منذ اللحظة الأولى لبدء الأزمة الأخيرة انهالت السهام على حزب الله
واصفة إقدامه على أسر الجنديين الإسرائيليين بالمغامرة التي جرت على
العرب والمسلمين الويل والثبور وعظائم الأمور!.
ورغم أن المغامرات الوهمية بأدبها وقلة أدبها قد حلت محل أدب
البطولات لتصبح مكونا أساسيا من مكونات حياتنا الثقافية بدءا من
مغامرات جاليفر وسمير وسندباد ومغامرات رشدي أباظة العاطفية فضلا عن
مغامرات سيلفستر ستالوني التي تنتهي دوما بانتصار البطل الأمريكي
وخروجه من قلب النار سليما معافى وبه بعض الخدوش لزوم الواقعية بعد أن
جندل الإرهابيين الأشرار وقام بتحرير الرهائن الأمريكيين والإسرائيليين
الأطهار.
المعنى أن البعض يعشق المغامرات الوهمية ويرى في (أبطالها) رمزا
للقوة الجنسية والجسدية في حين يرفض هؤلاء المغامرة الأخلاقية ويرفضون
مبدأ التضحية بالذات والملذات ولا يمانعون في التضحية بالآخرين ولو
كانوا من بني جلدتهم لتبقى السلطة كل السلطة والثروة كل الثروة لتلك
الحفنة من البشر من أكلة الستيك البقري والجريل المشوي في واشنطن أثناء
استمتاعهم برؤية الآنسة كوندي على نغمات صراخ من يفترض أنهم إخوانهم في
الدين والعقيدة!!.
مغامرات ومغامرات
المغامرات اللاأخلاقية الفاشلة إذن هي جزء أصيل من حياتنا السياسية
فالذين أرسلوا رسالة دعم وتأييد سرية لأولمرت أقدموا على مغامرة لأنهم
يخشون من افتضاح أمرهم!! أما عن مغامرات هؤلاء الليلية والمالية فحدث
ولا حرج!!.
المغامرون اللاأخلاقيون الفاشلون هم أولئك الذين راهنوا على انتصار
إسرائيل على حزب الله (الشيعي الموالي لإيران) أو على مكاسبهم الرخيصة
التي سيحصلون عليها مقابل تقديمهم التسهيلات للطائرات الأمريكية التي
ستقوم بقصف إيران (لنزع سلاحها النووي) والفارق بين مغامرات هؤلاء
و(مغامرات) حزب الله كالفارق بين مغامرات الضباع الذين يعتاشون دوما
على بقايا الفريسة الأمريكية الإسرائيلية ومغامرات الأسود الذين
يواجهون أعداءهم بشرف وكرامة ويقبلون مصيرهم الذي اختاروه وأعلنوه بدلا
من أساليب التخفي واللعب على الحبلين!!.
المغامرون الاستشهاديون يضحون في سبيل الله الذي اشترى منهم (أنفسهم
وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويُقتلون وعدا
عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن اوفى بعهده من الله) ومن ثم
فهم ليسوا مغفلين بل أناس واثقون بوعد الله ومن أوفى بعهده من
الله؟؟!!.
كان وما زال في هذا العالم من يضحون من أجل كرامة أمتهم واعين
لكلمات الإمام علي بن أبي طالب (قَدِ اسْتَطْعَمُوكُمُ الْقِتَالَ
فَأَقِرُّوا عَلَى مَذَلَّة وَتَأْخِيرِ مَحَلَّة أَوْ رَوُّوا
السُّيُوفَ مِنَ الدِّمَاءِ تَرْوَوْا مِنَ الْمَاءِ، فَالمَوْتُ في
حَيَاتِكُمْ مَقْهُورِينَ، وَالْحَيَاةُ في مَوْتِكُمْ قَاهِرِينَ).
الذين أحرجهم وأزعجهم اشتعال جذوة الجهاد الواعي في سبيل الله ليزيح
من فوق صدر الأمة كابوس الجهاد التدميري الانتحاري ما فتئوا يبحثون عن
مثالب وأخطاء لهؤلاء المجاهدين المضحين ولو اقتضى الأمر السخرية من
السيد حسن نصر الله والتساؤل عن سبب اختفائه ولماذا لا يعلن عن مكانه
حتى يتمكن الصهاينة من قصفه وكان من الأولى بهم أن يسألوا من أرسلوا
رسائلهم السرية للسيد أولمرت عن سبب افتقادهم للشجاعة والجرأة لإعلان
مواقفهم الحقيقية ولماذا لم يقم أي منهم بنفي تأييدهم للهمجية البربرية
الإسرائيلية التي لا يكف هذا الأولمرت عن إعلانها بالنيابة عنهم؟!.
هل هذه هي الرجولة والكرامة أم أنها أخلاق الضباع العربية الأصيلة
ولا فخر؟؟!!.
