المصالحة الوطنية بين حسابات السياسيين وشروطهم.. وحلم المواطنين بالأمن

استقطب برنامج ( المصالحة الوطنية) الذي أطلقه رئيس الوزراء السيد نوري المالكي تحت قبة مجلس النواب اهتمام الشارع العراقي في مختلف المحافظات ،لكن آراء المواطنين والمسؤولين التنفيذيين والشعبيين راوحت بين من اعتبرها (طوق النجاة) الذي قد ينتشل العراق من الغوص أكثر في دماء أبنائه ،وبين التفاؤل المشروط المشوب بالحذر.

وأمام جلسة اعتيادية للبرلمان العراقي أمس ( الأحد) قال المالكي إن الهدف الرئيسي من وراء إطلاق مبادرته التصالحية هو " معالجة الآثار التي ارتكبها الإرهاب والفساد الإداري ، وتعميم روح المبادرة المخلصة للعراق التي يتساوى عندها كل العراقيين بدون تمييز."

وأضاف أن المبادرة التي جاءت في ( 24 بندا ) تتضمن " إصدار عفو عن المعتقلين الذين لم يتورطوا في جرائم وأعمال إرهابية... ،وإعادة النظر في هيئة اجتثاث البعث.. واخضاعها للقانون والقضاء لتأخذ طابعا مهنيا ودستوريا."

وقال المالكي إن مبادرته تتضمن أيضا "حل مشكلة المليشيات... ،والعمل على إعادة بناء القوات المسلحة وجعلها بعيدة عن تأثير الأحزاب والقوى السياسية."

وفي بغداد ،قال عضو مجلس النواب عن (جبهة التوافق) السيد طه اللهيبي إن المصالحة الوطنية "ستظل شعارا أجوف بدون أي نتائج ملموسة ،ودون أي تحسن في الوضع الأمني،

إذا لم يتم تجاوز ( الخطوط الحمراء) التي وضعتها المبادرة على فئات معينة."

وشدد اللهيبي ،في تصريح لوكالة أنباء ( أصوات العراق)، على أن المصالحة " إذا ما أريد لها أن تكون حقيقية.. فأول ماتكون مع المليشيات والمسلحين ، بهدف إقناعهم بتعديل إستراتيجيتهم.. إستعدادا لتطبيع الأوضاع."

وأضاف أن " المصالحة بين أطراف متصالحة أصلا هو أمر غير ضروري.. ولا يؤدي إلى أي إنفراج على الصعيد السياسي والأمني ،لأن من تشملهم المصالحة هم متصالحون أصلا..

ولا يد لهم في الأوضاع الحالية."

في الشارع الميساني ،كان القاسم المشترك لتطلعات المسؤولين والمواطنين هو الترحيب ومعاضدة (مبادرة المصالحة الوطنية) .

ويقول محافظ ميسان المهندس عادل مهودر راضي المالكي إن خطوة المبادرة "مباركة وناجحة على كل الصعد والمستويات ، وإذا كانت هناك جهات لديها نوايا حقيقة للسلام والتفاوض.. فإن المبادرة توفر هذا الجانب."

ويتابع ".. أما إذا كانت هناك جهات لديها نوايا خبيثة ومبيتة ،فإنها ( المبادرة) ناجحة أيضا.. لأنها ستلقي الحجة عليهم ،وتسكت كل الألسن التي تروج في الإعلام أن الدولة العراقية لا تعمل للمصالحة والسلام."

وأشار المحافظ المالكي إلى أن " الجميع سيكون تحت المحك لإثبات عراقيته وحرصه وإخلاصه لبناء العراق الجديد المعافى."

وعبر رئيس مجلس قضاء ( قلعة صالح ) السيد ريسان محمد داود عن رأيه في مشروع المصالحة بقوله " إننا مع المصالحة.. لكن ليس مع البعثيين والصداميين الذين تلطخت أيديهم بدماء الأبرياء ، نحن نرحب بالمصالحة.. ونأمل أن تنجز الأهداف والآمال المرسومة في أذهان العراقيين."

ورأى المفوض العام لمؤسسات المجتمع المدني في ميسان السيد سعد جبار البطاط أن خطوة المصالحة "جاءت متأخرة نوعا ما.. وكان من المفروض أن تتخذ بعد سقوط النظام السابق مباشرة."

واستدرك قائلا " لكن الوقت مايزال طويلا أمامنا كعراقيين" ،مضيفا بأنه يطمح أن تكون المصالحة "بيننا كعراقيين.. لبناء العراق ،وليس مع ( الإرهاب) أو المجرمين الذين دمروا بنى العراق التحتية والإجتماعية والإنسانية."

وأشارت مسؤولة ( لجنة حقوق المرأة) في نقابة المعلمين بميسان كفاية عبد الحسين إلى أن المصالحة "باتت مطلبا جماهيريا.. كونها تحقق التلاحم المصيري للجميع ،لكن يجب أن تأخذ السلطات القضائية دورها في مساءلة المسيئين لأبناء العراق.. سواء في العهد السابق أو العهد الجديد."

