نقد الحضارة الأوربية الصناعية (نيتشه نموذجاً)

مهند حبيب السماوي

شهد القرن التاسع عشر _وكما هو معروف_ تطور كبيراً في الحضارة  الأوربية سحرت الكثير من المفكرين و الفلاسفة، في ذلك الوقت. إلا أن فريدريك نيتشه لم يرض بذلك, فقام بنقدها نقداً شديداً وقاسياً لدرجة أن بعض الباحثين قد عده ناقداً أو مقوما للحضارة التي يعيشها. بل عد ستيبان اودويف, نقده للحضارة الأوربية والسايكولوجيا الأخلاقية, الموضوعين الأولين لاهتماماته النظرية.

وفي الحقيقة أن الحضارة الأوربية في عصر نيتشه كانت انعكاساً وامتداداً  لعصر النهضة من جهة غير مباشرة،ولعصر التنوير أو الحداثة بصورة مباشرة, فالحداثة تشير إلى الفترة التاريخية من القرن التاسع عشر وحتى القرن العشرين والتي  كانت تسبح في أجوائها مجموعة من الشروط الحضارية والمعتقدات الخاصة بفكر عصر التنوير, مثل الإيمان بالعلم والحقيقة الموضوعية والعقلانية وتوقع التقدم المحتوم في ضل الحركة الرأسمالية ومشاريعها الصناعية,والتي  تخللت نشأتها في عصر النهضة هزات عنيفة وتقلبات شديدة على المستويات المجتمعية والسياسية والفكرية.

وبعيداً عن نتاجات الحداثة المختلفة فأنه من المهم التأكيد على أن فكرة الحداثة تنطلق دائماً من الثقة بالعقل،وتقوم على حركة أثبات المعقول واستبعاد اللامعقول. كما يمكن أن نعد العلم والتكنولوجيا،من أهم الدعائم التي قامت عليها الحداثة(,حيث يمكن أن نعد التكنولوجيا والآلات والمكتشفات الحديثة, وسائل هذه الحضارة التي بدأت تباشيرها منذ عصر النهضة،الذي وصفه نيتشه, "بالعصر التاريخي العظيم".

وقد تعرضت الحداثة،بشكل عام, لهجوم شرس من قبل نيتشه في كتابه "ما وراء الخير والشر" الذي صوره فيلسوفنا بأنه " في جوهره نقد للحداثة وللعلوم الطبيعية والفنون الحديثة"التي يزعم البعض أنها جلبت السعادة والرخاة والقوة لإنسان أوربا، فيتعجب نيتشه من اعتقاد البعض أن غاية العلم هي السعادة ودفع الضرر والألم*،ويتساءل "ما الذي يقال ؟ أن أسمى غاية للعلم هي أن يجلب للإنسان اكبر قدر من اللذة، ويجنبه اقل قدر من الكدر"،ويجيب نيتشه على ذلك  بقوله: "كيف سيتمكن العلم من ذلك, إذا كانت اللذة والكدر يشكلان عقدة واحدة، لدرجة إن من يريد أن يحصل على أكبر قدر ممكن من اللذة, عليه أن يعاني  القدر عينه على الأقل من الكدر", وهذا لا يعني إن نيتشه لا يرى هنالك فرقاً بين اللذة والألم, كما تقول,بصورة خاطئة, سعاد حرب, لأن  الألم شي مختلف عن اللذة, مع انه ليس نقيضها، بل أنه، كما يقول نيتشه, "أب للسرور"،وليس السرور بعينه.وهذا يعني انه بواسطة العلم يمكن ترجيح الهدف الأول(أي تحصيل اللذة)  كما الهدف الثاني (أي اجتناب الكدر)، حيث من الممكن أن يجلب العلم قدراً من اللذة كما من الممكن أن يجلب قدراً معيناً أخر من الألم، إلا أن العلم،كما يصوره نيتشه،يُعرف اليوم أكثر بواسطة وسائله العظمية،وبقدرته على سلب الإنسان أفراحه, وعلى جعله أشد بروداً وأشد شبهاً بتمثال, مما يعني أن فيلسوفنا يرى أن العلم يسلب الإنسان سعادته أكثر من  تحقيقه الرخاء، والازدهار, والتطور له.

إن نقد نيتشه للمنجزات الحضارية للعلم والهجوم عليه قد تضمن كذلك نقداً لوسائل العلم, فالمنجزات الحضارية, كالتجارة والصناعة, تستتبع في رأيه ضعفاً قاتلاً في الأمم ينتهي بتدميرها.وقد بدأ الهجوم على وسائل العلم (الآلة), إلا أنه سرعان ما تخطاها إلى التكنولوجيا،ومنها إلى العلم والحضارة العلمية.

