الوقائع والمخاوف النووية هل ستكون خيارا للجلوس الى طاولة المفاوضات؟

كتب: علي النواب

  

قد يعتقد البعض من ان  قنبلتا هيروشيما وناغازاكي الحرب العالمية الثانية هما من حسمت الحرب لصالح الحلفاء . فالوقائع الميدانية سجّلت النصر الساحق للحلفاء قبل ذلك. و كان هدف القنبلتين الذريتين ان تكتب الولايات المتحدة الأميركية تفوقها على حلفائها بدم الأعداء المشتركين. ومع مشهد الانفجار الفطري الشكل، انفتح باب سباق القادرين على امتلاك القدرة النووية. ومع نهاية القرن الماضي  بدا اعضاء النادي النووي، لا سيما واشنطن، يفتعلون المخاوف من دخول فقراء العالم الى حرمه مع تجاهل واضح للمحظيين بالرعاية كإسرائيل، او المتمردين على القرارات كالهند. فالهند فجرت "قنبلة نووية سلمية"، كما يسميها الكاتب ريتشارد هاس، عام 1974،ثم اجرت تجارب على رؤوس حربية عام 1998، لكن لم يتم الاعتراف بها كواحدة بين الدول الخمس المالكة أسلحة نووية في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية. ولم توقع الهند المعاهدة كما لم تبد أي رغبة في الموافقة على سحب برنامجها النووي الحربي ما دامت لم تفعل ذلك كل من الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا. وكان امتلاك باكستان ايضا للسلاح النووي احد أسباب ذلك.

الولايات المتحدة رضخت للأمر الواقع وهو ان الهند قوة نووية، وعملت معها لا من أجل استقرار العلاقة النووية بينها وبين باكستان فحسب، بل كذلك لضمها – أي الهند - كعضو في جميع الترتيبات الهادفة الى منع انتشار السلاح النووي الى دول أخرى والى أي جماعات إرهابية. وأدى ذلك الى إسقاط العقوبات الاقتصادية.

الأسوأ من النموذج الهندي انحياز السياسة الأميركية وتسامحها مع امتلاك اسرائيل لأسلحة نووية بحجة انها مهددة من الدول العربية.واسرائيل، مستقوية بدلالها الأميركي، ترفض توقيع معاهدة انتشار الأسلحة النووية، ولم تلتزم الوثيقة الختامية للجلسة الاستثنائية للجمعية العمومية للأمم المتحدة الخاصة بنزع السلاح النووي عام 1978 ولا بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 487 عام 1981 الذي يقضي بإخضاع المنشآت النووية الإسرائيلية لإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

والمثير انه يوم 24 أيلول 2003 تبنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالإجماع قرارا قدمته مصر يدعو الى إقامة منطقة خالية من السلاح النووي في الشرق الأوسط وهذا القرار يستهدف إسرائيل بوضوح كونها الدولة الوحيدة في المنطقة التي يعتقد بامتلاكها أسلحة نووية ولم توقع معاهدة حظر انتشار السلاح النووي.

واللافت ان اسرائيل كانت ضمن الدول الأعضاء الموافقة على القرار والبالغ عددها 137 دولة ووقعت قبل ذلك بيوم واحد أي يوم 23 أيلول مع مفوضية منظمة الحظر الشامل للتجارب النووية اتفاقا يسمح بتفتيش منشآتها النووية على ألا يشمل التفتيش مفاعل ديمونة الذي لا تعترف اسرائيل بوجوده، الى جانب مفاعل سوريك ومفاعل ريشون ليزيون الذي اقيم في 20 تشرين الثاني 1954، ومفاعل روبين الذي بدء إنشائه عام 1966.

الخوف النووي تجسد في تموز 1968 بتوقيع 59 دولة معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وارتفع عددها عام 2000 الى 187 لكن الدول المتمردة بقيت على موقفها وهي اسرائيل وكوبا والهند وباكستان، فظلت خارج المعاهدة مما أفشلها منذ ولادتها، وتحول هدف جعل العالم أكثر امنا الذي أبرمت المعاهدة لأجله شعاراً غير واقعي وجعل من اخلاء العالم من السلاح النووي مبررا لاعطاء الدول الخمس الكبرى حق احتكار رسمي له، ولاسرائيل وباكستان والهند شراكة واقعية فيه.

