القانون وسيلة دكتاتورية

القاضي سالم روضان الموسوي

 قد يرى البعض ان هذا العنوان غير منسجم مع بعضه، حيث يرى البعض ان لم يكن الأعم الأغلب من الأفراد ان القانون رمز للديمقراطية، فكيف يكون وسيلة دكتاتورية والتي هي نقيض الديمقراطية، وهنا لابد من معرفة معنى كلمة قانون وما تدل عليه اصطلاحاً لان البعض ينظر إلى تلك المفردة بقدسية عالية تصل إلى حد تفضيل القواعد التي تصدر تحت لافتتها على القواعد السماوية الآمرة ويخشى البعض مخالفتها ولا يخشى مخالفة القواعد السماوية. لذلك فان كلمة القانون وعلى وفق ما ذكره بعض الكتاب في الفقه القانوني ومنهم الدكتور منير الوتري في كتابه الموسوم (القانون) ص5 الطبعة الثانية عام 1989 ،إذ بين بان كلمة القانون ليست عربية وإنما هي مأخوذة من كلمة kanon  اللاتينية ، ومعناها القاعدة أو التنظيم ومنها أخذت canon الفرنسية التي كانت تطلق في العصر المسيحي على القرار التي تصدرها المجامع الكنسية)) ويضيف الكاتب المذكور ((ان الأوربيين كانوا أولى من العرب باستعمال هذا اللفظ للتعبير عن معنى القواعد العامة، إلا إنهم لم يستعملوه إلا بالنسبة للقرارات الدينية وإنما استعمل الإنكليز كلمةjurisprudence   واستعمل الفرنسيون كلمة Driot للدلالة على القانون بوجهه العام وللدلالة على القوانين التي تصدرها السلطة التشريعية )).

 لذلك نرى ان كلمة قانون ليست من مشتقات اللغة العربية ولم تكن ذات استعمال في كل اللغات الأخرى، وإنما اعتقد بها العرب واستعملوها. وأصبحت وسيلة المتمردين على الواقع وجعلوها رديف الديمقراطية من اجل الرفاهية مثلما اعتبرتها الأنظمة الحاكمة الوسيلة لتعزيز الديمقراطية التي يعتقدون بها و يظنون إنهم رعاتها وقادتها.

كما ان القانون اخذ أوصاف متعددة وأشكال متباينة من منظومة قانونية إلى أخرى لكن المشترك بينهم هو قوة الإلزام التي يتمتع بها، وكل قاعدة حتى تكون قانونية وتشكل مع مثيلاتها قانون، يجب ان تقترن بالإلزام الذي يترتب على مخالفته العقاب بالإضافة إلى ان القانون الذي يجب ان يطبق ويخضع له جميع الأفراد في الدولة، ان يحتوي على ثلاثة عناصر أو أركان وكما يلي:ـ

1.      الركن الأول القاعدة القانونية: التي تواتر العمل بها وتتصف بالعمومية.

2.      والركن الثاني ان ينظم العلاقة بين الأفراد بعضهم مع البعض أو بين الأفراد والمؤسسات أو بين الدول وما يماثل ذلك.

3.      الركن الثالث وهو الإلزام الذي يتبعه المواطن ويلتزم بالقانون سواء طوعاً أو كراهية.

ومن خلال ما تقدم والذي كان لابد من ذكره لتوضيح مفهوم القانون وان كان بشكل مبسط ومقتضب جداً نرى ان القانون هو الوسيلة التي تخضع المواطن للأوامر التي يتضمنها النص والذي عادة ما يعبر عن وجهة نظر من شرعه ووضعه، وهنا لابد من الإشارة إلى  ان الموضوع يتعلق بالقوانين الوضعية التي هي من وضع البشر حصراً ولا علاقة لنا بسواها من القواعد، لذا فان مجرد صدور القانون من قبل السلطة القابضة على مقادير الحكم يكون ملزم وواجب التطبيق من قبل أجهزة السلطة وواجب التنفيذ من قبل المواطن، بغض النظر عن كون هذه السلطة التي أصدرته مكتسبة الشرعية الدستورية أو مفوضة من قبل الشعب أم إنها استولت على الحكم بواسطة قوة السلاح والأساليب البوليسية، وكل من يخالف هذه الأحكام يصبح مجرم ويستحق العقاب فيما يتعلق بالقوانين الجزائية.

وحيث ان بعض الأنظمة الحاكمة تسلمت السلطة والحكم تحت قوة السلاح ورغم انف الشعوب المغلوبة على أمرها فان ما تصدره من أوامر وتشريعات يمثل قانون ملزم بغض النظر عن الهدف الذي يسعى إليه القانون سواء كان ينسجم مع مطلب الشعب أو لا ينسجم، لذلك فان هذه الأنظمة حينما تسعى إلى ترسيخ قواعد سلطتها تتبع شتى الوسائل ومنها فرض القوانين الجائرة بحق الشعب وتخلق أفعال جرمية تحد من حرية المواطن وتضع العقوبات على ابسط الأفعال التي تعتقد بكونها تهدد سلطتها وتعمل بشكل مستمر وحثيث على جعل المواطن في محل الاتهام وخلق مجرمين وهميين دون ان يرتكبوا أي جريمة من اجل خلق مواطن مهزوز خاضعة للمسائلة القانونية ومركزه القانوني ضعيف لا يقوى على الصمود أمام مشيئة أي رجل من ازلام السلطة، وهذا ما يجعل من القانون وسيلة مقيدة للحرية بدلاً من ان تكون وسيلة ترتقي بالمجتمع إلى مصافي الرقي والتقدم والحضارة.

كما ان بعض الدول تتمسك بأهداب القانون من اجل ان توصف بالديمقراطية وهذا لا أراه متوفر في الأنظمة الدكتاتورية الانفرادية الشمولية فإنها لا ترى سوى مصلحتها بغض النظر عن حق المجتمع والمواطن ولنا في القوانين التي صدرت في الحقبة الماضية من تاريخ العراق الحديث وخصوصا في ظل فترة حكم النظام السابق حيث شرعت الكثير من القوانين الجائرة والتي لم يكن الهدف منها سوى الضغط على المواطن ووضع العراقيل بوجهه حتى لا يتمكن من التعبير عن وجهة نظره تجاه القضايا والأوضاع السائدة في حينه، ولم تقتصر هذه القوانين على فئة دون أخرى بل طالت هذه القوانين جميع مناحي الحياة ومنها قضايا الأحوال الشخصية للأفراد والقطاع الاقتصادي والتربوي وغير ذلك، لذا فان القضاء على الدكتاتورية لا يتم بزوال رموز هذه الأنظمة فحسب بل بتغيير القوانين ذات الصبغة الفردية والتي لا تعبر عن رأي أو عقيدة المجتمع بل فلسفة السلطة القابضة على الحكم في حينه ونأمل ان يلتفت الجميع بما فيهم مؤسسات المجتمع المدني إلى هذا الأمر والعمل على تغيير السائد منها ومنع القادم من ان ينحى ذات المنحى الدكتاتوري لان الدكتاتورية تكون أحيانا فردية وأخرى فئوية تمثل رأي أقلية مسلطة على رقاب الأكثرية.

[email protected] 

شبكة النبأ المعلوماتية-السبت  26/اب /2006 -1/شعبان/1427