المقابر الجماعية ادلة حاسمة في محاكمات صدام القادمة

 

كشف خبراء في الطب الشرعي النقاب عن بطاقات هوية كانت بجوار ضحايا مزعومين لصدام حسين في قبور جماعية يأمل ممثلو الادعاء العراقيون في أن تقدم أدلة دامغة في محاكمته بتهمة ارتكاب إبادة جماعية ضد الاكراد.

وبينما تقترب محاكمة صدام الحالية بتهمة ارتكاب جرائم ضد الانسانية فيما يتعلق بقتل 148 شيعيا في بلدة الدجيل من نهايتها يقول خبراء تحدثوا إلى الصحفيين عند مختبر للطب الشرعي قرب بغداد إنهم سيقدمون أدلة حاسمة في القضايا التي تنظر في المستقبل.

وقال ممثلون للادعاء يوم الثلاثاء إن صدام سيواجه محاكمة ثانية في اتهامات بارتكاب ابادة جماعية ضد الاكراد في 21 أغسطس آب. وهو متهم باصدار الامر بقتل عشرات ألوف الاكراد في عام 1988 في حملة الانفال.

وانتهى الامر بهم في قبور جماعية كشف النقاب عنها خبراء أمريكيون مثل مايكل "سوني" تريمبل وهو خبير في الادلة الجنائية من ميزوري يعمل مع سلاح المهندسين بالجيش.

وكشف هو وخبراء آخرون النقاب عن مواقع ستة مقابر جماعية كبيرة.

وقال تريمبل "ما تم اكتشافه هو أن الكثير من هؤلاء الافراد كانت لديهم بطاقات هوية قاموا باخفائها في جيوب سرية أو حياكتها داخل مناطق سرية وخاصة النساء. كانت لديهم فكرة إذا كانوا قادمين من الشمال إلى الجنوب حيث تم ابلاغهم بأنهم يعاد توطينهم .. لكنهم كانوا يعلمون."

وأضافوا "لذلك من ناحية القضية الجنائية فانني اعتقد اننا لدينا الكثير من المعلومات الجيدة التي سيستخدمها نظام القضاء الجنائي في العراق في وقت لاحق ليقدمها في المحكمة."

ونحو 12 في المئة من الافراد الذين عثر عليهم حتى الآن لديهم اوراق هوية. وقال تريمبل انه كان يتم عادة تجريدهم من هذه الوثائق.

ويحاكم صدام وسبعة من أعوانه في اتهامات بارتكاب جرائم ضد الانسانية فيما يتعلق بقتل 148 شيعيا في بلدة الدجيل بعد محاولة لاغتياله هناك في عام 1982.

وفي قضية الانفال سيحاول ممثلو الادعاء اثبات تورط صدام المباشر في أعمال التعذيب والاعدام بعد محاكمات مقتضبة وهجمات بالاسلحة الكيماوية وتدمير العديد من القرى الكردية.

ودفن العديد من الضحايا في قبور جماعية. واكتشف تريمبل وخبراء آخرون ان رجالا ونساء واطفالا ضربوا بالرصاص في الرأس.

وأحد هذه القبور عمقه 3.5 متر وعثر فيه على مقذوفات فارغة لطلقات بنادق من طراز ايه كيه-47 على مسافة 40 إلى 50 سنتيمترا تحت سطح الارض.

وقال تريمبل "إنه أعمق قبر قمت باكتشافه في حياتي. هؤلاء الناس ما كان سيعثر عليهم مرة اخرى. كان واضحا انهم لا يريدون أحدا ان يكتشف هؤلاء الناس."

وقال مايكل فلاورز (37 عاما) وهو مسؤول امريكي يعمل مع المحكمة الخاصة التي تحاكم صدام انه توجد مواقع 180 إلى 222 مقبرة في انحاء العراق وتتراوح التقديرات لعدد الضحايا بين 100 ألف و300 ألف لكن بعض هذه المقابر فقط يمكن الوصول اليها.