ومن المعروف أن كوريا الشمالية انضمت إلى معاهدة منع انتشار الاسلحة النووية عام 1985 ولكنها لم توقع الشق الخاص باخضاع منشآتها لتفتيش وكالة الطاقة الذرية، إلا في 1992. ومع حلول كانون الاول 1993، أعلنت بيونغ يانغ انسحابها من معاهدة حظر انتشار الاسلحة النووية وكذلك من الاتفاق مع وكالة الطاقة الذرية. وقد استندت في ذلك إلى ازدواجية المعايير من جانب الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إذ لم تلتزم التفتيش على المنشآت النووية في اسرائيل وجنوب افريقيا إضافة إلى انصياعها للسياسة الأميركية من خلال فرض تفتيش خاص على المنشآت الكورية الشمالية، بينما لم تخضع القدرات النووية الأميركية والأسلحة الموجودة على أرض كوريا الجنوبية للتفتيش وما يعنيه ذلك من تهديد لأمنها وسيادتها. وتلت ذلك مجموعة من التحركات والضغوط والاتصالات من جانب مجلس الأمن والدول الكبرى، وانتهت بتوقيع اتفاق جنيف في تشرين الاول 1994.

ايران التي رأت ان من مصلحة بيونغ يانغ العودة إلى المفاوضات لحل الازمة، مهددة بعزلة دولية شبيهة بما يحيق بكوريا الشمالية حاليا. وكما أطلقت تجربة الاخيرة احتمال طرح المسألة النووية في اليابان، فان تخصيب الأورانيوم الايراني حرك الموضوع النووي لدى مصر، أي ان التمردين الكوري والايراني سيحركان العدوى في المدى المتوسط لدى محيط كل من البلدين، مع فارق ان النووي الكوري لا يعكس رغبة اصحابه في التأثير في الوضع الدولي والاقليمي، بينما النووي الايراني لا يبدو بعيدا من هذه الرغبة.

لكن السؤال المعلق بين الاتجاهين ينبع من كون جارتي كوريا الشمالية، تحديدا سيول وطوكيو، لا ترغبان في اعتماد أي خيار عسكري، فيما لا يبدو واضحا خيار جيران ايران، ومنهم الولايات المتحدة الأميركية التي باتت، إلى كونها قوة دولية، قوة اقليمية منذ احتلالها العراق. علما ان فترة الحظر لم تكن يوما ناجحة بدليل تغاضي القوى النووية الكبرى عن تطور باكستان والهند واسرائيل قبلهما على هذه الدرب، وحتى تعاون واشنطن مع نيودلهي.

الخيار العسكري يبدو مستبعدا في شرق آسيا، فهل يكون كذلك في غربها؟

بين الوقائع والمخاوف تبرز بقوة  امكانية  العودة  إلى طاولة المفاوضات كخيار يحفظ ماء وجه الجميع وعاى وجه الخصوص امريكا وحلفائها ، اخذين بنظر الاعتبار تصريحات ايران من عدم قلقها من فرض العقوبات عليها وهي ثقة مفرطة وغير واقعية اي حال من الاحوال ،كما  ان سعي  امريكا واصرارها على اصدار عقوبات بحق ايران ( ونجاحها ) في ذلك سيزيد بلا شك  من تعقيد التواجد الامريكي في الميدان العراقي ، واعتقد ان امريكا تدرك اكثر من غيرها قدرة ايران في هذا الشان ، والحال كذلك ستكون امريكا المستفيد الاول من جلوس ايران الى طاولة المفاوضات في الوقت الحاضر على الاقل .

شبكة النبأ المعلوماتية--الثلاثاء 31/تشرين الاول  /2006 -8/شوال /1427