|

سجن بوكا يشهد اشتبكات بين الحراس والمساجين واشتباكات طائفية بين
المساجين . هذه الشهادات تتحدث عن السجن والحياة فيه وأشكال التعذيب
النفسي التي تمارس هناك .
من بعيد تكاد الأضواء الساطعة لسجن بوكا تنير مدينة أم قصر التي
تغرق في ظلام دامس بسبب الانقطاع الدائم للكهرباء ، حالها حال كل المدن
العراقية . يغرق السجن في صحراء بلا تخوم و تحيطه دوائر لا تنتهي من
الأسلاك الشائكة ويحرسه المئات من الجنود الذين فقدوا سلاسة المدن
الأمريكية ونعومتها واستسلموا لخشونة الصحراء و عواء ذئابها المتوحشة .
يقع على بعد 2 كم من مدينة أم قصر التي تقع على بعد 60 كم غرب
البصرة ،و يقول أحد المعتقلين فيه "نكاد أن نرى السفن وهي ترسي في
الميناء ونسمع أصوات أبواقها من حين لآخر ونرى أضواء مدينة صفوان
الحدودية."
سماه الأمريكان (بوكا) على اسم إطفائي أمريكي من اصل أسباني قتل
أثناء عمله في إطفاء الحرائق عند أحداث 11 أيلول 2001 .
الأديب العراقي محسن الخفاجي قضى أكثر من ثلاث سنوات في المعتقل على
طائلة قضية لها علاقة بالمجندة الأمريكية جيسيكا لينش . وهو يروي تاريخ
المعتقل من خلال معايشته الخاصة "لم يكن المعتقل في السنة الأولى من
الحرب غير خيام يحشر فيها المعتقلون حشرا . وفي شهر شباط من عام 2004
ألغيت الخيام وبدأ بناء البيوت الخشبية (الكرفانات) ، وفي العام 2005
زودت هذه الكرفانات بمكيفات هواء."
وأضاف الخفاجي "ضم المعتقل في الشهر الأول للحرب – آذار ونيسان 2003
– العسكريين العراقيين الذين اسروا أو التجأوا للأسر في ساحات المعارك
، وكذلك مدنيين جرى اعتقالهم عشوائيا في مدن الجنوب والوسط والعاصمة .
وقد اخذ العدد يتزايد يوما بعد آخر كما تزايدت التحصينات و لأسوار ."
لا يحب الأمريكان الذين يديرونه تسميته بــ(سجن) إنما يفضلون وصفه
بـ (معتقل) مبررين ذلك بان نزلاءه لم يقدموا إلى المحاكمة بعد ، ولم
يتلقوا أحكاما قطعية بإدانتهم .
سجنا سميناه أم معتقل يضم السجن حاليا كما يقول ( ا.ل ) ، وهو أحد
الضباط العراقيين العاملين فيه ، أكثر من 10000 معتقل من جميع أنحاء
العراق . لكن الضابط الإصلاحي( ق س) صحح الرقم في حديث لـ( أصوات
العراق) فقال " يضم السجن حوالي 12000 معتقل يتوزعون على 15 كمبا "
ووصف الكمب "عبارة عن كرفان خشبي محاط بأسلاك شائكة ، وفي كل كمب
مجموعة أماكن للاحتجاز تترواح بين تسعة كرفانات إلى 14 كرفانا ،يسكن في
كل واحد منها من 30 إلى 35 معتقلا ،و يحاط كل كمب بسور من الأسلاك
الشائكة بالإضافة إلى حاجز فيكون المجموع ثلاثة حواجز تحيط بكل كمب"
من الداخل يصفه ( ا.ل ) بأنه يتكون من 15 كمبا .
يتوسع السجن مع تدفق المساجين ، فهناك كمبان قيد الإنشاء كما يقول
(ال ) وتشير الأنباء الى ان "خمسة كمبات أخرى ستبنى ليكونالعدد22افي
المستقبل ."
يمتد كل كمب على مساحة تقارب الـ 2000 متر مربع ،ويقسم الكمب الواحد
في الأغلب إلى أربع قاعات كبيرة ، وبدورها تقسم كل قاعة إلى ردهات .
يسكن الكمب الواحد من 700 إلى 1000 معتقل .
( ا.ل ) يقول بان الكمبات "مقسمة حسب الانتماء الطائفي والفكري ،حيث
ان نزلاء الكمبين التاسع والسادس هم من الشيعة ، وتحديدا من جماعة جيش
المهدي اللذين القي القبض عليهم في بغداد ومحافظات أخرى "ويضيف "أما
باقي الكمبات فنزلاؤها ، حسب (ل م)"من التكفيريين والوهابيين
والصداميين والسنة عموما "
يؤكد ضابط الإصلاح ( ق س) هذا التقسيم المذهبي ويضيف "هناك أيضا بعض
الأكراد ، كما إن هناك كمبات خاصة بالمعتقلين العرب من مصريين
وسودانيين وليبيين "
ويقول (ال) لكن الكثير من السنة لا يرغبون بالمكوث في كمبات
التكفيريين لأنهم "يحرمون حتى قراءة الصحف ويعتبرونها كفرا ومروقا ، و
يميلون إلى العنف المفرط حد قتل من يختلفون معهم بالرأي حتى لو كانوا
من ذات المذهب ، لذلك يختار بعض السنة السكن في كمبات الشيعة وبالعكس."
ويشدد ( ق س)"قائلا "هناك كمبات تجمع بين السنة وجيش المهدي وتعتبر
هذه من اهدأ الكمبات. "
يبعد كل كمب عن الآخر مسافة 100 متر ، و تحيط كل كمب أسلاك شائكة
تمنع اتصال نزلاء هذه الكمبات ببعضهم تحاشيا للصدامات في ما بينهم أو
بينهم وبين الحراس .