وقال "المسألة هي هل يمكننا ربط هذا الموقع بحدث معين." واضاف "كثير من هذه المواقع تعرضت للعبث."

وقال جعفر الموسوي كبير ممثلي الادعاء ان علي حسن المجيد ابن عم صدام حسين والملقب بعلي الكيماوي بسبب الهجمات التي شنها بالغاز السام على الاكراد سيحاكم أيضا بتهمة ارتكاب جريمة الابادة الجماعية.

وسيقدم سبعة متهمين اجمالا للمحاكمة فيما يتصل بحملة الانفال في شمال العراق التي اتهم صدام بقتل عشرات الالاف من الاكراد خلالها في أواخر الثمانينات.

وقال الكردي ابراهيم وادي (31 عاما) الذي احتجز مع عائلته اثناء الحملة "سنشعر بارتياح كبير عندما ينفذ حكم الاعدام في صدام والمتهمين معه."

ويواجه صدام بالفعل احتمال الحكم عليه بالاعدام في محاكمته الحالية بتهمة ارتكاب جرائم ضد الانسانية فيما يتعلق بقتل 148 شيعيا في بلدة الدجيل بعد محاولة لاغتياله هناك في عام 1982. وتقترب المحاكمة التي شابها مقتل ثلاثة من اعضاء فريق الدفاع من نهايتها غير ان من المستبعد تنفيذ أي أحكام بالاعدام قبل نظر دعاوى الاستئناف.

ومن المرجح أن تمثل الادلة الجنائية التي جمعها محققو الجيش الامريكي من قبور جماعية في انحاء العراق جزءا رئيسيا من أدلة الادعاء في قضية الانفال. ويعتقد أن عشرات الالاف دفنوا في مثل هذه القبور واستخرجت جثث العشرات من بينهم أطفال أطلق عليهم الرصاص مع أمهاتهم وتم تحديد شخصيات الضحايا.

وكانت التحقيقات انتهت في قضية الانفال التي وقعت في نهاية الثمانينات بتوجيه التهم رسميا الى الرئيس السابق وستة من معاونيه في الرابع من نيسان/ابريل الماضي بارتكاب "ابادة جماعية" في حق الاكراد.

وقال قاضي التحقيق رائد جوحي في الرابع من نيسان/ابريل "نعلن لشعبنا ولضحايا النظام السابق ان التحقيق انتهى في قضية الانفال وان الاشخاص السبعة المتهمين بالابادة الجماعية وبجرائم ضد الانسانية احيلوا الى المحاكمة". واكد النظام السابق انذاك انه يقوم باعمال لمواجهة تمرد في المنطقة.

ووفق تقديرات مختلفة قتل اكثر من مئة الف شخص ودمرت اكثر من 3 الاف قرية خلال هذه الحملة التي ادت كذلك الى تهجير جماعي للسكان الاكراد.

وكان الاكراد في شمال العراق تعرضوا لهجمات عديدة بين العامين 1987 و1989 بينها خصوصا هجوم بالغازات السامة على بلدة حلبجة الكردية العام 1988 اسفر عن مقتل اكثر من خمسة الاف شخص.

لكن حالة حلبجة لم ترد في قرار الاتهام الذي اعلنه القاضي جوحي. وفي العام 1986 كانت قطاعات واسعة من اقليم كردستان الشمالي تتمتع واقعيا بالحكم الذاتي بعد ان تخلصت من سيطرة الحكومة المركزية التي كانت تتعرض انذاك لضغوط قوية بسبب الحرب مع ايران (1980-1988).

وفي مطلع العام 1987 كلف صدام حسين ابن عمه على حسن المجيد المعروف ب "علي الكيميائي" باعادة الاقليم تحت سيطرة الحكومة. وقام هذا الاخير بفرض "مناطق محظورة" في المنطقة واعتبر كل سكانها من المتمردين. ونقل اهالي القرى الى مناطق يمكن لبغداد السيطرة عليها بسهولة في حين تعرضت "المناطق المحظورة" للقصف ثم تم اجتياحها.

