في شهر رمضان، تتجسد في كافة أرجاء الجزائر أسمى وأجلّ مظاهر
التضامن والتآخي الإسلامي، حتى أصبحت بعض من شوارع وأزقة الجزائر لوحة
فسيفسائية تعكس مدى ارتباط الشعب الجزائري ببعضه البعض حيث تنتشر موائد
الإفطار لفائدة المعوزين والمحتاجين، تلك الموائد التي تطلق عليها في
بعض الدول العربية الإسلامية مسميات مختلفة إلا أنها في الجزائر يمكن
أن يسميها كل حسب مفهومه لعمل الخير والتضامن والتآلف بين أبناء الشعب
والدين الواحد.
وتنتشر موائد إفطار صيام رمضان في كافة أرجاء الجزائر، تستوعب
الواحدة منها ما يتراوح بين مائة ومائة وخمسين شخصاً يسعى من خلالها
المنظمين لتأصيل قيم التسامح، وترسيخ الصور الجوهرية للإسلام الداعية
للتضامن، ودعم مبادئه المشرقة أمام العالم والتي تنبذ كل مظاهر العنف
والإرهاب. وتشتمل موائد الإفطار التضامنية على وجبات غذائية كاملة
خاضعة لمعايير صحية ومراقبة طبية دائمة يقوم بالإشراف عليها عدد من
شباب.
ومن أبرز الموائد التي تغطي كافة القطر "مائدة الهلال" التي اعتاد
الهلال الأحمر الجزائري تنظيمها مع حلول شهر رمضان من كل سنة لفائدة
الفقراء وعابري السبيل ممن حالت الظروف الاجتماعية والمادية دون قضائهم
رمضان في أجواء مريحة.. ومن المنتظر حسب المكلف بالإعلام في الهلال
الأحمر أن توزع حوالي 3 ملايين وجبة ساخنة لهذه السنة.
ووفق ذات المصدر فقد خصص الهلال برنامجا خاصا يحمل شعار "عملية
تضامن رمضان 2006"، تم التحضير له قبل شهور من حلول الشهر الكريم،
بتنصيب لجنة وطنية تتضمن أطرافا مختلفة كوزارة التضامن ومديريات النشاط
الاجتماعي والهلال الأحمر قصد ضبط قائمة المعوزين والفقراء وتفادي أي
استغلال أو تلاعب يمكن أن يحدث في مثل هذه الظروف.
ويتضمن البرنامج هذه السنة توزيع ما لا يقل عن 950 ألف وجبة ساخنة
مباشرة في المطاعم التي يشرف عليها الهلال والبالغ عددها 240 على
المستوى الوطني. كما خصص الهلال وجبات ساخنة محمولة للمعوزين والعائلات
الفقيرة من المنتظر أن يصل عددها إلى مليون و900 ألف وجبة تُحمل إلى
المنازل.
وكعينة لنشاط الهلال الأحمر، يفتح مركز الهلال بولاية عنابة أبوابه
للمعوزين وعابري السبيل يوميا ليوفر ما بين مائة ومائة وخمسين وجبة
إفطار على مائدة الهلال، فيما يخصص 250 قفة لوجبات ساخنة محمولة
للعائلات الفقيرة التي تضم أربعة أفراد أي ما يعادل ألف وجبة يوميا.
للعلم تحصى مدينة عنابة ما يقارب 36 ألف عائلة معوزة، فيما ننوه بجهود
المتطوعين القائمين من شباب، نساء ورجال بل اندهشنا لجود عائلات بل
أفرادها في خدمة المحتجين من إعداد الوجبات وتقديمها.. للعلم بلع عدد
المتطوعين هذه السنة حسب المكلف بالإعلام في الهلال الأحمر إلى حوالي
2250 متطوع يتوزعون عبر المطاعم ويساهمون في السير الحسن للعملية بدءاً
بتحضيرها وصولا إلى توزيعها.