وزادت " أملي أن تكون هذه العملية فاتحة عهد جديد للعراق وأبنائه ،وأن تسود روح التوحد والتآزر على أي معرقلات تؤخر هذا النهج المخلص من قبل الحكومة العراقية المنتخبة."

أما الفنان المسرحي كاظم هندال فيرى أن "من دخل في العملية السياسية ووصل إلى قبة البرلمان ،عليهم أن يثبتوا جدية مشاركتهم.. بتفعيل هذا البرنامج الوطني الذي إنتهجته الكثير من الدول التي مرت بظروف مشابهة لظروفنا."

وفي البصرة ،حظيت مبادرة المالكي بالتفاؤل والقبول الكامل من بعض الأحزاب والكتل السياسية ،والقبول مع بعض الملاحظات المشفوعة بالتساؤل والقلق من جانب جهات أخرى .

ويوضح عضو البرلمان ونائب الأمين العام لحزب ( الفضيلة الإسلامي) السيد جابر خليفة جابر أن الحزب "مع المبادرة التي طرحها السيد المالكي ،فنحن نسعى إلى بلورة فهم وطني شامل يخرج بالعراق من هذه المرحلة الصعبة."

لكنه تساءل عما إذا كان الشعب العراقي يحتاج إلى وثيقة للتصالح مع بعضه بعضا ،وقال لـ ( أصوات العراق) اليوم إن " كل الإطراف العراقية متفقة على المصالحة" ،مضيفا بأن

" إعتراضنا الأهم هو على عملية ( إعادة البعثيين) دون مقياس محدد.. يأخذ بنظر الاعتبار أن بعض هؤلاء لا يمكن التصالح معهم."

واستطرد جابر موضحا " نحن نقسم البعثيين إلى ثلاثة أقسام: أولا.. الذين ارتكبوا جرائم بحق العراقيين ،وهؤلاء لايمكن أن نتصالح معهم.. وتحسم أمورهم من خلال القضاء العراقي."

وتابع " القسم الثاني: هم الذين لم يرتكبوا جرائم.. لكنهم كانوا ضالعين في تنفيذ سياسة (البعث) ،وهؤلاء يحتاجون إلى تأهيل فكري.. ونعارض تسليمهم مسؤوليات في الوقت الحالي. أما القسم الثالث.. فهم البعثين البسطاء الذين انخرطوا في (حزب البعث) دون قناعة ،وهؤلاء ليسوا موضع أي إعتراض لنا."

وأضاف نائب الأمين العام لحزب ( الفضيلة) قائلا " كما كان لنا رأي مخالف في عملية إرجاع الدوائر المنحلة.. إذا كانت تعني الدوائر الأمنية والمخابراتية السابقة " ،مشيرا إلى أن "هذا الإشكال تم حله قبل إعلان المبادرة ،في اجتماع خاص لكتلة الإئتلاف."

وقالت عضو البرلمان عن (مجموعة المستقلين) في كتلة الإئتلاف الموحد السيدة هيفاء الحلفي " نحن مع المبادرة.. ونؤيد جميع ما جاء فيها ،ماعدا ما يتعلق بتعطيل (قانون إجتثاث البعث).. فنحن نسعى إلى تفعيل دور هذه اللجنة ،ولا نتفق مع بعض الكتل التي تسعى إلى حلها نهائيا.. واعتبارها جوهر المصالحة."

فيما أشار عضو البرلمان عن (جبهة التوافق) ومسؤول الحزب الإسلامي في البصرة السيد خلف العيسى إلى أن " المبادرة حظت باستحسان وموافقة كافة الكتل السياسية."

وأضاف قائلا " أنا متفاءل جدا بالمبادرة.. لسببين: أولا.. لشخصية السيد المالكي القوية ،فهو الذي طرح المبادرة.. ويسعى إلى تحقيق نجاحات لحكومته في تحقيق الوحدة الوطنية وإنهاء الأوضاع الشاذة التي يعيشها العراق."

وتابع مسؤول الحزب الإسلامي ".. والسبب الثاني: إن ( المبادرة) احتوت على جميع طموحات العراقيين في الوحدة الوطنية ،وإعادة بناء جسور الثقة فيما بينهم."

وقال العيسى " نعم.. كانت هناك بعض الإعتراضات ،لكنها بشكل عام ستفتح أبوابا للحوار البناء.. وسد جميع الثغرات" ،مشددا على أن المبادرة "ستسهم بشكل كبير في إنهاء هذا الإحتقان ( بين التيارات والكتل).. لو أخذت بحسن نية من قبل جميع الأطراف."

ولفت إلى ضرورة " أن يشارك الجميع ،من كتل سياسية والفاعلين في المجتمع العراقي..

