افتراضات ايجابية وواقع مفروض ينتظر التغيير

المحامي طالب الوحيلي 

 على فرض ان العملية السياسية قد قطعت اشواطاً مهمة باتجاه بناء الدولة العراقية الجديدة على انقاض واقع استبدادي دموي يعتمد ايديولوجيا التهميش واقصاء الآخر.

 وقد بدأت ملامح استيعاب الواقع الجديد من قبل القوى المضادة لتطلعات الشعب في الخلاص من تبعات الماضي، تتبلور عبر التواصل الوطني للقوى المتصدية للعملية المعقدة في كسر طواقم الاحتراب الطائفي السياسي السايكولوجي الذي احاط بواقع ما بعد الانعتاق من تقاليد الانماط التي سادت الحياة العراقية، حيث تمكنت تلك القوى بسعيها الحثيث من فتح ابواب الحوار مع كيانات تبنت مسؤولية تمثيل القواعد الشعبية لطائفة معينة، وجدت نفسها امام خصوم وهميين صورهم اعداء الشعب العراقي بصور شتى الغرض منها خلق انفصام اثني وسياسي وارغامهم على ان يكونوا الفئة المضطهدة او المهمشة ما دامت تعيش على ذهنية ماض استبدادي حكم البلاد بالحديد والنار فترك جراح غائرة في النفوس اثر البحث عن الجلادين الحقيقيين الذين نفذوا تلك الحروب الابادية والمقابر الجماعية وصفحات التعذيب والاهانة وهتك الاعراض والاجهاز على الرموز الدينية وغير ذلك من جروح لا يمكن لاي عراقي رافض لنظام الطاغية صدام واسلافه من نسيانها بسهولة ما لم يتحقق القصاص العادل ضد من ثبتت مسؤوليته الجنائية بهذه الكوارث، وهم معروفون.

 فلا شك بأن ارباب المؤسسات الامنية والمخابراتية وغيرها من ادوات القتل هم ذاتهم اليوم من يقودون المجازر اليومية التي تستهدف ذات الخصوم التقليديين في العهود المقبورة بالرغم من تبدل اوجه واطراف المعادلة القيادية و افتراض انتصار الاغلبية المضطهدة سياسياً وعسكرياً.

لقد خلق وهم تغير المعادلة الطائفية، لدى فئة مهمة من الشعب العراقي هاجس خوف وحواجز انعدام الثقة وتصعيد الاقتصاص العنفي الذي لابد ان ينحو منحى قبلي، فيسعر حرباً قد عافتها الكثير من المجتمعات القبلية في مجاهل العالم لتجد لها جذوراً هيأت لها (عقيدة) البعث الطائفي الشوفيني في الارض الخصبة، مما ساهم للاسف في استحضار كل قبيلة لاحقادها الجاهلية بعد ان صارت مراتعاً للانتحاريين والزمر التكفيرية القادمة من أقبية الظلام، منقادة كأنها السعالي للارتواء من دم اتباع مذهب اسلامي منصهر بفقه آل بيت الرسول (عليهم السلام اجمعين) وآدابه واخلاقه وسموه، لتتحول ارض وادي الرافدين الى ميدان صراع استجمع كل ضغائن واحقاد العصور بدأ من العهد الجاهلي وانتهاءً بالهجمة العلمانية على الفكر الاسلامي وما يمكن ان يدعمها من اعداء تقليديين لهذا الدين الذي جاء ليخرج الناس من الظلمات الى النور.. على فرض ان الكثير من ابناء العراق قد استوعبوا الدرس ووجدوا ان ثمة ما يوحد صفوفهم اتجاه الخطر المحدق بوحدة ومصير البلاد، وقد اشترك الجميع في اتخاذ صناديق الاقتراع محلاً ومعياراً لفرض من هو اهل لحكم العراق.

 ومع ذلك تجاوزت القوى الفائزة هذا المعيار امام استحقاق جديد يعكس مدى الايثار والتفاني من أجل لم الشمل والتصافح والتواؤم بدل اشعار الآخر بضعفه واذعانه امام طبيعة التعامل التقليدي الذي تفرضه القواعد الديمقراطية المتعارف عليها في ارجاء المعمورة وعلى فرض كل ذلك ينبغي ان نلمس ثمار هذا الصبر عبر الحكومة الجديدة كونها حكومة وحدة وطنية اقرت من البرلمان باغلبية حقيقية ووقف اعضاؤها كأزهى باقة زهور تجمع الشعب بكل اطيافه ومكوناته الاجتماعية والاثنية والسياسية.

 فاذا ما سعت نحو ميادين عملها تمخر عباب بحر متلاطم يقف المواطن الباحث عن الامن والامان اولاً، وعن وطن مزدهر وعامر في كل شيء ثانياً، يقف اليوم ذاهلاً امام احداث لا تتفق مع احلامه ومع مسلمات الواقع فبدل ان تلعن بعض القوى السياسية الارهاب والمقبور الزرقاوي عجزت ألسنتهم على ذلك وتمسكت بمسمياتها البليدة وبدل ان تحدد موقفها من الزمر الارهابية وصفتها بالمقاومة والمسلحين كند لما يسمى بالميليشيات حتى ان بعضهم رثى مصرع الزرقاوي وتبنى اهم جناح افتائي لهم مهمة رعاية اسرة ذلك الذباح الذي دمر آلاف الاسر العراقية ومن كافة الطوائف، فيما كشفت المستندات التي عثر عليها لدى تفتيش مقر الزرقاوي ان له صلات وثيقة بشخصيات عراقية معروفة كان اغلبهم من انكر حقيقة وجود الزرقاوي، وهذا الموقف يذكرنا بالاجراءات الجادة للحكومة الاردنية تجاه نوابها الاربعة الذين ابنوا الزرقاوي، وكذلك مواقف الشعب الاردني منهم، لسبب جوهري وهو بضعة جرائم ارتكبها هذا الارهابي وتنظيمه في الاردن.. فاين تضع حكومتنا الوطنية الكوارث والمجازر الارهابية ازاء اربعة او خمسة جرائم في عمان راح ضحيتها عدد من مواطنيها؟! وما هي الثقة والقدرة لدى حاضني الارهاب بحيث يجاهرون بمواقفهم بهذا الشكل الفاضح؟!.

الخلاصة في هذه الافتراضات هي ان الخطة الامنية التي روج لها قبل تطبيقها وقد امل منها سكان العاصمة بغداد ان تضع حداً للارهاب بعد ان تجتث عناصره نجد انها كانت ادنى من الخطط السابقة التي نفذت عند تشكيل الحكومة الانتقالية وانها لابد ان تستثمر مقتل الزرقاوي ايجابياً وان تستفيد من دعوات الرأي العام العالمي ومعطيات السياسة الدولية في توجيه الضربة الحاسمة، لكن العكس هو الغالب، فما زالت مدينة الصدر وغيرها من مدن بغداد تئن من وقع المفخخات، واثارها ما زالت لم تبارح المكان، فيما اعلنت جريمة الجمعة الشهيدة في مسجد براثا اكثر من تحدي واكثر من رسالة الى الحكومة العراقية وللشعب وللمستقبل.

شبكة النبأ المعلوماتية-الثلاثاء   20/حزيران /2006 -22  /جمادي الاول/1427