ما هي فكرة المجتمع المدني؟

المحامي جميل عودة

 دخلت عبارة (المجتمع المدني) قاموس العبارات الايجابية، كالديمقراطية والحرية والتعددية منذ التسعينيات من القرن المنصرم، وأضحى لها حيز واسع النطاق من رعاية الاجتماعيين والسياسيين ورجال القانون.

 ورُغم ذلك فان لفظة المجتمع المدني مازالت -كغيرها من الألفاظ المحببة إلى النفوس- لفظة غامضة لا يفهمها حتى أولئك الذين كرسوا حياتهم لنصرة مؤسسات المجتمع المدني!.

   عبارات شائعة كثيرة مثل(أنصار المجتمع المدني) و( نحن مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني) و(وزارة الدولة لشؤون المجتمع المدني) و(أن المجتمع المدني بات طرفا مهما في مجال التنمية في جميع أنحاء العالم).... الخ.

  فماذا يقصدون من عبارة (المجتمع المدني)؟ وهل هناك مجتمع مدني وآخر مجتمع غير مدني؟ وما هي المعايير التي تفصل بين المجتمعين؟ لماذا تلقى فكرة المجتمع المدني هذا الرواج الشعبي؟ لماذا يتفاخر المثقفون والمهنيون بكثيرة المنظمات والنقابات والهيئات والنوادي التي ينتمون إليها؟ لماذا أضحت كثرة منظمات المجتمع المدني مؤشر على مدنية السكان وتحضرها؟.

 من جهة ثانية تواجه فكرة المجتمع المدني بتحفظ من قبل الكثير من الناس الطيبين، وذلك لارتباط هذه الفكرة ببعض المؤسسات غير المقبولة اجتماعيا، ليس هذا فقط بل أنها تثير أيضا شكا معقولا بنوايا زعمائها وأنصارها؛ فكل جانب يريد أن يستخدمها لخدمة أغراضه الخاصة.... الحقيقة أن الجدل الدائر حول مفهوم المجتمع المدني هو جدل واقعي، وليس زوبعة في فنجان.

   واضح أنه ليس في المسألة وفاق، فهناك من يعتقد أن مفهوم المجتمع المدني، ينطبق على المجتمع الذي يعامل أفراده بعضهم البعض باللطف والاحترام، ويتجنبون سوء المعاملة، ويمثله نظام من المؤسسات الجيدة التي لا يمكن لأحد أن يقف ضدها مثل المنظمات غير الحكومية، والمؤسسات الدينية كالكنائس والجوامع والحسينيات، ومثل النقابات والإتحادات والجمعيات.... ومفهومه أن المجتمع الذي يعامل أفراده بعضهم البعض بالكراهية والبغض وسوء الخُلق .... هو ليس مجتمعا مدنيا والمؤسسات والمنظمات التي تغذي الفرقة العنصرية والقومية والدينية والمذهبية هي ليست مؤسسات مجتمع مدني.

   بينما يعبر آخرون عن مفهوم المجتمع المدني بأنه هو  المجتمع الذي تنتشر فيه الجماعات المتطوعة التي تجوب البلاد لتقدم خدماتها مجانا دون مقابل مثل وجود مؤسسات رعاية الأيتام، أو مؤسسات التزوج، أو مؤسسات تخفيف أعداد الفقراء ...الخ. ومفهومه أن المجتمع الذي يخلو من الجماعات المتطوعة هو ليس مجتمع مدني. فكثرة المؤسسات التي تقدم الخدمات والمساعدات في مجتمع ما مقابل ثمن تأخذه من المنتفعين لا يحول ذلك المجتمع إلى مجتمع مدني. 

 وهناك من يشبع المنظمات غير الحكومية بحثا واستدلالا باعتبارها هي المجتمع المدني ذاته، وبالتالي فان المجتمع الذي تكثر فيه المنظمات غير الحكومية هو مجتمع مدني، والمجتمع الذي تقل أو تنعدم به  المنظمات غير الحكومية هو ليس مجتمعا مدنيا. 

   وقد يوضع المجتمع المدني في مقابل المجتمع السياسي وهو المجتمع الذي يدور حول السلطة أو يعارضها، أو المجتمع الأهلي وهو المجتمع العائلة والعشيرة والقبيلة ...

نحن أيضا ممن لا يدرك كنة المجتمع المدني بعد! وقد سألنا أنفسنا مرارا، ماذا نقصد بالمجتمع المدني الذي نكتب له ومن اجله، ونكرس جهولا تكاد أن تكون استثنائية في سبيل إحيائه؟

   إن المجتمع المدني في تصوراتنا هو ذلك المجتمع الإنساني المتعاون في سبيل لله  بهدف تشجيع انتشار القيم والمبادئ الايجابية. أو هو المجتمع الإنساني العامل لوجه الله تعالى.  فالمجتمع المدني في حقيقته هو مجتمع المبادئ والقيم وفضائل والأخلاق  التي تستدعيها الطبيعة الخيرة في الإنسان وتزداد إلحاحا عليه كلما انتشرت الرذائل والقيم السلبية، وتمثله أفراد وجماعات منتظمة تأخذ شكل المؤسسات والمنظمات والنقابات والجوامع والحسينيات والهيئات والكناس، والجمعيات الخيرية..الخ. وبالتالي فان نظرتنا لمفهوم للمجتمع المدني تفوق نظرة أولئك الذين يحصرونه في المنظمات غير الحكومية تميزا له عن المؤسسات الحكومية، أو عن مؤسسات السوق، فيما إذا توافر شرط (العمل في سبيل الله) أو (العمل قربة لله) أي العمل بلا مصلحة أو منفعة.

   والنتائج المترتبة على فهمنا لمفهوم المجتمع المدني أننا نخرج المنظمات الوهمية والنفعية والمصلحية ولا ندخلها في مفهوم المجتمع المدني الذي نتبناه، رغم أنها تندرج ضمن مفرداته، وتعمل تحت غطائه، بينما ندخل مؤسسات الدولة الخيرية، وجمعيات القطاع الخاص الخيرية إلى بيت المجتمع المدني لتوفر شرط العمل في سبيل الله، وهو تعبير نقصد به العمل من أجل لا مصلحة ومن أجل لا منفعة.

[email protected] 

شبكة النبأ المعلوماتية-الاحد   16/تموز /2006 -18  /جمادي الاخرى/1427