مع قدوم هذا الشهر المبارك تمتلئ نفوس المسلمين بالخشوع وتشيع اجواء
المحبة والسلام والايمان الى أقصاها، فيصبح هذا الشهر الكريم فرصة مهمة
لتكريس روح المحبة بين الجميع ويصير قلب الانسان في نقائه وصفائه
وبراءته أقرب الى قلوب الاطفال وهي تستقبل أيامه ولياليه المحملة
بالخشوع والتعبد .
وفي هذا الشهر الذي يختلف قطعا عن غيره من شهور السنة تسود روح
التعاون والتآزر بين المؤمنين الى أقصاها، فالغني المؤمن ينفق من
امواله على الفقراء بسخاء والقوي المسلم بسريرته يجعل قوته في خدمة
الناس الضعفاء وكبار المؤمنين يحترمون صغارهم ويأخذون بأيديهم الى جادة
الحق والصواب.
أما الصغار في العمر والتجربة يصبحون اكثر ليونة وطواعية واستعدادا
للدخول في الطريق القويم طريق الايمان والمحبة والتسامح والابتعاد عن
كل ما يسبب أذى نفسيا او جسديا للآخرين، وهكذا في مجمل الامور
والمجالات ترى الناس في هذا الشهر أقرب الى الله وأقرب الى الخشوع
والسلام وأقرب الى الزهد والتعبد من اي وقت آخر.
ولذلك يتوجب علينا أن نوظف سمات هذا الشهر العظيم من أجل ترصين
الاخاء والتوحد ونبذ العنف بالفعل والعمل لا بالقول فحسب، فالنفوس
المؤمنة المكللة بالخشوع تكون في هذا الشهر على استعداد كامل للدخول في
حوار مسالم مع الآخر لكي تصل الى مبتغاها بأقصر الطرق وأصلحها.
وهكذا تكون الدعوة الى السلام في هذا الشهر المبارك ليست حبرا على
ورق فقط ولا كلاما يذوب في الهواء ولا يترك فعله في النفوس والقلوب
المؤمنة، ولعل أهم ما يجعل النوايا والكلمات المؤمنة في هذا الشهر
المبارك فعلا ملموسا هو الاصرار الحقيقي على الاهداف الجليلة التي
يتوخاها المؤمنون من خلال لقاءاتهم وجالسهم الدينية والتربوية
والاخلاقية التي تقوّم النفوس وتزيد من صلابة إيمانها.
ويرد في الحديث النبوي الشريف (ان ابواب الجنة تفتح في رمضان) ولعنا
نتفق على ان هذا القول الكريم يأتي بمثابة الدافع الكبير للانسان
المؤمن لكي يستغل فرصة الدخول الى جنان الخالق العزيز من خلال الاحسان
للآخرين وبر الوالدين ومساعدة الضعيف بما يحتاجه ماديا او معنويا وغير
ذلك، ولعل ذلك لا يتحقق إلاّ بالعمل المؤمن الدؤوب المسند بنوايا
حقيقية خالصة لوجه الله تعالى، ذلك ان الساحة العراقية على وجه الخصوص
تشهد تداخلا غريبا بين الصدق والكذب في النوايا والعمل، فلقد كثر
الكذابون والمزيفون والمختلسون، اولئك الذين لايهمهم اطعام اطفالهم
وبطونهم من السحت الحرام المسروق من قوت الشعب، هؤلاء هم المعنيون أكثر
من غيرهم في تغيير نفوسهم الى جادة الحق والصواب من خلال الافادة من
اجواء هذا الشهر المبارك المعفرة بالصدق والايمان والافعال التي تصب في
خانة الخير والحلال قبل غيره.
ان المختصين يؤكدون دائما بأن ليس هناك بشر مجبول بطبعه على الشر
والحرام أما الدين الاسلامي الحنيف ومبادئه الخلاقة فهي السباقة دوما
الى منح الانسان فرصة الالتحاق بركب الخير والمؤمنين الصالحين الصادقين
وليس هناك أنسب من هذا الشهر الكريم الذي يفتح ذراعيه لاحتضان التائبين
النادمين الراجعين الى الصف المؤمن وذلك بامتناعهم عن فعل الشر في اي
باب كان وامتناعهم عن القول والفعل المؤذي للآخرين من اخوانهم، وفي هذا
الشهر تلوح لهم فرصتهم للحصول على ما يبتغون من توبة نصوحة مقبولة من
لدن ربهم الغفور الكريم.
اذن فلنجعل من هذا الشهر بداية جديدة لحياتنا التي تتجدد في كل لحظة
زمنية جديدة تمر علينا، ولنجعل اجواء الايمان والبركات والسلام التي
يحفل بها هذا الشهر هي البداية القويمة لنا، تلك البداية التي تتخذ من
الخير منهاجا عمليا ونظريا لها، ولعل من نافلة القول أن نعرف بأن
الكلام مهما عظم وصح لا يمكن ان يكون عظيما وصحيحا ما لم يتحول الى فعل
يخدم الانسان بصورة مباشرة في توجهاته نحو السلم ونبذ العنف والقبول
بالرأي الآخر والتحاور معه حتى لو كان الرأيان لا يلتقيان.
أما القول بأن هذا الشهر يشكل فرصة للتوبة وفرصة للعودة الى جادة
الحق وفرصة لخدمة الناس ومساعدتهم، فليس في ذلك أمر جديد لكن يبقى
الجديد دائما هو ان يصبح الانسان قلبا وقالبا من اهل الخير والصدق
والورع وهو قادر على ذلك في مثل هذه الايام التي تتنزل فيها الملائكة
ويعلو فيها شأن الانسان تقربا من الله تعالى الذي يباهي الملائكة بعبده
المؤمن الصائم المتحصن بمبادئ الاسلام وسيرة النبي(ص) والائمة (ع)
والاولياء الصالحين والمراجع العظام. |