السر والعلانية في عمليات ادارة النفط العراقي

كتب: علي النواب

  

النفط ملك للشعب العراقي – أو هكذا ينص الدستور. وإذا كنا لا نرغب في اعتبار تلك الفقرة في الدستور بدون معنى، يجب على الشعب العراقي أن يقرر كيفية إدارة النفط، ويجب أن تعمل وزارة النفط معرفة آراء الجماهير الحقيقية.

نقول ذلك ونذكر بتصرّح الرئيس الاميركي جورج بوش في مؤتمر صحفي في البيت الأبيض في حزيران قائلاً: "النفط ملك للشعب العراقي. إنه ثروتهم." وكان الرئيس بوش قد عاد لتوه من زيارته المفاجئة إلى بغداد حيث كان النفط احد المواضيع الرئيسة في مناقشاته هناك. وتابع بوش موضحاً: " تحدثنا عن كيفية تقديم النصح إلى الحكومة لتستخدم تلك الأموال على أفضل نحو ممكن من أجل منفعة الناس."

لكن بينما يقوم الاميركيون بدور مركزي في تقديم " ما يسمى بالمشورة "، فإن أحداً لم يسأل العراقيين عن رأيهم في هذه القضية. لقد تمَّ تقديم المسودة الجديدة التي يجرى إعدادها لقطاع النفط العراقي إلى حكومة الولايات المتحدة وشركات النفط المتعددة الجنسيات لإبداء ملاحظاتهم عليها حتى قبل تقديمها إلى مجلس النواب العراقي. وأثناء ذلك، يتم استبعاد المجتمع المدني العراقي والجمهور معاً من هذه العملية.

أعادت الولايات المتحدة الأمريكية، وهي أكبر مستهلك للنفط في العالم، مراراً وتكراراً تأكيدها على مصالحها الأساسية واهتمامها بنفط الشرق الأوسط. وأعطت المملكة المتحدة أيضاً هذه المنطقة أهمية استراتيجية رئيسة وتوجد في هاتين الدولتين أكبر شركات النفط متعددة الجنسيات في العالم.

وفي دراسة مسحية أجريت في تموز/ يوليو 2003 سُئل سكان بغداد عما يعتقدونه السبب الرئيسي الذي جعل الولايات المتحدة الاميركية وبريطانيا تشنان الحرب في العراق. كان الجواب الأكثر انتشاراً والذي تمثل في رأي 47% من المجيبين، هو " لتأمين واردات النفط .

الى ذلك اشار ديك تشيني  قبل عام من توليه منصب نائب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، عندما قال امام عدد من مدراء شركات النفط في لندن بأنه "بحلول عام 2010 سنحتاج نحو خمسين مليون برميل إضافي في اليوم..... ورغم تقديم العديد من مناطق العالم فرصا نفطية كبيرة، يبقى الشرق الأوسط بما لديه من ثلثي نفط العالم وأدنى كلف الإنتاج، يبقى المكان الذي يضم الجائزة الكبرى".

واليوم، بعد سبعة أعوام من كلمة تشيني، يعمل وزير النفط حسين الشهرستاني على الاستفادة من قانون النفط الذي يتيح إبرام عقود مع شركات النفط متعددة الجنسيات- عقود قد تمتد آجالها لعدة عشرات من السنين. سيصوت مجلس النواب  على القانون الجديد بحلول نهاية هذا العام. وبوجود مثل هذا التأثير طويل الأجل على اقتصاد العراق وتنميته وسياسته، فلا شك بأن الحكمة تدعو السياسيين العراقيين إلى الانتباه لدروس تاريخ النفط العراقي.

وهناك مثل بريطاني قديم يقول أن السياسة أهم من أن تُترك للسياسيين. ولكن هل تمت التحركات الجديدة التي ستقرّر الشكل المستقبلي لصناعة النفط العراقية بعجلة أضاعت فرصة التوافق العراقي العام حول هذه القضايا التي يمكن أن تعيد رسم خريطة العراق وكتابة تاريخه؟

كانت كلمة تشيني صدى لتصريح صدر قبل 91 عاما عن أحد أعضاء مجلس حكومة الحرب لإحدى القوى العظمى في العالم آنذاك، دولة بريطانيا العظمى، حين خط الوزير موريس هانكي مذكرة عام 1918 قال فيها: "سيحتل النفط في الحرب التالية مكانة الفحم في الحرب الحالية، أو على الأقل، سيحتل مكانة مشابهة لمكانة الفحم. والمصدر الرئيسي الكبير المحتمل الذي يمكننا وضعه تحت السيطرة البريطانية هو المصدر الفارسي والواقع في بلاد ما بين النهرين..... وتصبح السيطرة على هذه المصادر النفطية هدفا حربيا بريطانيا من الدرجة الأولى."