وموازاة لمائدة الهلال، هبّ مواطنون – سلطات محلية، مقاولات،
منظمات، جمعيات ومحسنين - في أهم المدن في البلاد لفتح مطاعم أطلق
عليها اسم "مطاعم القلب" أو "مطاعم الرحمة"، بقصد مساعدة الناس الذين
أنهكهم التضخم المتزايد وما نتج عن ذلك من ضعف في القدرة الشرائية.
وحتى الناس من ذوي الدخل المتوسط الذين يعانون من تزايد ملحوظ في أسعار
الخضر والفواكه.
وتأتي الكشافة الإسلامية الجزائرية في مقدمة المنظمات التي ترافق
فئة المحتاجين خلال شهر رمضان ضمن عمل تقليدي تعودت على القيام به كل
سنة وذلك من خلال فتح مطاعم الرحمة في جميع الأحياء، وقد ارتأت هذه
السنة مساعدة فئات محددة من المجتمع كالمعاقين وأطفال عائلات المفقودين
خلال المأساة الوطنية وأطفال ضحايا الإرهاب وفئة الأحداث والأطفال
المرضى بداء السيدا. فيما تأتي جمعية الإرشاد والإصلاح في مقدمة
الجمعيات ذات الطابع الاجتماعي التي بادرت إلى فتح ما يربو عن 33 مطعما
بطاقة 10 آلاف وجبة يوميا في معظم المدن الكبرى كالعاصمة، وهران،
عنابة، باتنة وقسنطينة.. بالإضافة إلى توزيع 18 ألف و700 وجبة يوميا.
فيما ينتظر أن تجمع موائد الأيتام في النصف الثاني من رمضان أزيد من 5
آلاف يتيم، سيستفيد بعضهم من عمليات الختان الجماعي. وفي نفس السياق
تنشط عدة جمعيات محلية في معظم المدن والقرى للتضامن مع الفئات المعوزة
طيلة الشهر الكريم.
من جهتها تعمد السلطات الولائية في كل أقاليم البلاد بفتح مطاعم
لفائدة المعوزين، وتأتي الجزائر العاصمة في مقدمة المدن لما تشهده من
كثافة سكانية وإقبال الوافدين عليها، حيث قامت الولاية بفتح 94 مركزا
للإفطار - 28 مطعما تابعا للقطاع العمومي مقابل 27 للقطاع الخاص فضلا
عن 39 آخر تابع لقطاع التربية - عبر بلدياتها 57 قصد السماح للمحتاجين
وعابري السبيل بالاستفادة من وجبات إفطار ساخنة أو أخذها معهم.
كما تشهد كافة جهات البلاد خلال شهر رمضان المبارك، الذي تحرص
السلطات على أن يكون مناسبة لإذكاء جذوة المد التضامني والتراحم بين
أفراد الشعب، صوراً أخرى من المد التضامني من خلال تقديم المساعدات إلى
العائلات المعوزة بتقديم قفة رمضان ومبالغ مالية.
فقفة رمضان تعتبر الميزة الأساسية لعملية التضامن، دأبت وزارة
التشغيل والتضامن الوطني على تنظيمها كل سنة منذ 1999، وعن عملية
التضامن الخاصة برمضان 2006 سخرت الوزارة إمكانيات كبيرة بقصد توفير
المواد الضرورية للعائلات المعوزة لتحضير إفطارها، وانتهجت لامركزية
مناطق توزيع المساعدات بغرض تجنب الوسطاء الذين يعيقون وصول المساعدات
كاملة لأصحابها بل تصلهم دائما ناقصة جدا.
وفي إطار البرنامج الوطني للتضامن المسطر من قبل الوزارة، تستفيد
165 ألف عائلة معوزة من قفة رمضان، ويتعلق الأمر بـ 125 ألف عائلة
معوزة أحصتها وزارة التشغيل والتضامن الوطني والتي لا تستفيد من
التأمين الاجتماعي ولها دخل يقل عن 3750 دينار و40 ألف عائلة من ضحايا
المأساة الوطنية..