وطبقاً لموقف نيتشه السلبي من الحضارة ووسائلها العلمية, فأن المشروع الغربي الثقافي يعاني _انسجاماً مع هذا الطرح_من وطأة مشاكله مع التقنية, ويحاول أعادة تأسيس ذاته فيما يتجاوز أخطر وأعلى ما واجهه في تاريخه،وهو انسحاقه تحت منظومة التقنية التي تولف أهم نتاجاته. فالتكنولوجيا تمثل، بالنسبة لنيتشه, تهديداً مستمراً لإنسانية الإنسان بذاته التي فقدها إنسان حضارة الغرب بعد أن "نما فيها الكم على حساب النوع، والإنسان الخارجي،بلغة نيتشه،على حساب الإنسان الداخلي" كما يقول أستاذنا علي حسين الجابري, وبالتالي, سيكون الإنسان في ظل حضارة كهذه،ضحية للآلة التي كان يعطي لها قيمة كبيرة. ومثلما يعتقد فيلسوفنا في كتابه " أرادة القوة " "أن كل حركة إنسانية مثمرة وقوية تخلق في الوقت نفسه حركة عدمية"على حد تعبيره، وأن كل الأمور العظيمة تفسد من تلقاء ذاتها تفسد بفعل التهافت الذاتي, فأن الحضارة التي نعيش فيها،وعلى نحو مشابه, تفسد وتضمحل بواسطة وسائلها. فيقول نيتشه  في عبارة رائعة: " أننا في عصر حضارته مهددة بالتدمير من طرق وسائلها هي نفسها " بل أننا نراه يقول،في عصر الحضارة الأوربية الصناعية الضخمة، " إن الحضارة الصناعية، بشكلها الحالي، أحط شكل من أشكال الوجود التي أمكننا أن نراها اليوم"،وهو في مقابل ذلك يمجد الحضارة العسكرية, كما يطلق عليها, باعتبارها أرفع بكثير من كل ما يقال له حضارة صناعية, كما أنه في عين الوقت، يعلن سروره وغبطته، حول تطور أوربا العسكري.

و يعتقد نيتشه إن ما يرى في المجتمع من التقدم الصناعي بواسطة العلم هو في الحقيقة فقدان في العظمة, فوسائل الحضارة تقود نحو التفكك،وبالضرورة نحو الانحطاط, وهو أمر لا يثير التعجب عند فيلسوف يرى هذه الرؤية القاتمة في ذلك العصر، فقد كانت وساوس الانحطاط (انحطاط العالم والبشر) قد تسلطت على نيتشه, لدرجة أنه كان يقول بصراحة " بأنني الآن المرجع الأعلى في العالم حول موضوع الأنحلال والتهرؤ"، فكل القيم التي تلخّص تطلعات البشرية العليا هي قيم انحطاط،سواء كانت علمية أم غيرها، بل أن الامر عند نيتشه أسوء من ذلك  بكثير،إذ إن كل شي يسير في رأيه نحو الانحطاط،ونراه يتساءل كعادته في كتابه "هذا هو الإنسان" عن هذا الأمر,  فيقول:" أيعقل أن تكون الإنسانية بصدد الانحطاط ؟ أم تراها كانت منحطة دوماً "؟، وهو يجيب عن ذلك بقوله: "أن الثابت في الأمر هو أنها ظلّت لا تلقى سوى قيم الانحطاط كقيم أسمى". وإذا كان الأمر على هذا النحو, " فأن حضارتنا الأوربية،والكلام هنا لنيتشه, تتحرك نحو كارثة،مع توتر شديد يتعاظم من عقد إلى آخر باضطراب وتهور وطيش, مثل نهر يسير نحو نهايته،ولا يرغب بالرجوع، بل و يخاف الرجوع.

 أما بالنسبة لإنسان أوربا،سواء كان الشخص الذي صنع هذه الحضارة أو الذي عاش في كنفها، فنراه  كما يصف نيتشه "لا هو بالسعيد ولا هو بمانح السعادة" التي يتوقع البعض أنه سيجنيها من هذه الحضارة،والتي بدورها  لم تحقق حتى الآن سوى مثل إنسانية خاطئة،وأصبحت أدواتها عار على البشر الذين يسكنوها أو الذين صنعوها بأيديهم عبر تلك الاكتشافات.

