حسن آل حمادة في حوار مع شبكة النبأ: الدولة الحاضنة لكل معاني الجهل هي التي تبدأ بغرس بذور العنف والإرهاب

 

* وجود مناهج تعليمية وسياسة إعلامية موجّهة، تُغذي وتُنشئ العقول على تبني هذه الخيارات الممجوجة: عقلاً، وشرعاً، وعاطفةً...

* من الخطأ أن نعمم في مجتمع من المجتمعات ثقافة الاتجاه الواحد ونكمم أفواه الآخرين، فهذا الأسلوب قد يؤدي إلى زيادة الطحالب في المجرى وبالتالي تلوث الأفكار..

 

يشهد العالم الاسلامي والعربي تطورات خطيرة لعل أبرزها موجة الارهاب غير المسبوقة والتي تحولت الى موجة تكفيرية حادة ومذابح مشرعنة وقطع للرؤوس باسم الايدولوجيا، من هنا يصبح من المهم التعرف على الكيفية التي يقرأ بها المثقفون هذه الظاهرة حيث استطلعنا رأي الاستاذ حسن آل حمادة وهو كاتب وإعلامي سعودي حول هذا الموضوع، فكان لنا هذا اللقاء معه.

 

* لماذا تلجأ بعض الجماعات العربية والإسلامية لممارسة التطرف والإرهاب؟

** قبل الإجابة على هذا السؤال، أود التذكير بأن بعض الجماعات العربية، وكذا الجماعات المحسوبة على الإسلام -لأكون أكثر دقة- نراها تمارس التطرف والإرهاب على مستويين: أحدهما تجاه الآخر/المسلم المختلف! وثانيهما تجاه الأنظمة الدكتاتورية المتسربلة بلباس الإسلام! ومع أننا نُدين ونتبرأ من هذا المنحى الاقصائي المتطرف بشكلٍ عام؛ إلاَّ أننا نتوجه بالإدانة أيضاً، وبدرجة أكبر لمن يُمارس الإرهاب مع أخيه المسلم الذي يحمل تصورات وأفكار وقناعات مغايرة.

وبإمكاننا أن نحصر الأسباب التي تدفع البعض لممارسة التطرف والإرهاب في الآتي:

        1- حالة الدكتاتورية المعيشة وما يصاحبها من قمع وكبت تتعرض له الجماعات العربية والإسلامية؛ في بلداننا المحسوبة على الإسلام؛ قولاً لا عملاً!

        2- غياب الحريات في أبسط صورها، فالمواطن العربي / المسلم الذي يعيش في بلاد الإسلام، لا يستطيع أن يعبر عن رأييه في مجمل الأمور، وكأنه خلق على هيئة ذلك القرد الشهير في الرسم الكاريكاتيري، وهو لا يرى، ولا يسمع، ولا يتكلم.

        3- حالة الحرمان التي تتمرغ في وحولها أُسر وعائلات مُعدمة؛ يغذُ من السهل تبنيها للأفكار المتطرفة. علماً بأننا نفرق في حديثنا هذا بين الحرمان الذي نُعدَّهُ عملية مقصودة تمارس تجاه مجتمعات معينة، وبين الفقر الذي قد يتكاثر نتيجة للأوضاع الاقتصادية التي تمر بها أي بلد من البلدان.

        4- وجود مناهج تعليمية وسياسة إعلامية موجّهة، تُغذي وتُنشئ العقول على تبني هذه الخيارات الممجوجة: عقلاً، وشرعاً، وعاطفةً!

5- الفهم المغلوط لمصطلح (الجهاد)، إضافةً للقراءة المبتسرة والخاطئة للنصوص الدينية وحركة الأنبياء (عليهم وعلى نبينا وآله السلام)، وقد أسهم ذلك بدوره في تأجيج المناخ المناسب للتطرف والإرهاب.

* ما هي أهم النتائج التي تتمخض عن التطرف والإرهاب؟

        ** يمكننا إيجاز أهم النتائج المتمخضة عن التطرف والإرهاب، في هذه العبارة؛ لنقول بأن النتيجة = ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ! ويكفي أن نعلم بأن من يمارس التطرف والإرهاب مع أعدائه المفترضين، سيضطر لممارسته يوماً مع أصدقائه وأعزائه المقربين.