الجهاد ضد حزب الله
لقد كشفت إشادات السيد أولمرت المتواصلة بالدعم (العربي) الممنوح له
في حربه على لبنان عن الوجه الحقيقي للمعركة التي يزعم هؤلاء أن حزب
الله هو الذي افتعلها بأسر الجنديين خاصة كما أن هذا الدعم والتنسيق لا
يمكن له أن يحدث في تلك السويعات الفاصلة بين عملية الأسر وبدء الهجوم
الصهيوني بل هو ثمرة (حوار استراتيجي) (باستيك بقري ومن دون استيك) كما
كشفت أن دموع التماسيح التي يذرفها القوم على الخراب الذي لحق بلبنان
والدماء التي سالت كانت جزءا من الثمن (الأخلاقي) الذي رحب هؤلاء بدفعه
من دماء اللبنانيين وليس من دمائهم بكل تأكيد ولو أنه أدلى بتصريحاته
هذه منذ البدء لوفر علينا الجهد المبذول في نفي الأجندة الإيرانية التي
روج لها مرتزقة الإعلام العربي منذ بدء الهجوم البربري الإسرائيلي على
لبنان!!.
إنها إذا معركة أخلاقية تدور رحاها بين أولئك الذين يرغبون في محو
قيم الإسلام السامية والرفيعة وأولها قيمة التضحية والاستشهاد في سبيل
الله لتحل محلها منظومة القيم الانتهازية البراجماتية التي لا تقيم
وزنا إلا لمصالحها الذاتية والتي لا تبالي بالتضحية بدماء وثروات
الشعوب العربية والإسلامية من أجل تحقيق أهداف لم تعد خافية على أحد.
ليبرالية حسن نصر الله
من بين العجائب التي أظهرتها هذه الحرب هو ذلك الهجوم الذي اصطف فيه
بعض الليبراليين مع إخوانهم الوهابيين على المقاومة الإسلامية!!.
أما الوهابيون فأمرهم مفهوم وأما هؤلاء الليبراليين فلا بد لنا من
وقفة معهم.
الليبرالية تعني من بين ما تعني الحرية الاقتصادية والفكرية
والدينية ومن ثم فهي معنية بالتعايش بين المذاهب والأديان.
الليبرالية لا تعني التخلي عن الدين أو المذهب بل تعني الحوار
والتعايش بين الأديان والمذاهب وبينها وبين من لا يؤمنون بالأديان ولا
بالمذاهب.
من هنا فالليبرالية لا ينبغي أن تقع في فخ التناقض مع الدين ومن ثم
التناقض مع مبدأ حرية الإيمان.
الديمقراطية اللبنانية قامت على التعايش بين الأديان والمذاهب وهي
أقدم ديموقراطيات المنطقة وليس هناك ما يشير إلى أن المقاومة الإسلامية
سعت لإلغاء الآخرين والقضاء على وجودهم والدليل على ذلك هو استطلاع
الرأي الذي أجراه معهد لبناني مستقل ونقلته صحيفة الكريستيان ساينس
مونيتور يوم 28-7-2006 والذي أظهر أن 80% من مسيحيي لبنان و80% من
الدروز و89% من سنة لبنان يؤيدون حزب الله.
الحقيقة الأخرى التي يتعين الانتباه إليها هي أن الحرية لا تتجزأ
كما أن الحرية لا توهب بل تنتزع انتزاعا:
وللحرية الحمراء باب * بكل يد مضرجة يدق
ليست هناك حرية ولا ليبرالية في بلدان ترتهن إرادتها بإرادة القوى
الكبرى ويحكمها سفراء الدول الغربية كما أن أحدا لا يمكنه أن يزعم
امتلاك الحرية في شرق أوسط كبير يهيمن عليه الكيان الصهيوني.
الأهم من هذا أن الحرية وحدها لا تكفي من دون عدالة أو ضمانة تحمي
حقوق الفقراء والضعفاء وإلا أصبحت المسألة برمتها ليبرالية نخبوية
يستمتع بها قلة متنفذة ومتنقلة بين السفارات ومراكز الأبحاث الغربية
وأخرى تقبض على زمام السلطة والثروة وتمارس التسلط والاحتكار ولا بأس
بعد ذلك بديكور ديموقراطي شكلي ينفس من خلاله المستضعفون عن مشاعر
القهر والظلم المكبوتة في نفوسهم.
هذه هي الأجندة التي حاولت الولايات المتحدة الأمريكية أن تنفذها في
لبنان خلال الفترة الماضية بالتعاون مع حلفائها العرب وعندما لم تنضج
الطبخة الأمريكية عبر الوسائل السلمية لجأ القوم إلى القوة الحربية
لتنفذ بالقوة ما عجزت عن تنفيذه بوسائل المكر والدهاء.
والشيء المؤكد أن ما يجري في لبنان يرتبط بذلك الصراع الذي تشنه تلك
القوى لإبقاء أهل القاع في القاع وأهل القمة في القمة.
وإن غدا لناظره لقريب |