يرى استاذ علم الاجتماع والباحث الاجتماعي منير خوري في كتاب جديد
له أن المشكلة الاساسية في العالم اليوم ليست في ما سمّي صراع الحضارات
ولا في الحوار حولها.
وقال إن على الدارسين ورجال الفكر تحديد معاني بعض المفاهيم
المتراكمة والتي تؤدي إلي ما نراه من فوضى فكرية.
وقد جاء ذلك في كتاب "حدود المجتمع.. مقاربة سوسيولوجية في تحليل
وتحديد بعض المفاهيم الاجتماعية" الذي صدر اخيرا لخوري احد رواد
التنمية الريفية في لبنان والاستاذ الجامعي والباحث الذي عمل في
الستينات الماضية خبيرا اقليميا للامم المتحدة في حقل التنمية
الاجتماعية والريفية وله عدة مؤلفات ودراسات بالعربية والانجليزية.
نال خوري درجة دكتوراه من جامعة كورنويل بيويورك. وقد قام بالتدريس
سنوات في الجامعة الامريكية في بيروت كما ترأس قسم العلوم الاجتماعية
في الجامعة اللبنانية الامريكية. وقد أمضى خوري في السجن ثماني سنوات
اثر المحاولة الانقلابية التي قام بها الحزب السوري القومي الاجتماعي
عام 1961 وكان هو عضوا في مجلسه الاعلى. صدر الكتاب عن (دار نلسن) في
السويد ولبنان وجاء في 153 صفحة متوسطة القطع.
مقدمة الكتاب كتبها الدكتور عادل ضاهر الاستاذ الجامعي المقيم في
نيويورك. وجاء في مقدمة الدكتور ضاهر قوله "يتميز هذا العمل بشيء نادرا
ما نجده في اعمال اخرى من انتاج كتابنا اي بكونه محاولة لوضع حد
للبلبلة التي تسود في اذهان مثقفينا بخصوص مفهومات شتى يتعاملون معها
دون الوقوف عندها للتأمل في طبيعتها واستخراج مضامينها وتبيّن الحدود
التي تفصل بينها وبين مفهومات سواها قد تبدو في ظاهرها قريبة منها. إن
هذا لعمل جليل في نظري لأن ظاهرة التخبط هي من أسوأ مظاهر حياتنا
الفكرية والثقافية ومن نافل القول ان لها على صعيد الممارسة نتائج لا
تحمد عقباها."
قال خوري مستهلا كتابه "عن طريق العقل وفتوحاته يمكننا وقف الخلط
والتشويش ووضع حد للبلبلة وللفوضى المبررة تحت عنوان الفوضى البناءة
وفك الارتباط بين ما هو معقول وغير معقول."
واضاف "وفي سبيل فك الارتباط مثلا بين حق المقاومة من جهة والارهاب
من جهة اخرى راحوا يتحدثون عن صراع الحضارات تارة وحوار الحضارات اخرى...في
رأيي المتواضع ان المشكلة الاساسية ليست في صراع الحضارات ولا في
الحوار حولها لأن الحضارات بالمفهوم العلمي السوسيولوجي تتعايش وتتحاور
ولا تتصارع ولا تتصادم بل الذين يتصارعون ويدعون الى الحوار يسيئون عن
جهل أو سوء نية إلي معنى الحضارة.
"لذلك وجب علينا نحن الطلاب والاساتذة والمفكرين خاصة في حقول
العلوم الاجتماعية تحديد معاني بعض هذه المفاهيم المتراكمة والطاغية
على العقلية الجماهيرية بشكل خاص واحيانا كثيرة تنال من حقيقة معانيها
العلمية مما أدى الى ما نراه اليوم من فوضى فكرية والى ما شبهناه بحوار
الطرشان."
في أحد فصول الكتاب والذي حمل عنوان "نظرة خاطفة الى عينة من
معضلاتنا المجتمعية المرضية".. وقد تحدث فيه عن لبنان.. عدد هذه
المعضلات فكانت اولاها ظاهرة الهجرة التي قال ان البعض يحلو له ان
يسميها انفتاحا لبنانيا على العالم "والحقيقة ان الهجرة لم تكن يوما
انفتاحا ولا معلما من معالم الحضارة." وعدد الاسباب التي ادت اليها
خاصة الاسباب الاجتماعية منها.
الظاهرة الثانية عنده كانت "النزعة الفردية" هذه النزعة "التي تحيط
بالمجتمع اللبناني حتى الاختناق." وحلت ثالثة عنده "النزعة المركنتيلية
وطغيان سياسة الخدمات" فرأى في ذلك انعداما في التوازن وقال "المواطنة
المتوازنة مرتبطة ايجابيا وبصورة متلازمة مع اقتصاد متوازن."
بعد ذلك تحدث عن "النزعة الليفانتينية" فقال "من المؤلم حقا ان
نعترف بان السلوك اللبناني هو سلوك ليفانتيني والمرتبط الى حد بعيد
بالنزعتين الفردية والمركنتيلية."
وحل عنده بعد ذلك "الانفصام الحضاري" فشرح ذلك بشرح نقيضه اي
الانسجام الحضاري فقال "ان الانسان المنسجم حضاريا هو الذي يعبر مظهره
عن حقيقة جوهره فيحيا تاليا قيمه ومبادئه التي يؤمن بها ويفاخر بتراثه
الاصيل ويغذيه كما يدعو من جهة اخرى للثورة على ما هو رث وبال منها."
وخلص الى ان المعضلة الاخيرة هي "النزعة اللاضبطية او اللامعيارية"
فقال ان "ميوعة التراث القيمي وتبلبله في لبنان وفي العالم العربي
عموما خاصة في القطاع المديني حولا الجماعة البشرية الى مجموعة من
الافراد تتسابق فيما بينها لتحقيق مكاسب فردية على حساب القيم
المجتمعية." |