
مع الذكرى الحادية والستين لالقاء القنبلة الذرية المسمات (الصبي
الصغير) على هيروشيما والتي ذهب ضحيتها 140 الف شخص وبعدها (الرجل
السمين) بثلاثة ايام على ناكازاكي والتى قتلت 70 الف. مازال الدرس
الذي استوعبته اليابان قاسيا، درس الحرب و القنابل الذرية، ويحاول
العالم اليوم اليقضة من الكوابيس الارضية المحتملة ابتدا من
التلوث،والتصحر،الاعاصير،وانتهاء بيوم القيامة الارضي الذي يهدد الجميع
بين لحظة واخرى، ذلك هوالخطر الذري والهيدروجيني.. من قنابل وصواريخ.
ففي مبادرة متميزة قامت اليابان بانشاء اول متحف للسلام هو الاول
من نوعة في العالم. وفي مكان يعد عين الماساة في نفوس اليابانين انها
- هيروشيما - فقد بني هذا المتحف في عام 1955 كتاكيد على التزامها
الابدي ضد الحروب والتسلح الذري والنووي ودعما للسلام العالمي.ففي حين
بدا اليابانيون في اعمار المدينة ورسم ملامحها من جديد فقد اقترح
المهندس الياباني الشهير (كينزوتانجي) اقامت نصب تذكاري ضخم للسلام.
ليصبح حجر الاساس لهيروشيما الجديدة وهو النصب الذي امسى حديقة غناء
تبلغ مساحتها 30 فدان تسمى حديقة النصب والتي لاتبعد عن مكان سقوط
القنبلة الاقليلا، في وسطها يوجد متحف السلام المكرس لابراز فضاعة
الدمار الشامل، هذا المتحف يعد الاصل الذي تتفرع عنه العديد من المتاحف
والتي تشتمل على تنويعات ثقافية وتعليمية.
وفي هذا المتحف نجد عرض حقيقية الضربة الذرية ومن ثم يلقي الضوء على
تاريخ المدينة ودمارها. كل هذا مرصود باحد ث الاجهزة السمعية والبصرية
ووفق بناء معماري متطور مزود بارشيف سمعي شامل يضم اصوات من بقوا على
قيد الحياة، مع منظومات تعليمية تخص الاطفال حيث المناهج المدرسية
تتعامل بوجوب زيارة متاحف السلام. وتوجد هناك اكثر من 300قطعة فنية تحي
ذكرى القاء القنبلة. ويتم التعليق على القطع الفنية من خلال برنامج
سمعي مترجم الى خمس عشرة لغة وهناك تقليد جميل اذ يطلب من الزوار تسجيل
رسالة سلام خاصة بهم، في باحة المتحف المطل على قبة القنبلة الذرية
تعرض اكثر الصور المروعه للدمار وبقايا الملابس المحترقة التي كان
يرتديها الضحايا،ومن ابلغها بقايا دراجة هوائية كان يركبها طفل صغير
ذاهب الى مدرستة تلوت اجزائها المنصهرة بشكل سريالي عجيب جراء
الانفجار وهناك حقائب وكتب وكراريس مدرسية بل حتى اظافر وبقايا اجزاء
من جلود اطفال محترقة.
وهناك ايضا متحف ناكازاكي الجديد المعروف بنقده الراديكالي للتاريخ
الياباني والعالمي وصا لتة الدولية للثقافة كرمز لاعادة البناء في ظل
السلام العالمي ويعد واحدا من اكثر المتاحف ديناميكية في اليابان من
ناحية الابتكار وتحدي للفكر المعماري التقليدي، فهو ممتع للغاية من
منظور فكري ويشتمل على اقسام (نحو عالم خا ل من الاسلحة النووية) و
(الطريق الى الموت النووي) و(الحرب بين الصين واليابان) وغبرها من
الاقسام المدعومة بالاعمال الفنية واللوحات والوسائل السمعية والبصرية
واصوات الناجين ومناجاتهم،وهناك قاعة الفيديو ببرنامجها (سؤال وجواب)
حيث المناخ الملائم لدراسة مستقلة لمأ ساة المدينة. ويذهب المتحف الى
ما هو ابعد مما يقدم متحف هيروشيما من حيث ربطه للبنية العريضة لاحداث
القرن العشرين التاريخية، ويفسر دور اليابان في الحرب بوعي غير منحاز
ممازجا كل ذلك بشكل جوهري بين الحدث والعمل المعماري، حيث يتقابل
الزائر في بادىء الامر مع عناوين مؤثرة مثل (الدمار وقت الغسق) و
(الدماروقت الفجر) مع عرض اكثر من 200 موضوع من التراث المادي واصوات
الهلع الشديد الصادرة من الذين كانوا في المباني المضروبة.. والمتحف
يعتبر تحديا لكل الطموحات الامبريا لية والحروب في العالم وخاصة
الحكومة اليابانية اثناء الحرب، اذ ينتقد بقوة دور اليابان ووحشية
الجيش في منشوريا وغيرها من الاماكن، مما ادى الى انتقاده بشدة من قبل
اليمين الياباني لكن ذلك لم يؤثر على خط المتحف بل زاده اصرار على
التفسير الراديكالي لهذه الفترة البالغة الحساسية تاريخيا، ولازال
اليمين يمارس ضغوطا من اجل انشاء متحف اخر يمجد ضحايا الحرب اليابانية.