ولم يكتف نيتشه بذلك، بل رأى في هذه الحضارة نوعاً من المرض والآفات المعدية بحيث، أنه عند معاشرة الأمم المتحضرة للبرابرة، فأن الحضارة الأدنى تبدأ بتبني آفات وسخافات،وشطط الحضارة الأخرى(أي الحضارة المعاصرة) فينتهي البربري،بفعل السخافات والآفات المكتسبة، من الحضارة العليا، فهو يعترف بان للبرابرة حضارة أدنى من حضارة أوربا الصناعية كما يسميها بنفسه إلا انه يرى، في الأخيرة، من الآفات والإمراض ما لا يراه في الأولى, ولهذا فأن البربري، في رأيه،عندما يعود إلى الطبيعة فأنه يشفى من الحضارة,التي تعمل كما يقول نيتشه على" ترويض الإنسان الحيواني"، وتدجينه،وبالتالي تخليصه من غريزته وإحلال العقل محلها، وهكذا تساهم الحضارة في أفساد البربري, الذي كان نيتشه يرى فيه البشر الأكمل.

ويجب التنبيه_أخيراً _ إلى  ثلاثة نقاط مهمة تتعلق بالموضوع الذي يدور حوله النقاش: الأولى، أن  نقد نيتشه للحضارة، قد أنصب على صورة  الحضارة الأوربية التي كانت في رأيه من صنع العرق الشمالي.

أما النقطة الثانية، فتتضمن التساؤل آلاتي: هل كان لنيتشه _ وهو ينقد الحضارة الأوربية هذا النقد القاسي_ تصور أو نموذج لحضارة معينة يحلم بعودتها أم أن نقده للحضارة الأوربية، ينبني على موقف يتعلق بنقد كل محاولة لنمذجة الحضارة,، أي حضارة، وجعلها نموذجاً للعيش ؟

في الواقع هنالك إجابتان عن هذا السؤال تتضمن رأيين مختلفين، الأول يرى  أن نيتشه كان يرفض محاولة نمذجة حضارة معينة، مما يعني إن نقده للحضارة الأوربية يرتكز أساساً_بالإضافة إلى ما ذكرته في ثنايا هذا البحث_ على الشك في كل محاولة لتعميم نموذج ما للعيش, سواء كانت الحضارة الأوربية أم الحضارة اليونانية.    

أما الرأي الثاني، الذي اعتقد برجحانه على الأول وأميل أليه تماماً, فهو الذي ينصب على الاعتقاد بان نيتشه يقبل نمذجة الحضارة، وهو ينقد الحضارة الأوربية بسبب رغبته بخلق نموذج حضاري جديد يتماهى مع الحضارة اليونانية التي يقدرها تقديراً كبيراً،على العكس من صورة الحضارة الأوربية المعاصرة له والتي لم تصبح لديه الصورة النموذجية للحضارات، في حين " أن  الحضارة الإغريقية كانت تشكل، بالنسبة له، نموذج كل الحضارات" كما يقول هاكم،بل أن نيتشه يطالب، على حد تعبير ادونيس، " بإعادة النظر في التراث الأوربي الحضاري,وخلق نموذج لحضارة جديدة تعود إلى الأصول اليونانية ".

واعتقد أن هذا الكلام الوارد على لسان هاكم والشاعر ادونيس _على صحته بصفة عامة _ إلا انه يفتقد إلى الدقة  لان نيتشه لا يميل إلى الحضارة اليونانية عموماً وإنما إلى الاتجاه الديونيوسي فيها الذي تجسد في فلاسفة ما قبل سقراط،الذين صنعوا حضارة تشكل، في تصوره، النموذج المثالي الذي يدعو له. 

أما النقطة الثالثة فأنها تنصب على نقد (نقد نيتشه للحضارة الأوربية)، حيث أن موقف نيتشه الغريب من الحضارة الأوربية  يطرح شكوك جديرة بالاعتبار وتساؤلات لا تنتهي حول القيمة الحقيقية لأراء هذا الفيلسوف، والمكانة الذي وضع فيها في سياق الحضارة الغربية، والمنزلة الفلسفية التي أعطيت له_ربما اعتباطاً_ من قبل البعض دون الأخذ بالنظر لأرائه الصاخبة المتعددة وأفكاره المتناقضة بالنسبة للكثير من القضايا التي ناقشه في كتبه المتنوعة. ولعل من هذه القضايا رأيه في الحضارة الغربية التي  شكل العلم والتكنلوجيا أحدى أهم معطياتها وإنجازاتها على مدى العصور,إذ أن نيتشه يعتبر هذه الحضارة الصناعية وبالشكل الذي كانت عليه في القرن التاسع عشر (أحط شكل من أشكال الوجود),ويعتبر الحضارة العسكرية الأوربية الذي أعلن صراحة سروره بتطورها وتقدمها أرقى من الحضارة الصناعية على الرغم أن تلك الحضارة الأوربية العسكرية قد غزت العالم واحتلت البلدان واستعمرت الأوطان وهتكت الحرمات ولم ترع ذمة أو تخشى حرمة.....