وتقول منظمة "هيومن رايتس ووتش" لحقوق الانسان ان هذه الحملات لم تكن تستهدف القضاء على تمرد بل القضاء على الشعب الكردي.

ويعد على حسن المجيد من المتهمين الرئيسيين في هذه القضية ووجهت اليه اتهامات عدة من بينها استخدام الغازات السامة والاعدامات الجماعية واقامة مراكز اعتقال لاخضاع الاكراد. اما المتهمون الخمسة الاخرون فهم مسؤولون سابقون في حزب البعث ووزير صناعة سابق.

وجاء الاعلان عن بدء قضية الانفال قبل انتهاء محاكمة صدام حسين في قضية قرية الدجيل الشيعية. واوشكت هذه المحاكمة على الانتهاء بعد ان ترافع الادعاء في التاسع عشر من الشهر الجاري وطالب بالاعدام للرئيس السابق ورئيس المخابرات في عهده برزان التكريتي ونائبه طه ياسين رمضان.

وفي العاشر من تموز/يوليو المقبل ستستمع المحكمة الى المرافعة النهائية للدفاع قبل ان تعلق جلساتها لمدة ستين يوما وفق مسؤول اميركي مقرب من الملف توقع ان يصدر الحكم في منتصف ايلول/سبتمبر.

ومن غير المرجح في حال صدور حكم باعدام صدام ان ينفذ اذ يريد الاكراد ان تنتهي محاكمته اولا في قضية الانفال كما يرغب الشيعة في ان يحال للمحاكمة لقمعه انتفاضتهم في الجنوب في العام 1991 بعد الحرب التي ادت الى اخراج قوات صدام حسين من الكويت.

من جهة اخرى قالت صحيفة نيويورك تايمز يوم الاحد ان الرئيس العراقي السابق صدام حسين متأكد من أن محاكمته على ارتكاب جرائم ضد الانسانية ستؤدي الى عقوبة الاعدام ولكنه يتشبث بأمل أن تستغل واشنطن الحكم كورقة للاستعانة بمساعدته في الحد من أعمال العنف بالعراق.

وقال خليل الدليمي رئيس فريق الدفاع عن صدام للصحيفة في مقابلة أجريت في الاسبوع الماضي في العاصمة الاردنية عمان ان صدام "يعلم أن الحكم صدر من واشنطن وأنه لو كانت هناك عقوبة أكبر من عقوبة الاعدام لكانت ستصدر عليه."

وأضاف أن صدام يتمسك بالامل معتقدا أن وسيلة الانقاذ هي أن يكون الملاذ الاخير للولايات المتحدة "سيطرقون بابه... ستستغل الولايات المتحدة هذا الحكم للضغط على صدام لانقاذها من ورطتها."

وقال الدليمي للصحيفة ان الامر بلغ بصدام الى حد الاعتقاد بأن الولايات المتحدة ربما تعيده رئيسا للعراق.

ومضى يقول ان مما يعزز أيضا هذا الاعتقاد في نفس صدام تدهور العلاقات الامريكية مع ايران. وقال "النفوذ الايراني خطر على المصالح الامريكية... الشخص الوحيد الذي يقف في وجه ايران عدوة أمريكا هو صدام حسين."

وقال المحامي ان الرئيس العراقي المخلوع يمضي وقته في زنزانته في تلاوة القران وكتابة الشعر. وقال للصحيفة انه تولى هذه القضية من منطلق رغبته في الدفاع عن الحاكم الشرعي للعراق وكشف زيف الاحتلال الامريكي.

وذكر الدليمي أن جزءا من الدفاع عن صدام سيتمثل في أن نحو ثلث الشيعة الذين يحاكم بتهمة قتلهم وعددهم 148 شيعيا اما قتلوا في ملابسات أخرى أو أن "الضحايا" لم يموتوا أصلا. وأضاف أن أوامر الاعدام الاخرى التي أصدرها صدام جاءت بما يتوافق مع القانون العراقي.

شبكة النبأ المعلوماتية-الاربعاء  28/حزيران /2006 -/جمادي الاخرى/1427