كما يسعى الهلال الأحمر إلى توفير ما يناهز 170 ألف قفة مرتين في
الشهر، تبلغ قيمة الواحدة منها 3000 إلى 4000 دج تتضمن المواد الغذائية
الأساسية من حليب، دقيق، زيت، سكر، قهوة ومصبّرات.. الخ. فيما خصصت
السلطات الولائية (في 48 ولاية) أغلفة مالي تتراوح ما بين مليار ومليار
و500 مليون سنتيم للتضامن مع الفئات المحتاجة بما يكفل ضمان توزيع ما
بين 10 آلاف و20 ألف قفة على مستحقيها وبالمثل خصصت جل البلديات جزء من
ميزانيتها لتجهيز قفة رمضان بغلاف مالي ما بين 50 و100 سنتيم لتقديم
قفة للعائلات الفقيرة.
فيما أعدت جمعية الإرشاد والإصلاح برامج للتكفل بالفئات المحتاجة من
خلال توزيع "قفة رمضان" حيث وزعت خلال الأسبوع الأول من شهر رمضان
الكريم أكثر من 10200 قفة، استفادت منها العائلات الفقيرة والمحتاجة في
عدد من الولايات.. ولدعم الأشخاص والعائلات المعوزة قررت وزارة الشؤون
الدينية توزيع الزكاة المحصلة (زكاة المحاصيل والأنعام) في فصل الصيف
خلال شهر رمضان المعظم.
إن المتابع لهذه الحركية الروحية التي تعيشها الجزائر على امتداد
الشهر الكريم يلمس ما تتركه موائد الإفطار وقفة رمضان من انطباعات
طيّبة لدى المعوزين وضعاف الحال لأنها بقدر ما حرصت على أن تقدم لهم
الدعم المادي، أصرت على أن تشيع داخلهم الدفء والتواصل الإنساني، من
خلال حسن الاستقبال والإحاطة والعناية بهم مما يرسخ بداخلهم أجمل قيم
التحابب والتآزر ويؤصل الوازع الديني لديهم ويمتن أواصر الانتماء إلى
وطنهم. والفضل الكبير للمتطوعين الذين يقومون بدور جبار في إنجاح
العملية التضامنية من ناحية التمويل أو التحضير العام في إعداد الوجبات
وتقديمها. دون إهمال مساهمات المحسنين ورجال الخير الذين تضاعفت قيمة
نشاطهم التضامني في السنوات الأخيرة بشكل كبير، حيث قفزة من 5 ملايير
سنتيم سنة 2001 إلى 60 مليار سنتيم سنة 2005.
شهر رمضان الكريم له مكانة متميزة في الجزائر، فالشعب الجزائري من
أكثر الشعوب الإسلامية احتفاء بهذا الشهر المبارك. وهو من الأشهر التي
تحسب في الاعتبار الشعبي من المواسم العظيمة، لا بالمعنى التقليدي
لكلمة موسم، لكن بالمعنى العميق الذي يعني الاحتفال به، والاحتفاء
بشعائره، والاستعداد المبكر لذلك.
لهذا فإن النشاط التضامني لا يقتصر على تقديم الوجبات والمساعدات
فقط، بل يتعدى إلى التكفل التام بختان أطفال العائلات الفقيرة واليتامى
حيث على سبيل المثال على الحصر يتكفل الهلال الأحمر هذا العام بختان
6700 طفل.. كما تم تجهز المصحات بأقسام خاصة تسمى "عيادة المرضى" تتكفل
بالمرضى المصابين بالأمراض المزمنة لتحسسهم بكيفية التعامل مع المرض في
رمضان.. وبوصف شهر رمضان "شهر الرحمة والتضامن" دعت وزارة الشؤون
الدينة والأوقاف المواطنين إلى إيتاء زكاة الفطر ابتداء من أول يوم من
هذا الشهر الفضيل إلى الأئمة ولجان المساجد بغية السماح للمحتاجين
بالاستفادة منها في الوقت المناسب خلال الشهر الكريم وقبل عيد الفطر
المبارك. |