نعم ربما كان للحضارة الصناعية الأوربية جوانب سلبية تمثلت في أنها _ونتيجة لاهتمامها المفرط بالجانب المادي المحسوس دون غيره من الجوانب الروحية والاعتبارية الأخرى_  قد تسلب الإنسان أفراحه,، وتخنقه بدخان مصانعها, وتقلقه بأجيج الآتها، وضجيج أصواتها ، وتمتص ذاته، وتعدم شخصيته, وتطفئ جذوة القوى الحية التي تختلج في دواخله، وتقتل، الإنسان، في داخل الإنسان, وبالتالي _ يغدو إنسانها _ أسيرها الذي لا يقدر مهما استطاع الخروج من أسرها والفكاك من قيودها والتملص من أسوارها للرجوع إلى ذاته من اجل تأملها ومناجاتها ومراجعة علاقته بخالق الكون ومن أعطاها مبرر الوجود وأساس الحياة وجوهر النشأة الأولى!!!

نعم ربما كان للحضارة الأوربية هذا الأثر السيئ، لكن هذا شيء واعتبارها أحط شكل من أشكال الوجود كما يزعم نيتشه شيء أخر...فأثرها السلبي لايمكن أن يكون الجانب الوحيد الذي يطغى على إنجازاتها الكبرى التي استفادت منها الإنسانية مثلما استفادت من قبلها بإنجازات الحضارة الإسلامية في فترة ازدهارها كما اعترف بفضلها الغربيون أنفسهم...

كما أننا نلاحظ أن نيتشه في نقده القاسي الكلي للحضارة الأوربية يتناسى أن هذه الحضارة ثمرة ونتيجة طبيعية لعصر النهضة الذي وصفة نيتشه بنفسه بأنه العصر التاريخي العظيم كما لاحظنا فيما أعلاه،فعلى أي أساس وصف نيتشه عصر النهضة بهذا الوصف أن لم يكن بسبب ما يحتويه هذا العصر من ممكنات يمكن أن تتمخض عنه في المستقبل القريب أو البعيد حضارة معينة...

كما أن اعتبار نيتشه التقدم الصناعي فقدان في العظمة أمر يبعث على الدهشة فأي عظمة تلك التي فقدها المجتمع بنشوء الظاهرة والثورة الصناعية ؟

ليت نيتشه قد وضح لنا ذلك ولم يترك الأمر يتلاعب به أتباعه الذين جاروه في أرائه واتبعوه في أقواله وحاولوا أيجاد المعاذير والتاويلات المناسبة لكل ما قاله بحيث أدى ذلك _ في تصوري_ إلى غرق نيتشه فيما هو نيتشوي!!!

أما بالنسبة لغاية العلم المتمثلة في جلب السعادة واجتناب الألم الذي رفضها نيتشه في كتابه "العلم الجذل" بعد أن قبلها وقال بها في كتابه "أنساني مفرط في إنسانيته" فانه مرفوض بتاتاً لان للعلم فوائد تتمثل فعلاً في جلب السعادة واجتناب الألم، لكن هذا لايعني أن لا يستثمر البعض العلم من اجل  أهداف أخرى شريرة أو ضد الإنسانية والتي _ وهذا العجيب_ قَبَلها نيتشه حينما فرح بتطور أوربا العسكري ورأى  الحضارة العسكرية أسمى من الحضارة الصناعية!!!

فبالله عليكم ماهي الحضارة العسكرية ؟ أليست هي الاستعمال الخاطى للعلم والتكنولوجيا...أليست هي صناعة أسلحة الدمار والقتل والفتك والغزو الذي استعملتها أوربا في غزوها البلدان الأخرى....

لذلك من الخطأ الكبير الزعم النيتشوي القائل أن العلم يُعرف اليوم عن طريق سلب سعادة الإنسان وأفراحه!!! فالعلم يُعرف بأمور أخرى كثيرة اكبر من هذا وأسمى بكثير وما هذه الأشياء السلبية للعلم والتي يركز عليها نيتشه إلا استثناءات وشذوذ عن هدف العلم الأسمى....

