن عراقي بريء لاذنب له سوى المذهب الذي ينتمي له. فالرجولة والغيرة والانسانية والوطنية والدين الحقيقي هو من يسعى مخلصآ لايقاف هذا النزيف. اما من يصفق ويهتف " للمقاومة الشريفة " ويطالب بالاعتراف فيها. وبنفس الوقت يطالب ببقاء القوات الاجنبية في البلاد " لعدة سنوات اخرى " كما فعل طارق الهاشمي في برنامج الجزيرة مباشر. فهذا نوع من التناقض المميت الذي يدفع ثمنه العراقيين في الشوارع على أيدي المجرمين.  وهذه ايضآ نوع من المزايدة التي لامحل لها في بلد اصبح مكشوف للمراقبين بكل تفاصيله التي يظن البعض انها خافية. وهذا التفكير يشبه تصرف النعامة حين تدفن راسها في التراب وتظن ان كل جسمها تحت التراب. مع التذكير ان النعامة لاتملك اخلاق بل تملك سلوك مضحك مثل هذا ليس الا....

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- 12 الاحد /تشرين الثاني  /2006 -20 /شوال /1427