كان على موريس هانكي أيضا الانتظار سبعة أعوام قبل تحقيق هدفه. في عام 1925، تم إبرام عقد امتياز بين الحكومة العراقية المنصبة بريطانيا، حكومة الملك فيصل، وبين شركة النفط التركية (التي أعيدت تسميتها لاحقا لتصبح شركة النفط العراقية). وكانت ملكية شركة النفط العراقية مشتركة بين الشركات التي أصبحت تسمى لاحقا شيل، وبريتيش بتروليوم، وإكسون موبيل، وتوتال، بعض من ذات الشركات التي تدفع الآن نحو الحصول على عقود في العراق.

أبرم هذا العقد في وقت كان العراق خاضعا فيه للاحتلال البريطاني، بانتداب من عصبة الأمم. وكانت دولة العراق جديدة وضعيفة، وخضع زعماء البلاد فيها للبريطانيين. اتبع العقد نموذجا طبقته بريطانيا بشكل موسع في مستعمراتها، كانت مدة العقد 75 عاما. وأضيف إلى العقد الأول عقدين آخرين أبرما عام 1930، تمكن ذات التجمع من شركات النفط من السيطرة على كافة النفط في العراق.

وقد تبين في العقود من السنين اللاحقة نطاق الخسائر التنموية العراقية الناتجة عن إبرام هذه العقود. إلا أن أي حكومة عراقية لم تتمكن من تغيير شروطها المجحفة.

قال وزير النفط العراقي حسين الشهرستاني يوم السبت ان الصين والعراق سيبدأن محادثات الشهر القادم لاحياء عقد وقع في عهدنظام صدام حسين لتطوير حقل الاحدب النفطي.

والحقل الواقع في جنوب العراق والذي من المتوقع أن ينتج 90 ألف برميل يوميا قد يكون أول عقد نفطي أجنبي من المرجح ان تمنحه بغداد بمقتضى قانون جديد للنفط والغاز من المتوقع ان يصدر خلال أشهر.

وقال الشهرستاني للصحفيين في بكين اثناء زيارة للصين التي ينمو فيها الطلب على الطاقة بسرعة "سيبدأ ممثلون لوزارة النفط العراقية وشركة الواحة المملوكة جزئيا لشركة النفط الوطنية الصينية العمل من الان."

واجتماع الشهرستاني الذي وصل قادما من اليابان مع مسؤولين كبار بشركات النفط الحكومية الاربع في الصين.

وقال "الجانبان يدركان اهمية التعاون وحاجة كل منهما للاخر. نتوقع منهم أن يأتوا الان. اولئك الذين يصلون الان هم فقط الذين يمكن ان تتاح لهم فرصة الحصول على عقود في العراق."

وقال مسؤول بشركة النفط الوطنية الصينية لرويترز يوم السبت ان الشركة حريصة على احياء العقد لكنها ما زالت قلقة من الوضع الامني في العراق مع محاولة الحكومة الجديدة وقف هجمات المسلحين.

وجمد المشروع فعليا بسبب العقوبات الدولية التي فرضت على العراق ثم الاطاحة بنظام صدام في الحرب التي قادتها الولايات المتحدة في 2003 .

وقال الشهرستاني ان جميع العقود التي وقعت في عهد صدام سيعد التفاوض عليها تماشيا مع القانون الجديد للنفط والغاز الذي قد يغير ايضا حجم الاستثمارات في حقل الاحدب التي قدرت في البداية بحوالي 700 مليون دولار.

واضاف أن العراق يأمل في زيادة اجمالي انتاجه النفطي الي ما بين 4 ملايين الي 4.5 مليون برميل يوميا بحلول عام 2010 اذا تمكن من اجتذاب استثمارات لتطوير الحقول المكتشفة وعددها 80 حقلا منها 20 تضخ النفط.

وقال الشهرستاني الشهر الماضي ان العراق سيحتاج الي حوالي 20 مليار دولار لتطوير قطاعه النفطي من الحقول الي مصافي التكرير وخطوط الانابيب وعمليات التسويق.

