
رغم دقة هيكله، ونعومة تكوينه، وشيخوخته، كان اقتحاميا ً، مجلجل
الصوت، لا يخشى في قول الحق لومة لائم.
في الأيام الأولى التي تلت سقوط صنم صدام في بغداد، في التاسع من
نيسان ( أبريل ) العام 2003، باغت الدكتور گيلان محمود رامز، الأستاذ
السابق في جامعة بغداد، مشاهدي برامج البث المباشر من بغداد، على
قناتي " أبو ظبي " و " الجزيرة " الفضائيتين بآراء جديدة وجريئة، بشأن
صدام ونظامه وحزب البعث، كان الكثيرون ممن لم توقظ ضمائرهم بعد صدمة
السقوط، أو ممن لم يغادروا جزيرة الخوف بعد، يتحرجون من الإقتراب من
حدودها، ناهيك عن التعبير عنها بصراحة وحرية.
كان گيلان محمود رامز، الصوت السنـّي الأول، تقريبا ً، الذي يجاهر
بإدانة صدام وجرائمه، في الساعات الأولى لفجر سقوطه، ما قذف به إلى
أتـّون مماحكات ومجادلات ومعارك كلامية، مع محبي صدام من أعداء الشعب
العراقي، من أردنيين وفلسطينيين ومن سائر الشعوب الناطقة بالعربية،
بلغت حد شتمه وإهانته ومقاطعة كلامه الذهبي، دون اكتراث بكبر سنه
وتاريخه العلمي.
وربما كان هذا الرجل النبيل، أول من أخرج مذيع قناة " الجزيرة "
الفلسطيني ماهر عبد الله، الذي قتل في حادث سيارة فيما بعد، من الهيئة
المسالمة التي كان يتقمصها، إلى الهيئة الخشنة التي يشتهر بها
الفلسطينيون والأردنيون الموالون لصدام عادة ً.
لم يمض طويل ُ وقت ، حتى اختار الله المتعال گيلان محمود رامز إلى
جواره، عقب انفجار مخزن عتاد أخفته " المقاومة العراقية الشريفة " بين
بيوت العراقيين المسالمين، لكنه صوته الجهوري، الرافض لصدام، والمندد
بجرائمه وجرائم نظامه المنهار، والمحذر من خطورة مسلك الشعوب الناطقة
بالعربية إزاء الشعب العراقي و رغبته في التحرر والانعتاق من الماضي،
يتردد في دهاليز الخواطر.
ولعل ما ذكـّرني به اليوم، فضلا ً عن أهمية عدم نسيان أو تناسي
الطيبين والخيرين، حتى وإن رحلوا من بيننا بأجسامهم الذاوية، صيحته
التحذيرية التي أرى في الأفق العراقي، والبغدادي خاصة، اليوم، بوادر
تحققها. فقد كان رحمه الله يؤكد، بصيغ لغوية مختلفة، أن سبب آرائه "
الغريبة " هذه، كما كانت تبدو للناطقين بالعربية في الخارج، في الوسط
السنـّي العراقي، أن في بغداد ملايين الجماهير المهمـَّشة والمهشـَّمة،
بسبب انتمائها المذهبي، منذ ثمانين عاما ً، والتي لن يجلب الإمعان في
تهميشها وتهشيمها وإلحاق الظلم بها إلا المزيد من الدمار للجميع.
كان يقول، إذا أردتم إشعال عود ثقاب قرب برميل البارود المليوني،
في " مدينة الصدر " وحدها، فعليكم تحمل النتائج.
نبوءة گيلان محمود رامز، تبدو سريعة الاقتراب من التحقق، وحينذاك،
سيبدو من العسير على الداخل إلى الحمـّام الخروج منه ! |