ثم كيف يصف نيتشه جميع القيم التي يحملها العصر الذي عاشه _جسداً لا روحاً_ بأنها قيم انحطاط, وكيف يُسارع ويحكم هذا الحكم المتجني,بل كيف يرى بان الحضارة والإنسانية منذ بدايتها ولحد ألان ظلّت لا تلقى سوى قيم الانحطاط كقيم أسمى على حد تعبيره, هل من الممكن أن يخلو عصر ما من أية قيمة سواء كانت دينية أو أخلاقية أو اجتماعية أو علمية أو سياسية أو غيرها ؟ بل هل من الممكن أن تظل الإنسانية تلقى قيم انحطاط فحسب دون غيرها من القيم ؟ بل كيف ان الحضارة الأوربية تتحرك نحو كارثة، مع توتر شديد يتعاظم من عقد إلى آخر باضطراب وتهور وطيش, مثل نهر يسير نحو نهايته،ولا يرغب بالرجوع، بل و يخاف الرجوع كما يقول....فهل هذا بسبب العلم والقيم التي حملتها هذه الحضارة أم بسبب تطورها العسكري الذي فرح به نيتشه والذي جر الخراب والويلات على كل دول أوربا بحرب عالمية أولى وثانية وربما ثالثة ووو الخ....والتي حصدت أرواح ملايين الأبرياء....

 أنا لا اعتقد بان احداً يمتلك أدنى درجات الوعي والأنصاف يمكن أن يوافق نيتشه على رأيه حتى أتباعه وتلاميذه المخلصين...

ثم أن نيتشه يرى أن  الإنسان الأوربي الذي يعيش في أتون منجزات هذه الحضارة ليس بسعيد ولا يمنح السعادة للآخرين وهذه مغالطة كبيرة إذ أن أوربا وإنسانها في ذلك العصر قد أعتقد جزماً أن الحضارة المادية قد سارت في هذا القرن التاسع عشر شوطاً جعل أهلها يشعرون أنهم بلغوا قمة التقدم والسعادة وأنهم شيدوا حضارة فاقت كل ما عرفه هذا الكوكب من قبل، بحيث انهم قد وصلوا _ بسبب التقدم الصناعي_ في هذا القرن إلى أعلى نقطة في خط مستقيم صاعد من خطوط التاريخ كما يقول المؤرخ الأوربي اوسوالد اشبنجلر في كتابه " تدهور الحضارة الغربية "...وهذا هو رأي إنسان أوربا في حضارته ولايهم ما يقوله نيتشه نيابة عن إنسان أوربا الذي لم يوّكله للتحدث نيابة عنه...

أما حينما تلتقي الحضارة الدنيا مع الحضارة العليا فان النتيجة التي يقررها نيتشه تبدو غريبة وبعيدة عن الواقع إذ يرى أن الحضارة الأولى تتبنى سخافات وآفات وأمراض الحضارة الثانية، وهو تصور متهافت وغريب لا يدل إلا على عدم واقعية صاحبه الذي لا يعيش حاضره ولا يعترف بمنجزاته ولا يقر بمعطياته المحسوسة والمرئية من قبل كل أبناء جيله نتيجة تشبثه الأعمى بعصر وحضارة يعترف بنفسه أنها دنيا، بل والانكى من ذلك أن هذه الحضارة_كما يسميها نيتشه_ يقودها نموذج وفئة من الناس يسمون بالبرابرة والذين يرى نيتشه في مثالهم ونموذج البشر الأكمل!!! ولا نعرف كيف يبرر نيتشه لأجيال عصره والأجيال التي تأتي بعدها أن البربري النموذج المثالي للإنسان وليس الإنسان العاقل الحسن التصرف والسلوك، ونحن نعلم أن بعض هؤلاء البرابرة لا يمتلك أية قيم إنسانية ولا مبادئ سماوية ولا قوانين أخلاقية، وقد ارتكب_بعضهم_ مجازر دموية يندى منها جبين الإنسانية  بل نحن وفي العصر الحاضر نصف الفعل الدموي المشين بأنه فعل بربري كناية عن تجاوزه كل القيم والأعراف والخطوط الحمراء... كما نصف اليوم  مجازر المجرم الإرهابي المقبور ألزرقاوي في عراقنا الجريح بأنها أفعال بربرية تخطت آداب وقواعد الحرب والقتال....

Muhaned_alsemawee@hotmail.com 

شبكة النبأ المعلوماتية--الاثنين 30/تشرين الاول  /2006 -7/شوال /1427