إن حملة مكافحة الفساد الإداري في العراق سارت بخطوات متسارعة بعد
تشكيل مفوضية النزاهة وتم إجراء التحقيق مع أعداد كبيرة من الموظفين
المتهمين بالقيام بإعمال تخل بواجبات الوظيفة أو الثقة المالية أو
جرائم اختلاس وسواها من الجرائم التي تقع تحت طائلة المسائلة القانونية
والمختصة بها مفوضية النزاهة.
لكن ظهر عائق بوجه إكمال المحاكم لإعمالها المتصلة بالموظفين
المتهمين بالجرائم المتعلقة بالفساد الإداري والمالي وهذا يتمثل بإعادة
العمل بالمادة 136/ب من قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة
1971 المعدل حيث أصدرت الحكومة المؤقتة برئاسة الدكتور أياد علاوي
الأمر رقم 14 لسنة 2005 بتوقيع نائب رئيس الوزراء في حينه الدكتور برهم
صالح الذي قضى بإعادة العمل بتلك المادة التي تستوجب (استحصال إذن
الوزير عند إحالة الموظف على المحاكمة في جريمة ارتكبت أثناء تأدية
وظيفته الرسمية أو بسببها إلا بأذن من الوزير التابع له) مما قيد
المحاكم من الاستمرار في إجراءاتها القانونية حيث امتنع الكثير من
الوزراء من منح الإذن بإحالة بعض الموظفين إلى المحاكم وكانت هذه
الصلاحية تمارس بشكل انتقائي فتعطى للبعض وتمنع عن البعض الآخر وفي
وقفة تجاه هذا الأمر نجد انه صدر خلافاً لأحكام الدستور النافذة في
حينه وكما يلي :-
أ- إن الدستور السائد في حينه هو قانون إدارة الدولة العراقية
المنحلة للمرحلة الانتقالية، وقد جاء في نص الفقرة (ج) من المادة (الرابعة
والعشرون) من القانون المذكور (عدم تمتع أي مسؤول أو موظف في الحكومة
العراقية الانتقالية بالحصانة عن أفعال جنائية يرتكبها خلال قيامه
بوظيفته)، وهذا النص جاء بشكل مطلق وبدون أي استثناء وحيث إن هذا النص
له الأعلوية بمعنى انه أعلى من أي نص وعلى وفق ما ذكر في نص الفقرة (أ)
من المادة الثالثة منه حيث نصت على (ان هذا القانون يعد القانون الأعلى
للبلاد ويكون ملزماً في أنحاء العراق كافة) ويمثل المعيار الذي بموجبه
نطابق مشروعية القوانين والأوامر الصادرة، لذا فان الأمر 14 لسنة 2005
قد تقاطع مع أحكام هذا النص وانه يكون قد خرق أحكام قانون إدارة الدولة
والذي يعد الأعلى كما أسلفت. بالإضافة إلى ما ورد في الفقرة (ب) من
المادة الثالثة المذكورة أعلاه من( إن أي نص قانوني يخالف هذا القانون
يعد باطلاً). ونلاحظ من ذلك إن نص الأمر رقم 14 لسنة 2005 يعتبر باطلاً
بموجب نص الفقرة (ب) أعلاه كونه خالف أحكام الفقرة (ج) من المادة
(الرابعة والعشرين) التي سحبت الحصانة عن أي موظف حكومي.
ب- أما من حيث الشكلية الدستورية لإصدار الأمر أي من ناحية آلية
التشريع فإننا نجد إن صلاحية التشريع جاءت حصراً بيد الجمعية الوطنية
وإنها السلطة التي من مهامها الرئيسية تشريع القوانين على وفق أحكام
المادة (الثلاثين) من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية.
وهذا يقودنا إلى أن أي تعديل لقانون أو نص تشريعي يجب أن يكون صادر من
الجمعية الوطنية حصراً وان أمر سلطة الائتلاف المنحلة رقم 3 لسنة 2003
كان بمثابة تشريع لأنه صدر من جهة تملك السلطة التنفيذية والتشريعية
بموجب قرارات مجلس الأمن ومنها القرار رقم 1483 لسنة 2003 التي نظمت
وشرعت وجود القوات الأجنبية في العراق، لذا فان تعديل هذه الأوامر يجب
أن يصدر بشكله التشريعي لا بوسيلة أو آلية تنفيذية وان الحكومة
العراقية في حينه وان كانت تملك سلطة تعديل أو إلغاء القوانين أو
الأوامر بموجب ملحق قانون إدارة الدولة القسم الثاني، إلا أن صلاحياتها
قد ذكرت على سبيل الحصر في نص المادة (الخامسة والعشرون) ولا يوجد فيها
أي نص يشير إلى إمكانيتها على تعديل النصوص القانونية لذلك فان الأمر
رقم 14 لسنة 2005 لم يكن من صلاحية الحكومة في حين إصداره، بالإضافة
إلى صراحة الفقرة (ج) من المادة (السادسة والعشرين) المذكورة قد بينت
بان القوانين والأنظمة والأوامر والتعليمات الصادرة من سلطة الائتلاف
المؤقتة بناءاً على سلطتها بموجب القانون الدولي تبقى نافذة المفعول
إلى حين إلغائها أو تعديلها بتشريع يصدر حسب الأصول ويكون لهذا التشريع
قوة القانون، وبما أن السلطة الوحيدة المخولة بإصدار التشريعات هي
الجمعية الوطنية.
ج- إن الأمر مذيل بتوقيع نائب رئيس الوزراء وليس بتوقيع رئيس
الوزراء والمطلع على أحكام قانون إدارة الدولة لم يجد نص يشير إلى حق
أو صلاحية رئيس الوزراء بتخويل احد نوابه على توقيع الأوامر أو حتى
رئيس الوزراء ذاته لا يملك حق إصدار التشريعات أو القوانين أو الأوامر
التي لها قوة القانون.
لذلك ومما تقدم نرى إن الأمر رقم 14 لسنة 2005 لا يملك شرعية
دستورية ولا حصانة قانونية، وادعوا مفوضية النزاهة إلى ممارسة دورها
بالطعن بشرعية ذلك الأمر أمام المحكمة الاتحادية العليا المختصة في
النظر في شرعية القوانين والقرارات والأنظمة والتعليمات والأوامر
الصادرة من أية جهة تملك حق إصدارها ويكون ذلك بناء على طلب من محكمة
أو جهة رسمية أو من مدع ذي مصلحة. ومناشدتي لا تقتصر على مفوضية
النزاهة بل إلى رئاسة الادعاء العام لأخذ المبادرة في الطعن بهذا الأمر
أمام المحكمة الاتحادية للنظر فيها حسب الصلاحية المذكورة في الفقرة
ثانياً من المادة (4) من قانون المحكمة الاتحادية العليا المرقم 30
لسنة 2005 من اجل منح القضاء دوره الفاعل في متابعة ومحاسبة الموظفين
المتهمين بارتكاب جرائم تدخل نطاق الفساد الإداري علماً إن هذا الأمر
اخذ دور غير الدور الذي رسم له إذ أصبح وسيلة يلوذ بها العديد من كبار
الموظفين في دوائر الدولة ويقع تحت طائلة القانون صغار الموظفين الذين
لا يملكون النفوذ في دوائرهم وقد يكونوا ضحية لرؤسائهم الذين يتمترسون
تحت لواء حماية هذا الأمر الغير دستوري.
[email protected] |