من مرجعيات دينية وعشائر ومنظمات مجتمع مدني ،في إنجاح هذه المبادرة."

ويرى السيد طارق الإبريسم مسؤول الحزب الوطني الديمقراطي في البصرة ،وهو واحد من أقدم الأحزاب العراقية.. وله توجهات ليبرالية ،أن مبادرة المالكي "ستعزل الإرهاب.. وبعد ذلك ستمكن ( الدولة) من القضاء عليه ،كما ستنهي عمليات الإحتقان الطائفي." وأضاف "يجب أن تكون هناك ضمانات في ألا ترجع القوى التي ستدخل ضمن المصالحة لذات الخط ،وتستعمل عملية المصالحة كـ (محطة) لإلتقاط الأنفاس."

وتمنى الإبريسم أن تكون المصالحة "ضمن مشروع وطني شامل يهدف إلى بناء (حلف وطني) متين ،ولاتكون المصالحة كمرحلة عابرة لتحقيق مطامح سياسية وفئوية أو طائفية."

وفي النجف ،وصف الأمين العام لمؤسسة (شهيد الله) والقيادي البارز في التيار الصدري بالنجف السيد صاحب العامري (مبادرة المالكي) بأنها " نجاح كبير للشعب العراقي.. إذا كانت تصب في مصلحته."

وأضاف العامري في تصريح لـ ( أصوات العراق) " نحن لدينا بعض المطالب من الحكومة العراقية ، تتمثل في النقاط التالية: أولاً.. المطالبة بتفعيل قانون ( إجتثاث البعث) وعدم إلغائه ،وثانياً.. إطلاق سراح الصدريين من السجون ،فهولاء هم من المقاومة الشريفة."

وتابع " ثالثاً: الرفض بشكل قاطع رجوع قادة الحرس الوطني والمخابرات في عهد النظام المقبور ،رابعاً: محاكمة الإرهابيين والصداميين الذين تسللوا إلى الأجهزة الأمنية ،وخامساً:

عدم المصالحة مع التكفيرين والصداميين."

والشروط الثلاثة الأخرى التي وضعها العامري لقبول الصدريين المبادرة ،هي " إدانة جرائم التكفيريين ضد المهجرين.. وإعادتهم إلى مناطقهم ،سابعاً: التعجيل بمحاكمة صدام (حسين) وأعوانه ،وثامناً وأخيراً: نرفض الفيدرالية تحت هيمنة الإحتلال."

أما في محافظة الديوانية ،وبعيدا عن آراء السياسيين وحساباتهم ومناوراتهم ،فقد أعتبر مواطنون مبادرة المصالحة الوطنية بمثابة (طوق النجاة) الذي قد ينتشل العراق والعراقيين من ويلات الغوص أكثر في دماء بعضهم البعض.

وقال أحمد عبد الجبار ،صاحب مطعم "رغم أن هناك الكثير من البنود التي لم تستوف حقها من الإيضاح في المبادرة ،إلا أننا ندعو كافة قادة الأحزاب والقياديين من مختلف التوجهات إلى وضع مصالحهم الشخصية جانبا.. والعمل من أجل إنقاذ العراقيين."

واعتبر عبد الجبار المبادرة " الأمل الأخير في عودة الحياة إلى وضعها الطبيعي ،وإنهاء أعمال العنف التي طالت كافة محافظات القطر."

وتشير هدى فتاح (مديرة مدرسة) إلى أن القادة السياسيين "يتحملون اليوم مسؤولية جسيمة في الحفاظ على وحدة العراق.. وحقن دماء العراقيين الأبرياء" ،وتقول إنه " إذا كان هناك من يعتبر أن مبادرة رئيس الوزراء فيها أمور لم توضح بشكل كاف.. فإنه يستطيع ،من خلال الحوار البناء تحت قبة البرلمان ،أن يضيف ويوضح ما يشاء."

وزادت قائلة " العراقيين تابعوا باهتمام فقرات المبادرة ، ووجدوها ( بارقة الأمل) المتبقية لعودة الحياة إلى طبيعتها.. وعيونهم الآن تترقب ما سيؤول إليه الوضع من المبادرة ،وسيسجل التاريخ من أراد الحفاظ على وحدة العراق.. ومن أراد العكس."

واعتبر إدريس السعدي(مقاول) أن مبادرة المالكي "رغم إحتوائها على بنود غير واضحة ،إلا

أنها الطريق الوحيد لخلاص العراقيين من سيل الدماء التي تنزف كل يوم" ،داعيا كافة السياسين والأحزاب إلى "دعم المبادرة.. والعمل من أجل تطبيقها على أرض الواقع ،

وتجاوز الخلافات الشخصية والمصلحية من أجل وحدة العراق وإنقاذ شعبه."

شبكة النبأ المعلوماتية-الثلاثاء  27/حزيران /2006 -29  /جمادي الاول/1427