ومع ذلك تتكاثر متاحف السلام في شتى انحاء اليابان فهناك (صالة
ماروكي) والتي تاسست عام 1967 تعرض اللوحات الزيتية الكئيبة من مشاهد
الانفجار والتي رسمها (ايري وتوشي ماروكي)، كذلك الحا ل مع (متحف طوكيو
للتنين الخامس سعيد الحظ) والذي يعرض لتجارب القنبلة الامريكية في
منطقة بكيني اتول.
فيما انشات مؤسسة اوسكا الدولية للسلام مركزها في موقع رائع جوار
قلعة اوساكا عام 1989.بينما فتح في ذات العام(متحف جرايسر وتسر) للسلام
في مدينة(كوسي) ويركز على البيئة والسلام كما ينظم رحلات سلام من اجل
دراسة الغزو الياباني للصين وهي ايماءة هامة لمتحف ياباني في هذا
المجال.
وفي عام 1992 فتح متحفان يابانيان للسلام ابوابهما امام الجمهور
هما(متحف كيوتو للسلام العالمي) والذي يركز عاى موضوع الاطفا ل
والانتاج الادبي والتعليم في الحروب بينما المتحف الاخر هو(متحف
كاواساكي للسلام) الذي يهتم بموضوع الابادة الجماعية وحقوق الاهالي.
كذلك تم في عام 1993 تشييد (متحف سايتاما للسلام) والذي يهتم بتدعيم
السلام العالمي ووضع التاريخ الياباني في مواجهة بانوراما الاحداث
العالمية. وتعد (صالةعرض ساكيما للفنون)في اوكيناوا والتي فتحت ابوابها
عام1994 اهم المعالم الفنية وتعرض لوحات الفنانين امثال كافي
كولوتير،ماكوتواونو،وتوشي ماروكي وغيرهم وهي واجهة لاعلان صارخ ضد كل
من يدمر الكائن البشري مما يجعلها في طليعة الصالات المتحفية المناهضة
للحروب في العالم.
اما اخر المتاحف والذي افتتح في مثل هذي الايام من العام الماضي
وبمناسبة الذكرى 60لالقاء الصبي الصغير المدمرعلى اليابان كان (متحف
بنات المتعة) وتديره مؤسسة نساء من اجل السلام، في هذا المتحف ممر
مزدان بالزهور ولوحة طويلة عليهاصور بالابيض والاسود لنساء مسنات هن
ذات النساء اللائي تم استعبادهن كرقيق جنس من قبل الجيش الامبراطوري
الياباني في الفترة من1932 ولغاية1945 ويشار لهن ببنات المتعة. اذ
تحاول مؤسسة نساء من اجل السلام توثيق الادلة حول 160 مركزا لبنات
المتعة كان يديرها الجيش اذ تجلب الفتيات وهن في الغالب صغيرات لاتزيد
اعمارهن عن 13 عام واجبارهن على ممارسة الجنس مع ما قد يصل الى 50
جندي يوميا لكل واحدة وكذلك يكلفن باعمال الخدمة للضباط والجنود
اليابان وكن يتعرضن للضرب حتى الموت اذاحاولن الهرب.ورغم مماطلة
الحكومة في هذا الموضوع واعتبارهن بغايا بكامل ارادتهن الا انها رضخت
اخيرا وقامت في عام 1995 بدفع مبلغ 20000 دولار لصندوق دعم مالي الى
285 باقية على قيد الحياة من بنات المتعة كمال تكفير عن الذنب. ويحوي
المتحف مئات السجلات تتضمن شهادات مخجلة لضمير الانسانية باصوات
الضحايا الاحياء، كما تتوفر افلام وثائقية وتقارير اخبارية. ومن
المفارقة ان لايبعد هذا المتحف الا قليلا عن نصب (ياسكوني) المبني من
الزجاج اللامع والصلب حيث مدفن قادة الجيش من العسكريين السابقين وهم
ذات الرجال الذين اسسو هذه المحاجر المذلة للكرامة الانسانية.
كل هذا واكثر في اليابان من اجل معرفة قيمة السلام ولكن وللاسف
لانجد في بقية دول العالم ورغم كل الجهود المبذولة مصداقية وشرعية
لاعمال مماثلة فهل نامل بان تخرج ثقافة السلام الى الواقع لنحفظ حياة
اجيال من صغارنا تهددها الحروب بالدمار والفناء..
(كاتب عراقي مقيم في بريطانيا) |