أسـباب ظـهور المجتـمع المدنـي

جميل عودة

 أن فكرة المجتمع المدني تعني البحث عن مجتمع إنساني يؤمن بالمبادئ والقيم والفضائل الايجابية في العلاقات الاجتماعية، ولكن ثمة أسئلة أخرى تراودني بشأن الأسباب المباشرة التي دعت نفراً من الناس الى أن يناضلوا لأجل إحياء هذه القيم المندثرة بطريقة التنظير والتشجيع على تبنيها.

ثمة من يؤمن بان فكرة المجتمع المدني ظهرت كنوع من أنواع الحنين إلى الماضي، أي التشوق إلى دفء المجتمعات المحيطة الحاضنة(المتقاربة) التي كانت موجودة في عصر ما قبل الحداثة؛ فالآباء يشعرون أنهم يفتقدون الوقت الذي يقضونه مع أطفالهم؛ لأنهم يقضون وقتا طويلا في العمل. كما يشعرون بالخوف من فقدان السيطرة على أخلاقيات أبنائهم، لان القيم الأخلاقية تنتقل إلى أطفالهم عن طريق قوة خارجية مثل التلفزيون..

ويفتقد سكان الأحياء المجاورة التي تنتشر فيها الجريمة اللقاءات الاجتماعية التي تتم ناحية الشارع أو أمام باب المنزل. والحنين إلى الماضي لا يعني الرغبة في عودة الماضي كما هو، اذ يقول بعضهم (نحن لا نريد عودة الخمسينيات، ولكننا نريد إعادة صياغتها ... نحن نريد الاحتفاظ بالشوارع الآمنة والبقال الحسن المعاملة.. بينما نعمل على التخلص من الرؤساء السياسيين ومدراء المدارس الطغاة)..

ينسب بعضهم ظهور فكرة المجتمع المدني إلى أسباب اقتصادية اذ أن الأفكار الرأسمالية قسمت تلقائيا المجتمعات الغربية أو تلك التي دارت في فلكها إلى أغنياء جدا وفقراء جدا، فالأغنياء تزداد أموالهم تباعا، ولا يجدون طرقا لإنفاقها إنفاقا صحيحا ومفيدا، بينما الفقراء يزدادون فقرا وجوعا ولا يجدون سبيلا لإشباع بطونهم وإكساء أبدانهم في ظل هذا الفارق الطبقي، كانت الحكومة عاجزة? عن تحصيل أموال الأغنياء لصرفها على الفقراء إلا في حدود الضرائب والرسوم، وهي جزء يسير من واردات أولئك الأغنياء.

إنفاقا صحيحا ومفيدا، بينما الفقراء يزدادون فقرا وجوعا ولا يجدون سبيلا لإشباع بطونهم وإكساء أبدانهم في ظل هذا الفارق الطبقي، كانت الحكومة عاجزة? عن تحصيل أموال الأغنياء لصرفها على الفقراء إلا في حدود الضرائب والرسوم، وهي جزء يسير من واردات أولئك الأغنياء.

وبالتالي انبرى جماعة من الناس، لا سيما رجال الدين والكنيسة الذين ظلوا يحتفظون بروابطهم بين الفريقين، تجمعهم كلمة الله إلى حث الأغنياء لتوزيع بعض أموالهم على الفقراء، واستثمارها استثمارا غير ربحي قربة لله عز وجل. وأطلق على الجماعات الرابطة بين الأغنياء الذين كانوا يحكمون البلاد والفقراء المعدمين جماعة المجتمع المدني، و تقوم هذه الجماعات بقيادة حملات التبرع وتوزيعها على المستحقين من دون أن تطلب قرشا واحدا. السبب السياسي: وقد يتفق المؤيدون للمجتمع المدني في المدى القصير على أنه مهما كانت خلافاتهم السياسية فان النظم الديمقراطية سوف تكون في خطر إذا شعر العديد من المواطنين بعدم الارتباط ليس فقط بالحزب السياسي الذي ينتمي اليه أو الرجل السياسي الذي يمثله ولكن ايضا بعدم الارتباط باشكال الحياة التنظيمة التي تعطيهم صوتا مؤثر كل حلم لنا عن خلق المجتمع المدني في غياب السلطة سوف يظهر أنه في النهاية حلم خيالي يصعب تحقيقه..

