شهر رمضان في القاهرة له طعم خاص وممارسات ونكهة متفردة وعرف
وتقاليد غاية في الخصوصية، فهم جميعا صائمون، وعندما اقول جميعهم فانا
اعني ما اقول المؤمنين وغير المؤمنين والملتزمين وغير الملتزمين
والمتدينيين وغير المتدينين اذ ان صوم شهر رمضان ليس عبادة فحسب وانما
طقس وتقليد اشبه بالفلكلوري فانت تستطيع ان تفعل أي شىء في أي شهر الا
رمضان، قال لي احد علماء النفس " ان الذنوب الكبيرة التي يرتكبها المرء
تجعله يتحين الفرص للخلاص منها " وفي ساعة الافطار لا تستطيع ان تعرف
اين ذهب هؤلاء الخمسة والعشرين مليون اللذين يسكنون العاصمة، واغلبهم
يفطرون عند اهاليهم او في " موائد الرحمن ".
وهذه الموائد ليس لها نظير لا في الدول العربية ولا الاسلامية ‘
قيل ان سوريا تعرفها بشكل محدود وقيل انها دخلت قبل سنتين في ليبيا
بشكل بسيط وهي عبارة عن ولائم يتجمع فيها عادة اهل الحي وتقام فيها
وجبات الفطور والسحور وفيها من رزق الرحمن الكثير وتنتشر تقريبا في
جميع مدن مصر،، ولكن العراقيون يفتقدون لهذه التجمعات التي تزيد اللحمة
الانسانية والوطنية وتقلل من السيارات المفخخة، فانت اينما تذهب في
القاهرة تجد لافتة تقول " ندعوكم للافطار عندنا " وعادة ما يشترك اهل
الحي في التبرعات لهذه الموائد التي يختلط فيها جميع الاعراق والملل
والطوائف.
قال احدهم: ان هذه الموائد ليست جديدة وانما توارثناها منذ العهد
الفاطمي، ففي العراق قد تجد بعض المساجد والجوامع توفر وجبة سريعة قبل
صلاة المغرب ولكن هذه الموائد المصرية تتضمن وجبة كاملة للفطور من "
البلح " وهو التمر الى العيش- الخبز- ووجبة كاملة فيها اللحوم وحتى
الحلويات، وعادة يستفيد من هذه الموائد الغرباء والفقراء والكسبة الذين
يستمرون بالعمل بعد الافطار، المصريون يفضلون الافطار مع عوائلهم.
ولكن لموائد الرحمن نكهة خاصة وهذه الموائد تختلف من حيث اصناف
الماْكولات ففي الزمالك غير المهندسين وفي شارع بهجت علي غير الفيوم
وفي منطقة 6 اكتوبر غير شارع الهرم ..
واعجب ما في الموضوع ان الفنانيين لهم موائدهم ايضا سنويا فقد قال
لي احدهم ان مائدة الفنانة فيفي عبدة عامرة باللحم الرومي اما الفنانة
شيريهان فانها والكلام للاخ المصري فلم يتسنى لي الذهاب هناك يقول انها
تعطي لكل من ياكل في مائدتها مظروفا بداخله بعض الجنيهات وذلك لارغام
الناس للدعاء لها – طبعا ليس للدخول في البرلمان المصري – وانما الدعاء
لها بالشفاء.
اما في صعيد مصر وهي المناطق الجنوبية فانهم يقفون في الطريق – لا
ياخذكم الظن بانهم قاطعي طريق او من هواة التسليب – وانما لارغام الناس
للفطور معهم واذا لم يستجيب الناس فانهم يرغموهم على اخذ وجبة الافطار
معهم..
ليس هناك " مسحراتي " في مصر والقاهرة فان جميع المصريين يسهرون
لان اغلب محلاتهم لا تفتح الا في الساعة الحادية عشر صباحا يوجد في
بعض الاحياء الشعبية قالوا يستغلها اهل الحي لتشجيع اطفالهم على الصوم
فان رب العائلة يطلب من المسحراتي ان ينادي باسم هذا الولد او ذاك.
ليس لديهم عمل جماعي بعد الفطور كالذي يوجد في العراق من لعبة "
المحيبس " او غيرها.
لم اجد مطعما واحدا عند الافطار .
ولكني وانا اتساءل عن هذه الدولة الفقيرة التي تتوارث كرم بهذا
الشكل لا يسعني الا ان ادعو الله ان ياخذ طاغوت العراق اخذ عزيز مقتدر
.
[email protected] |