* هل بإمكاننا احتواء حالات التطرف؟

** نتمكن من ذلك -إن شاء الله- إذا عملنا في سبيل القضاء على الأسباب التي ولّدت هذه الحالات بشكلٍ جاد وحاسم! ونحن عندما ندين أعمال العنف والتطرف والإرهاب -المنسوبة لبعض الجماعات المحسوبة على الإسلام-؛ فإننا بالمقابل نتوجه بالإدانة -أيضاً- لمن اضطر هذه الفئات للجوء لخيار التطرف والإرهاب؛ فلكل فعل ردة فعل! كما أننا نعي بأن ليس كل من حمل السلاح في وجه جلاَّده، حُسِب عنيفاً وإرهابياً!

وأتذكر بأنني قرأت لأحد الكتَّاب رأياً يعارض فيه تعليل العنف والإرهاب بوجود (مناهج تعليم)، تُعلِّم الناس هذا الانحراف، فلو ثبتت صحة هذا التعليل -يقول الكاتب- لأصيب الخريجون كافة بهذا المرض.. وقلت حينذاك: يبدو أن (الكاتب) مشتبه في هذه النتيجة غير المنطقية التي وصل إليها؛ فلو افترضنا أن مجموعة من الناس، أكلوا وبشكلٍ جماعيٍّ من طعامٍ فاسدٍ؛ فقد نجد فيهم من لا يُصاب بالأذى! والسبب بإيجاز يتمثل في وجود مناعة معينة لديهم. والأطباء أعلم منا بهذا الأمر.. والمسألة نفسها تجري على موضوع المناهج، ولكي نتمكن من احتواء حالات التطرف والإرهاب أو استئصاله جذرياً وبطريقة صحيحة، علينا أولاً أن نقرَّ بمسبباتها بجرأة وموضوعية، بعيداً عن أية مواربة، أو تبسيط!!

إذنْ، لن نتمكن من احتواء حالات التطرف والإرهاب فضلاً عن استئصالها؛ إلاّ إذا عملنا على توفير أجواء تنعم فيها مجتمعاتنا بحالات من الديمقراطية الحقيقة، التي تؤمن الحريات وتحتضن مختلف ألوان الطيف، مع توفير فرص الحياة الكريمة لجميع أبناء الوطن، ليغذُ الكل سواسية كأسنان المشط! ولن يتأتَ لنا ذلك إلاّ بعمل جادٍّ نغربل فيه مناهجنا التعليمية، ووسائل إعلامنا المتعددة من العفن والشوائب التي علقت بها من كل حدب وصوب، وإلاَّ فأمامنا الطوفان! 

* العنف والإرهاب.. من يغرس بذورهما برأيك ؟

        ** لا يخفى أن الدولة -الحاضنة لكل معاني الجهل!- وفي الكثير من الأحيان هي التي تبدأ بغرس بذور العنف والإرهاب، لذا نراها أول من يتغذى من هذه الثمار... ففي ظل استبدادها بالسلطة، واتباعها لسياسة الإقصاء، وانشغالها بإلغاء الآخر؛ فإنها تهيأ الأجواء لتراكم السحب السوداء المليئة بالفساد، الذي من شأنه أن يهلك الحرث والنسل! وبطبيعة الحال، فإن لم تصغِ الحكومات لمطالب شعوبها المقهورة؛ فإن ولوجها في طريق السلم سيصبح أمراً متعسراً بعيد النوال.

* كيف ننجح العملية الديمقراطية في بلداننا؟

        ** لنجاح العملية الديمقراطية ينبغي أن ننشر ثقافة الديمقراطية أولاً وثانياً وثالثاً وأخيراً، ومن تجلياتها: السماح للأصوات المتعددة أن تتحدث بكل حرية دون خوف أو وجلٍ من أحد؛ ففي الكثير من بلداننا العربية والإسلامية توجد حالة من التعددية المذهبية والفكرية والسياسية، فلا ينبغي أن يفسح المجال في بلد من البلدان لاتجاه دون آخر، أو لجماعة دون أخرى، فإن ذلك من أسباب الجمود والتخلف، وهما حضنان دافئان لتفقيس (صيصان) العنف والتطرف! فمن الخطأ أن نعمم في مجتمع من المجتمعات ثقافة الاتجاه الواحد ونكمم أفواه الآخرين، فهذا الأسلوب قد يؤدي إلى زيادة الطحالب في المجرى وبالتالي تلوث الأفكار التي نتجرعها، والتي ربما تتسبب في هلاكنا ببطء.

شبكة النبأ المعلوماتية-الاربعاء   21/حزيران /2006 -23  /جمادي الاول/1427