نعم سوف نسعى لتحقيق سلطة نعتبرها اقل قهرا من تلك الاشكال التي رفضناها. وسيفقد المواطنون كل أمل في مقدرتهم على إنجاز ما يسعون لتحقيقه بالعمل العام وهو التحركات التي لم تصمم ببساطة لمساعدة ذوي الحاجة فقط ولكنها تحركات صممت ايضا لبناء وتحسين وحل المشاكل داخل المجتمع المحلي.

ولكن ثمة من يعتقد انه? لابد من نشر الاخلاق الفاضلة والقيم ولا يمكن أن تنبثق هذه القيم من الحكومة ولا من السوق الحر ولكن المجتمع المدني هو الذي يعزز هذه الفضائل ،وإيثار الغير والمودة? و القيم نادرا ما نجدها? في العلاقات السياسية أو في علاقات السوق - نحن نعتقد أن مفهوم المجتمع المدني بني على فكرة مفادها أن هناك مبادئ وقيماً إنسانية تعجز الدولة(الحكومة ) عن تلبيتها بشكل كامل بمفردها، كما تعجز مؤسسات السوق الحر عن تلبيتها بمفردها لان علاقة الدولة بالمواطن هي علاقة سياسية تهدف إلى تحقيق مكاسب سياسية وعلاقة السوق بالمواطن علاقة منفعية تهدف إلى تحقيق مكاسب مادية بينما الهياكل الوسطية أو مؤسسات المجتمع المدني او المنظمات غير الحكومية هي مؤسسات المجتمع المحلي نفسه ومرتبطة به ارتباطا كليا فهي منه واليه فهي مثل الاب والام بالنسبة للابن فهما عندما يقدمان لأبنهما خدمة لا يرجوان منها على الغالب مصلحة أو نفعا إلا مصلحة ونفع أبنهما وهما يبذلان ما في وسعهما لتقديم ما يسد حاجة ابنهما على الدوائم هناك اهتمام آخر يعتقد أن الاهتمام المتزايد بمفهوم المجتمع المدني ومؤسساته يرجع إلى المزاج العام المضاد للحكومة الذي اصبح جزءاً من الحياة الاميركية منذ اواخر السبيعينيات من القرن المنصرم .

 وهناك من يعتقد أن فكرة المجتمع المدني ظهرت بالحديث عن (الهياكل الوسيطة) وهي المنظمات والمؤسسات التي تتوسط بين الفرد في حياته الخاصة المؤسسات الكبيرة في الحياة العامة مثل الكنيسة والعائلة مجتمع الجيران أو المؤسسات التطوعية وكانت الفكرة تقوم أنه يجب على الحكومة ألا تقلل من بيان الاسباب التي استوجبت طرح فكرة المجتمع المدني ، نحن نميل إلى الفكرة التي تقول أن المجتمع المدني انبثق من ضعف الأواصر الاجتماعية للافراد والعائلات والمؤسسات الصغيرة والكبيرة بما فيها مؤسسات الدولة،فالأفراد بدأوا يشعرون بالانغلاق الذاتي ليس عن عائلاتهم واقربائهم واصدقائهم وابناء محلاتهم وزملائهم وحسب بل مع انفسهم، انفصالهم عن القيم ومباديءالعائلة التي بدات تفقد عناصر التشابك والمجتمع بدأ ينفصل تلقائيا عن الدولة فلا يشعر بالانتماء إلى الدولة والحكومة وكثيرا ما يوجه لها انتقادات حادة تصل إلى الفعل عن الانقلاب أو الثورة أي العمل العنيف وربما لاالعصي فكيف لنا ان نعيد اللحمة للمكونات الاجتماعية افراداً وعوائل وجيراناً ومجتمعات محلية ومناطقية فظهرت فكرة المجتمع المدني، وهو السبب الذي يفسر لنا تأخر ظهور المجتمع المدني في بلاد العالم الثالث وبلدان الشرق الاوسط والبلاد العربية والاسلامية، لانها في تصوري ما زالت بلداناً متماسكة إلى حد ما.

شبكة النبأ المعلوماتية-السبت21/تشرين الاول  /2006 -27/رمضان /1427