إن درجة المركزية في السيطرة على النفط وعائداته هي جوانب هامة من السؤال المتعلق بالفدرالية. وإذا تمَّ اتخاذ الأحكام الخاطئة بشأن قرارات النفط – إما بعدم إعطاء نصيب عادل للأقاليم التي يتوفر فيها النفط، أو بإعطاء الأقاليم استقلالية ذاتية بالغة على حساب المصالح الوطنية المشتركة - فان هذه القرارات يمكن أن تحطمّ الدولة أو تقسمها في نهاية المطاف. ولكن، طالما أن قضية الفدرالية هي أحد جوانب الدستور الأكثر جدلاً، فمن المستغرب وضع مسودة قانون النفط – و حتى إمكانية الموافقة عليه – قبل أن تنتهي عملية إعادة النظر في الدستور.

وفي الوقت الراهن، مع أن هناك جدل ساري حول قضية تقسيم الإيرادات بين المركز والأقاليم، فانه لا يوجد أي جدال تقريباً حول التقسيم الحاصل بين مؤسسات الدولة والشركات الخاصة.

بعد مرور ثلاثة أيام فقط على تعيينه، قال السيد الشهرستاني في مؤتمر صحفي انه قرّر التعاقد مع "أكبر شركات النفط". سيكون هذا الحدث الأول من نوعه منذ أكثر من ثلاثين عاماً، وبالنتيجة فإن شركات أجنبية سوف تنال حصة رئيسة من نفط العراق، بعد أن كان قطاع النفط ملكاً عاماً، منذ بداية عملية التأميم بإصدار القانون رقم 80 لعام 1961 و حتى اتمام العملية في عام 1975 .

ويمكن القول بأن قضية الملكية العامة للمصادر الطبيعية و الصناعة تشكل أولوية كبيرة بالنسبة للعراقيين. غير أن القرارات التي سوف يتم اتخاذها في الأشهر القادمة لن تكون قابلة للنقض، وسيصبح للعقود الموقعة تأثيراً رئيسياً على اقتصاد وسياسة العراق لعقود قادمة، خاصة أن النفط يمثل أكثر من 90% من إيرادات الدولة.

ليستا "الفدرالية" و " الخصخصة" القضيتين الجوهريتين الوحيدتين. إن صناعة النفط – مثل بقية البلاد – ابتليت بالفساد وبالوضع الأمني المتردي. سوف يؤثر قانون النفط على كلتا المشكلتين. إن النهج الشفاف المتناسق ضروري في محاربة الفساد. ومن الناحية الأخرى، إذا ما تمَّ اعتبار العقود مع شركات أجنبية أمراً سرياً أو غير عادل، فإنها ستغذي السخط والاستياء، وبالتالي العنف الذي استحوذ على البلاد.

إن رغبة الشهرستاني في إنجاز هدفه بطريقة حاسمة وجازمة يمكن أن تحل أزمة الركود الذي شهدته الوزارة في الأشهر الأخيرة، بسبب النزاع السياسي الداخلي. بيد أن تحقيق هدفه قبل تحقيق التوافق العام والتوافق السياسي يمكن أن يخلق مشاكل أكثر من أن يحلّها. في تاريخ العراق، كانت إدارة النفط تعمل في خدمة المصالح الضيقة، سواء أكانت لشركات أجنبية، أو للدكتاتورية، أو لعناصر إجرامية ومصالح سياسية معيّنة كما يحصل في الوقت الراهن.

هذا لا يعني أن على الحكومة التروي وعدم القيام بأي خطى. بل أن البلاد بحاجة ماسة لمعالجة الفساد، وتحسين الوضع الأمني، وللقيام بإعادة تأهيل فنّية لحقول العراق الموجودة الآن. لا يوجد أي جدال رئيسي حول هذه القضايا. ولكن قبل اتخاذ القرارات الكبيرة ينبغي استشارة الجماهير العراقية إشراكها في عملية اتخاذ القرار.

أصرّت بعض المجموعات ذات المصالح على أن يكون لها كلمة في قانون النفط. فقد اتصلت غالبية شركات النفط الدولية الرئيسة بوزارة النفط. وطلب صندوق النقد الدولي أن يشترك في صياغة قانون النفط، كجزء من الشروط الاقتصادية التي فرضها على العراق في كانون الأول/ ديسمبر 2005. وأصبحت تلبية هذه الشروط من مطالب نادي باريس للدول الدائنة الغنية من أجل إعفاء جزء آخر من الديون الدولية التي تراكمت من قبل النظام السابق.

وحكومة الولايات المتحدة تعمل أيضاً على ضمان تمثيلها وسماع آرائها. فقد عيَّنت مستشاراً ليعمل مع وزارة النفط على صياغة القانون، من شركة " Bearing Point "، تلك الشركة التي تعاقدت معها مجلس الحكم بقيادة الولايات المتحدة في عام 2003 لتصميم المخطط اللازم لخصخصة الاقتصاد العراقي.

