مراجعة كتاب: من الدكتاتورية إلى الديمقراطية إطار تصوري للتحرر

 

إعداد: باسم خضر ربعي التميمي*

 الكتاب: من الدكتاتورية إلى الديمقراطية إطار تصوري للتحرر

المؤلف: جين شارب

ترجمة: خالد دار عمر

بوسطن- مؤسسة ألبرت اينشتاين 2003

70  صفحة من الحجم الكبير

"من الدكتاتورية إلى الديمقراطية إطار تصوري للتحرر"، عنوان الكتاب الذي أعدّه لنا الباحث الأمريكي جين شارب، وهذا الكتاب يشكل إطارا معرفيا لكل الثائرين على الاستبداد والطغيان الذي تواجهه مجتمعاتهم على يد قلة تمسك بزمام السلطة والقوة.

 ويبدو أن شارب قد وفّق وبشكل كبير في اختياره لعنوان كتابه حيث يوحي العنوان بما تتضمنه صفحات الكتاب من انتقال منهجي يتسم بالواقعية، بدأً من تحليل مفهوم السلطة ومفهوم الدكتاتورية ونقاط ضعفها لينطلق إلى وسائل مواجهتها في إطارٍ تحرري ينتهج أعمال النضال اللاعنفي كوسيلة فعّالة للإنتقال من هذه المرحلة مرحلة الدكتاتورية والوصول إلى مرحلة الديمقراطية التي تتسم بالثبات والشرعية الدستورية.

يتناول هذا الكتاب في فصوله العشرة موضوع الدكتاتورية، ويحدّد نقاط ضعفها، وآليات العمل لمواجهتها، وكيفية بناء خطة استراتيجية لإسقاطها، من خلال استخدام أساليب واقعية غير عنيفة. كما يتناول الوجه الآخر للقضية وهو الديمقراطية وبناؤها على أنقاض الدكتاتورية. بهدف إجراء مناقشة عمليّة على إحدى أهم المشكلات المعاصرة للشعوب والتي يمكن تلخيصها في كيفية القضاء على النظم الدكتاتورية ومنع قيام نظم دكتاتورية جديدة. ويقدّم فكرة الاستبداد ونقاط ضعف النظم الاستبدادية كما يقدم آلياتٍ عمليةٍ للشعوب الخاضعة لهذه النظم لممارستها بهدف الإنتقال إلى مرحلة الديمقراطية.

ويسعى الكتاب بشكل رئيسي إلى الإجابة على السؤال التالي: كيف تستطيع الشعوب منع قيام أو القضاء على النظم الدكتاتورية. وما هي الوسائل والأدوات الممكن استخدامها في ذلك؟

وينطلق الباحث في كتابه من فرضيّة أساسية مفادها: أن النظم الديمقراطية هي البديل الحقيقي للشعوب الخاضعة لنظمٍ دكتاتورية، وأن نضال اللاعنف يمثّل الطريقة الوحيدة للوصول إليها.

على أنه يمكن تصنيف هذا الكتاب في حقل الديمقراطية وخاصّة في الجانب المتعلّق بآليّات الوصول إلى الديمقراطية (المقاومة اللاعنفية).

يبدأ الباحث الحديث حول النظم الدكتاتورية ومدى قدرة الشعوب على النهوض في وجه هذه النظم خاصة تلك الشعوب التي خضعت للدكتاتورية منذ سنين طويلة ونشأت أجيالها في ظل هذه الدكتاتوريات، الأمر الذي يؤدي إلى صعوبة تكاتف الجماهير للعمل بشكل جماعي لإسقاط هذه النظم.

وفي الجدل الدائر حول طبيعة السلطة الدكتاتورية وعلى عكس الرأي السائد فإن أنظمة الحكم الدكتاتورية الاستبدادية تعتمد على المواطنين والمجتمعات التي يحكمونها في تغذيتها واستمرارها وعليه فهي تحتاج إلى عادات إذعان وإرغام للمواطنين بقبولها بشكل واسع، ويكون ذلك من خلال الاعتماد على فئة من الشعب تسمى "المتعاونون".

