الانسان السوي بطبعه يبحث عن الرقي له ولمجتمعه ويتنهز الفرص تلو
الفرص لذلك
وها نحن في غرة شهر رمضان المبارك الذي يدعونا الله سبحانه وتعالى
الى ضيافته كما قال الرسول الكريم: هو شعر دعيتم فيه الى ضيافة
الله)ومن الطبيعي اننا عندما نلبي أية دعوة فنتهيأ للداعي لكي يرانا في
الصورة التي يُحب.
وها هو الباري يدعونا الى ضيافته في كل عام مرة ولمدة ثلاثين يوما
نتدرب فيها لنتخلق بخلق الله سبحانه وتعالى ،ونعيش الحب للاخر نحيا
بقلوب أهل الجنة(ونزعنا مافي صدورهم من غل اخوانا على سُرر
متقابلين)1لانفكر في سيئات الاخر بقدر ما ننظر الى ايجابياته ونحاول
تنميتها من خلال تركيزنا عليها.
والصيام هذه التجربة التي تبدأ بالامتناع عن الطعام والشراب للحد
من الشهوات والغرائز التي قد تدفعنا الى ماتدفعنا إليه تنتهي بالامتناع
عن إيذاء الاخر بل والعمل على مد يد العون إليه.
ولكننا في مجتمعاتنا مازلنا نفهم الصيام بطريقة مختلفة طريقة تفرغ
المحتوى والهدف من تشريع الصوم كما تم تشريعه في الديانات
السابقة(ياأيها الذين ءامنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من
قبلكم لعلكم تتقون)2
فأسواقنا ونوادينا بدلا من أن يكون الصيام محطة للرقي الخلقي
والتعاملي فيما بيننا نرى العكس تماما حيث نرى ضيق الصدور قد بلغت حدها
ولاتستطيع الاحتكاك بالاخر لانك ستُجابه بثورة عنيفة فالمقابل صائم!!!
وعند البيع والشراء كذلك فالبائع فرصته هذا الشهر ليرفع من الاسعار
وقد لايكتفي بذلك بل يمزج ماهو رديء وسيء لان الكل مقبل على الشراء في
هذا الشهر ،وإن شهية الصائم وجوعه يدفعانه للشراء أيا كان الثمن.
وفي المقابل كذلك نرى المشتري يفعل مايوجب فعله في هذا المجال لانه
صائم وعلى الاخر تحمله.
وفي البيت نكون أُسارى المسلسلات التي تعرضها القنوات الفضائية
،والتلفزيون هو الذي يفرق العائلة ويجمعها.
وتكون ثقافتنا نتاج هذه المسلسلات التي تُذاع على مدار اليوم فما إن
ينتهي واحد حتى يبدأ الاخر ولست بحاجة سوى الى الضغط على زر (الريموت
كونترول)وقد لايكفي جهاز واحد فيقوم رب العائلة بجلب جهاز لاقط جديد مع
التلفزيون الجيد ليتيسر لجميع الافراد مشاهدة كل المسلسلاات تيمنا بهذا
الشهر الكريم شهر الخير والبركة !!
ولن اُناقش محتويات هذه المسلسلات وبقية البرامج فكلنا يعلم ماتقدمه
الفضائيات في هذا الشهر الفضيل الذي بدلا من أن يكون شهرا للطاعة
والمغفرة أصبح شهرا للمسلسلات والبرامج الترفيهية.
وهكذا ندخل في هذا الشهر الكريم ونخرج منه دون أن تنصقل شخصيتنا بما
أراده الشرع لنا في هذه التجربة الشهرية.
وبدلا من أن تعيش الاسرة اجواء الصفاء والمحبة في هذا الشهر تعيش
غير ذلك إن لم تزدد توترا،وينتقل ذلك الى المجتمع لان الاسرة هي الوحدة
الصغيرة للمجتمع.
أما متديوننا فانهم في هذا الشهر _شهر الله- بدلا من أت تكون فرصة
لاشاعة الاجواء الروحانية التي تمثل الصفاء والطهارة فانهم يستغلون
الحديث الشريف: نومكم فيه عبادة وأنفاسكم فيه تسبيح)فيكثرون من النوم
في هذا الشهر وكأنه العبادة المُثلى.
وإن تحرك بعضنا في شهر الدعوة الى الله فلايجد غير التناحر المذهبي
الذي يسترزق منه، وإن ترك بعضنا هذه الامور جانبا التجأ الى الوعيد
وأهوال يوم القيامة مستغلا توجه الناس المؤمنين الى المسجد ظنا أن هذه
الطريقة تزيد المؤمنيين إيمانا وتبعدهم عن الدنيا ومافيها ولايفكر بما
زرعه من يأس في قلوب هؤلاء.
وهكذا يمضي الشهر المبارك دون تحول في الشخصية نحو الرقي المنشود
،ونفقد الفرصة التي تُتاح لناطيلة شهر كامل.
لنقرأ الاحاديث التي تتحدث عن هذا الشهر العظيم وفضائله ومقومات
الصيام الحقيقي ،لنقرأ التراث الزاخر من الادعية التي تدعو الله بقلب
سليم تدعو للاخرين الاموات والاحياء (اللهم أدخل على أهل القبور
السور،اللهم اشبع كل جائع اللهم اُكس كل عريان ....الخ الدعاء
هذه الادعية التي تجعل الانسان يعيش روحية التكافل وتلبية دعوات
الاخرين ابتداءا وجودا منه.
عندما نعيش هذه الروحية وما ارادته الاحاديث والادعية نكون قد
ارتقينا بذواتنا ثم بمجتمعنا خطوات الى الامام.
وهذا من أهداف شهر الرحمة والخير والبركة شهر رمضان المبارك...
alhamashi@hotmail.com |