يجب أن تطلب وزارة النفط ليس آراء الأحزاب السياسية فحسب، لكن آراء مجموعات المجتمع المدني، والخبراء، ونقابات العمال وآخرين. كما يجب عليها أن تبدأ عملية إطلاع الرأي العام واستطلاع آرائه من خلال ورشات العمل والاجتماعات في كافة أرجاء البلاد، ومن خلال نشر الاقتراحات في الصحف والتلفزيون.

وهذه ليست عملية يمكن إتمامها في مدة شهرين. مع أن نفاذ الصبر أمر يمكن فهمه، إلا أنه خطير. هل سيكون النفط مصدر ثراء أم لعنة لنا نحن العراقيون ؟ قد يكون الجدل الجماهيري العام عامل حاسم او انه في حال اخر سينتج خيارات بمواصفات مقبولة بعيدة عن ضغوط الاخرين تتيح الاستفادة القصوى من هذه الثروة الوطنية .

 ويتجه النمط السائد بين الدول المنتجة للنفط نحو درجة أكبر من السيطرة الوطنية بعد ان  وصلت أسعار النفط إلى مستويات قياسية . وخلال العامين الماضيين، أجبرت دول أمريكية لاتينية الشركات على إعادة التفاوض بشأن الشروط الاقتصادية لعملياتها. في الوقت ذاته، تحاول كل من روسيا وكازاخستان استعادة سيطرتها على النفط وقد أدركت الآن ما خسرتاه بعد إبرامهما لعقود خلال فترة تغيرات سياسية سريعة في التسعينيات.

هناك الكثير مما يمكن القيام به في قطاع النفط. وكان وزير النفط  الشهرستاني مصيبا في وضعه مكافحة الفساد على رأس سلم الأولويات. وهناك الكثير من إعادة التأهيل والتنمية اللازمة للحقول النفطية الحالية، باستخدام رأس مال وخبرات الأمة نفسها، ربما مع المشورة الفنية من اللاعبين الدوليين حيث يلزم.

إلا أن على المرء الامتناع عن اتخاذ قرارات ذات تأثير طويل الأجل في أوقات الضعف. فلا يجب الدخول في عقود طويلة الأجل مع الشركات الأجنبية سوى عندما يمكن للبلاد الحصول على صفقة منصفة لها. وهذا يحتاج إلى سيادة كاملة واستقرار وقدرات مكتملة البناء في صناعة النفط.

ولكن الآن في عام 2006، تقف الشركات العالمية مرة أخرى على عتبة العراق. وهي تدرك بأن الشروط الاقتصادية والقانونية لأي عقد تعتمد اعتمادا رئيسيا على التفاوض بين الحكومة والشركة ، ممنية النفس في عدم قدرة  الحكومة في التوصل إلى صفقة في صالح الشعب العراقي – تحت وهم من ان الحكومة لا زالت جديدة وضعيفة، ولا زالت البلاد غارقة في حالة مريعة من العنف، وهي لا زالت تحت الاحتلال العسكري. وفي مثل هذه الظروف ستكون الحكومة مرغمة الى إبرام عقود، سيضطر العراق للالتزام بها لعشرات من سنين المستقبل .

 لقد تعلمت الشركات دروسها من السبعينيات. ولغتها الآن أقل رعونة، وهي حريصة على توليد انطباع بسيادة الدولة في رسائلها العلنية، وعلى تقديم تنازلات إستراتيجية صغيرة حيث يلزم الأمر. من جانب آخر، تمكنت من صياغة عقود فائقة المتانة يكاد يستحيل معها قانونيا على الدول الخروج عنها.

في وقت يقاتل فيه الشعب العراقي لتحديد مستقبله وسط حالة من الفوضى والعنف، فإن مصير النفط وهو أهم مورد اقتصادي لدى هذا الشعب يجب ان لا يتقرر خلف أبواب مغلقة  وان لا يتم استبعاد المجتمع المدني ا والجمهور معاً من هذه العملية.

قال الفيلسوف الألماني جورج هاغل: "تفيد تجارب ودروس التاريخ بأن الأمم والحكومات لم تتعلم أبداً أي شيء من التاريخ ولم تتصرف بناء على أي دروس استقتها منه". فهل تكون حكومتنا  هي الاستثناء؟

هذا التساؤل سيجيب عنه القادم من الايام ...                                                                                

شبكة النبأ المعلوماتية--الاثنين 30/تشرين الاول  /2006 -7/شوال /1427