على أن هناك مجموعة خيارات متوفرة للتحرر من هذه النظم الدكتاتورية، تتمثل في: التمرد العسكري وحرب العصابات، والانقلابات العسكرية، والمساعدة الأجنبية الخارجية، لكن هذه الخيارات الثلاثة تعترضها الكثير من المحاذير ، فهي إن فشلت فإنها تعزز الأنظمة الدكتاتورية وإن نجحت فإنها تفرز نظما دكتاتورية جديدة انطلاقا من مركزية الجيش والقوة المسلحة في الحالات الثلاث المذكورة، ولضعف مؤسسات المجتمع المدني أساس النظام الديمقراطي. وفي حال استثنينا الخيارات الثلاثة فربما يرى البعض أن الخلاص من هذه النظم يتمثل في قيام حالة من التفاوض بين الحركة الديمقراطية والنظم الدكتاتورية بهدف الوصول إلى حلول وسط. إلا أنه لا بد هنا من التعرّض للحقيقة التالية والقائلة: أن المفاوضات إنما تكون في حالتين لا ثالث لهما أن يكون النظام قويا والمقاومة ضعيفة إلا أنها تقضّ مضاجعه، والحالة الثانية أن يكون النظام أوشك على الانهيار والمقاومة قوية، في الحالتين فإن المفاوضات هي إنقاذ للنظام الدكتاتوري. خاصة في ظل احتفاظ النظام الدكتاتوري بأسباب القوة ووسائلها أثناء المفاوضات وبعدها،على عكس حركات المقاومة التي تفقد غالبية إن لم يكن كل أسباب القوة ووسائلها، خاصة إذا ما كانت هذه الثورة هي ثورة شعبية جماهيرية منذ بدء التفاوض. وعليه فإن الخيار البديل المتوفّر لحركات المقاومة الديمقراطية يتمثل في التحدي السياسي أو النضال اللاعنيف. والذي يتمتع بمجموعة خصائص لعلّ من أهمها: امتلاك المقاومة وليس النظام الدكتاتوري القدرة على تحديد أساليب القتال المستخدمة، وقدرة المقاومة على التركيز على نقاط ضعف النظام المستبدّ، وعدم قدرة هذا النظام على مواجهتها، وقدرتها أي المقاومة على دفع الدكتاتوريين إلى القيام بالأعمال الخاطئة، وانتفاعها من المواطنين ومؤسسات المجتمع بشكل أوسع. وبما أن النضال اللاعنيف والعنف يعملان بطرق مختلفة كليا فان استخدام المقاومة العنيفة حتى ولو بشكل محدّد أثناء حملة التحدي السياسي سيعود بالضرر على الحملة لأن المقاومة العنيفة تعطي الفرصة للحكام الدكتاتوريين لاستخدام سبل يتمتعون بالتفوق الكبير فيها (وهي الحرب العسكرية). من هنا نستنتج أن الانضباط اللاعنيف هو مفتاح النجاح، ويجب المحافظة عليه بالرغم من الاستفزازات والممارسات العنيفة التي يقوم بها الحكام الدكتاتوريين.

على أن السجلات التاريخية تشير إلى أنه بالرغم من وجود إمكانية لوقوع ضحايا من القتلى والجرحى أثناء التحدّي السياسي إلا أنّ عدد الضحايا يكون أقلّ بكثير من استخدام الحرب العسكرية، أضف إلى ذلك أن هذا النوع من النضال لا يساهم في تأجيج دورة القتل والممارسات الوحشية التي لا تنتهي.

وعند وصول النظام إلى مرحلة التفكك والانهيار، على الديمقراطيين أن يعدّوا لكيفية معالجة التحول من الدكتاتورية إلى الحكومة المؤقتة في نهاية النضال، ويفضّل في ذلك الوقت إنشاء حكومة عاملة بسرعة، لكن ليس الحكومة القديمة بوجوه جديدة، بل حكومة تمارس الديمقراطية في أدائها. وذلك بهدف سد الفراغ الناجم عن تفكك النظام الدكتاتوري ومنع قيام دكتاتورية جديدة.

ولا بد من مراعاة مجموعة أسس لضمان ثبات الديمقراطية، من أهمها: كتابة دستور للدولة، والحفاظ على الديمقراطية الوليدة بين جماهير الشعب منعا لقيام نظام دكتاتوري جديد، أضف إلى ذلك ضرورة تحديد المسئوليات والمحاسبة.

 إنّ ممارسة النضال اللاعنيف والذي يعطي الحرية لكثير من قطاعات الشعب في التعبير عن رأيها فان ذلك بالضرورة يؤدي إلى قدرتها في المستقبل على تحديد المسئوليات ومحاسبة الحكام الجدد.

فيما تمثّلت أهم النتائج للكتاب في أن تحدّي الأنظمة الدكتاتورية لا يمكن اعتباره عملا سهلا ولا يترتب عليه ثمن، إذ أنّ جميع أنواع النضال لها تعقيداتها ولها ثمنها. حيث ستؤدي محاربة الأنظمة الدكتاتورية بطبيعة الحال إلى وقوع إصابات وخسائر في صفوف المقاومين. على أن اعتماد المقاومة اللاعنفية وتنفيذ استراتيجياتها تزيد من فعّالية النضال وتقلّص من المستوى النسبي في الإصابات والأضرار.