مع ذلك لم تمنع هذه الأسلاك من حدوث مواجهات من هذا النوع . فقد شهد
السجن الكثير من المواجهات بين المساجين ، وبينهم وبين الحراس.وأكد
(ال) بان الكثير من المواجهات حدثت بين التكفيريين والشيعة وبين
التكفيريين والسنة أيضا.
آخر هذه المواجهات المسلحة اندلعت بين السجناء وحراس السجن
الأمريكان . ووصف ( ال ) هذه الأحداث " أطلق حراس السجن الرصاص
البلاستيكي على السجناء بعد حالة هياج عمت بعض أجزاء المعتقل مما تسبب
بإصابة 27 سجينا بجراح ثلاثة منهم جراحهم خطيرة حيث كانت إصاباتهم
بالرقبة والرأس ،وهم الآن في المستشفى ." وأحال (ال ) سبب هذه
المواجهات الى " منع السكائر والشاي على النزلاء والقيام بإزعاجات
ليلية والعبث بحاجات وإغراض السجناء من قبل حراس السجن ."
عن الخدمات التي تقدم داخل السجن قال ( ا.ل ) ان "الخدمات جيدة ،حيث
ان احد الكمبات خصص ليكون مستشفى يقدم كافة الخدمات الطبية للمحتجزين ،
وان شركة خاصة تقدم ثلاث وجبات جيدة لهم ، كما ان هناك زيارات لذوي
المعتقلين ، وهناك مدرسة لتعليم القراءة والكتابة داخل السجن."
لكنه أشار إلى ان زيارات منظمات حقوق الإنسان للسجن "خفت في الأشهر
الأخيرة. "
و زاد (ق س) " المعتقل مجهز بالتبريد المركزي ولا تقطع عنه الكهرباء
،وهناك تلفزيونات تعرض فيها مواد مختارة ومنوعات غربية وأشار إلى إن في
السجن الكثير من أصحاب الشهادات من مهندسين وأطباء. "
و لكل كمب ، كما يقول (أل) مسؤول من السجناء يسمى (جوكر) ، مهمته أن
يدير الكمب ويشرف عليه من داخله ، وينفي (ال ) أن يكون حراس السجن
يمارسون التعذيب الجسدي مع السجناء ، لكنه يستدرك "بل يلجأون إلى أنواع
مختلفة من التعذيب النفسي. "
وحول أنواع التعذيب النفسي الذي يمارس هناك يقول (ال ) " مثلا
يعاقبون بعض السجناء بالحجز أو السجن الانفرادي ، أو يقوم بعض الحراس
بإزعاجات ليلية كأجراء تفتيش أو تعداد في وقت متأخر من الليل حينما
يكون السجناء نياما ."
ولكن أسوا عقاب يتلقاه السجين "هو أن يوضع أو ينقل لكمب يضم
التكفيريين الذين يخالفونه في طقوسهم ." واستشهد (ا.ل) بحادثة المصري
الذي كان في كمب 15 المخصص للسجناء العرب واغلبهم من التكفيريين ، حيث
قاموا بخنقه ،وبعد ان فقد وعيه قاموا بشنقه لأنه لا يتفق مع طروحاتهم
ولا يصلي مثلهم." وعن حادثة أخرى قال "أنهم أي "التكفيريون-كما وصفهم
"حاولوا قطع رقبة احد السجناء السنة بالأسلاك الشائكة "لأنه لا يفكر
على شاكلتهم ولكن حراس السجن أنقذوه في اللحظة الأخيرة ."
الأديب الخفاجي قال وهو يصف تجربته "لم يكن المكان مناسبا لمعتقل ،
فارضه رملية كما إنه مأوى للأفاعي والعقارب القاتلة ، ولا يمكن تصور
قسوة الصيف على الأخص حين تتصاعد الرطوبة في الهواء . أما في الشتاء
فتكون أيام الضباب أكثر قسوة ، إذ يحجز المعتقلون في أقفاص حديدية لحين
انقشاع الضباب الذي يتكاثر في الشهرين الأخيرين من كل عام . ويتعرض
المعتقلون إلى الأمطار والبرد والرطوبة خوفا من هربهم في الضباب ."
ويضيف "لقد تعرض المعتقلون إلى التعذيب والإيذاء الجسدي ومات ستة
معتقلين بإطلاق الرصاص عليهم من الحراس وبلغ عدد المتوفين في كل سجون
الاحتلال 28 معتقلا خلال ثلاث سنوات كما اظهرت ذلك البيانات التي
أصدرتها القوات الأمريكية."
وتابع "المعتقل كان على وشك الإغلاق في شهر نوفمبر 2003 غير إن
فضيحة سجن أبو غريب أعادت الاهتمام به . مع ذلك بقيت فضائحه بعيدة عن
الأنظار . إذ شهد موت معتقل من عمال فندق ابن الهيثم في البصرة تحت
التعذيب ، وشهد مقتل ستة معتقلين بالنيران الصديقة للحراس الامريكيين
على خلفية إهانة القران الكريم بعد ركلة من قبل جندي أمريكي مما ولد
شغبا لم تتم السيطرة عليه الا بالقتل بدم بارد ، وأصيب العديد بتشوهات
في الوجوه بسبب الإصابة برصاص بلاستيكي أو بكرات الغاز المسيل للدموع .
كما شهد اعتقال فتاة بصرية بتهمة قتل أربعة جنود بريطانيين."
"ومع ان إدارة السجن قد وفرت مكيفات الهواء والفاكهة والحليب واللحم
المطبوخ بتوابل هندية مع الذرة وأفخاذ الدجاج الأمريكية فان المعاملة
ازدادت سوءا يوما بعد يوم ." |