فيما يعتبر جين شارب مؤلف الكتاب أحد أبرز المنظرين في العالم لفكرة النضال اللاعنفي ضد الاحتلال والنظم الاستبدادية المحلية ويصنّف كأحد كبار منظري مدرسة اللاعنف الدولية مع المهاتما غاندي ومارتن لوثر كنغ والدلايلاما... وقد عمل شارب لما يزيد عن الثلاثين عاما كباحث في مركز الشؤون الدولية في جامعة هارفارد، كما يعمل باحثا في مؤسسة ألبرت آينشتاين التي ترأّسها لعدّة سنوات والناشطة في مجال اللاعنف في الصراعات في الولايات المتحدة الأمريكية، إضافة إلى جهده الأكاديمي الكبير في التنظير لثقافة ونضال اللاعنف، على صعيد الشعوب الخاضعة للإحتلال الأجنبي أو تلك الخاضعة لنظم محلية استبدادية. وله العديد من المؤلفات في هذا المجال والتي ترجمت إلى أكثر من ثلاثين لغة، ومن أبرزها:

الإنتفاضة والنضال بلاعنف، دور القوة في الكفاح اللاعنيف، عدم التعاون الإقتصادي، أعمال الإحتجاج والإقناع، أشكال التدخل المباشر، العصيان المدني، عدم التعاون الاجتماعي والسياسي، المقاومة اللاعنفية، أساليب الاحتجاج والإقناع بإستخدام اللاعنف، البدائل الحقيقية.

وفيما يتعلق بهوامش الكتاب فقد استخدم الباحث إحالات قليلة، فهو في كتابه استند بشكل أساسي على فكرهِ، إذ يعتبر جين شارب من المفكرين الأمريكيين بل والدوليين الرئيسيين في هذا الموضوع، وتحديداً فيما يتعلق بموضوع المقاومة اللاعنفية، وعليه فهو يعتبر مرجعاً أساسياً في الموضوع، لذلك قلّما يرجع إلى مصادر أخرى،  والدراسات السابقة التي رجع إليها وإن كانت قليلة بشكل ملفت إلا أنها ذات أهمية خاصّة، وخاصة كتاب الأمير لنيقولا ميكيافيلي، والاقتباسات المتعددة من مؤلفات أرسطو، والمنظر القانوني الإنجليزي جون أوستن، والعالم السياسي كارل دتش، وباتريك سارسفيلد، وكرشنالا شردهاراني، ورواية أسطورة سيد القرود للروائي الصيني ليو جي. واستخدامه لبعض الإحصائيات التي أعدّتها منظمة فريدم هاوس.

فيما احتوى الكتاب على ملحق تحت عنوان "أساليب العمل باستخدام اللاعنف"، تضمّن 198 أسلوبا لاعنفياً لمقاومة النظم الإستبدادية، تنوعّت ما بين أساليبٍ في الاحتجاج والإقناع، وأساليب اللاتعاون الإجتماعي والسياسي والإقتصادي، إضافة إلى أساليب التدخل اللاعنيف.

أما فيما يتعلّق بمهنجيّة البحث، فقد استخدم الباحث منهجين من مناهج البحث وهما المنهج التاريخي والمنهج الوصفي، والتزم بهما حتى نهاية الكتاب.

على أن المداخلة التي يحاول أن يقدمها جين شارب يمكن أن تتلخص في "أن الديمقراطية هي البديل الحقيقي لشعوب العالم كافة، وأن الوصول إليها لا بدّ أن يكون من خلال وسائل عادلة بقدر عدالتها –الوسائل اللاعنفية-".

غير أن أهمية الكتاب تتجلى في كونه يقدّم بعض الإرشادات والنصائح التي تساعد في التفكير والتخطيط لإنتاج حركات تحرر أقوى وأكثر تأثيرا مما قد يكون عليه الحال. إضافة إلى ترجمته إلى أكثر من ثلاثين لغة منها اللغة العربية.

وأخيرا يمكن التأكيد على الأهمية البالغة للكتاب للقارئ العربي، انطلاقا من الدكتاتورية التي تهيمن على النظم السياسية العربية. حيث يعطي هذا الكتاب أفكارا وآليات عمل تتناسب مع الحالة العربية.

*باحث في المكتبة المتنقلة من أجل اللاعنف والسلام

فلسطين. 2006م

E-mail: basem_tamimi2000@yahoo.com

شبكة النبأ المعلوماتية-الخميس 21/ايلول /2006 -22/شعبان24/1427