يَخدعُونَكُم بـ "الدولة الحديثة"..

عادل مرزوق  الجمري

 "هيغل" هو من أسس إلى تأليه الدولة حين وضع مترادفة جمع الدولة بالدين، بل هو نفسه، الذي بشر بالدولة الحديثة كما هي اليوم في أدبياتنا وواقعنا السياسي. هذه الدولة الحديثة أكرهها اليوم كما كرهها وحذر منها "نيتشه" ذات يوم مضى، أَورَثَني "نيتشه" كُرهَ "الدولة الحديثة"، كما أورثني كره "هيغل"!!.

توهمنا أن الدولة الحديثة هي ذلك الخروج الأخير من "الديني" إلى "السياسي"، لنكتشف مؤخراً وفي شتى الأصقاع أن المسألة لا تزيد في حقيقتها من أن "السياسي" قد حل محل "الديني" بطريقة لا تخلو من فلسفة دينية أيضاً، فالدولة ليست سوى ذلك الإله الجديد!!.

الدولة الحديثة لا تساوي الشعب، لا تساوي الإنسان، فالإنسان هو حركة، وتطور، وإختلاف، ونمو، وكراهية، وحب، وتغير، وتمايز، أما الدولة الحديثة فهي ضد الإختلاف، ضد التطور، ضد التميز، هي تحطيم الحياة في نظام واحد، وعقوبة من يحاول الخروج على هذا النظام الواحد هي "السجن" أو "الإعدام"، وقبل ذلك، هي النبذ من الإنسانية التي تدعي الدولة الحديثة رعايتها والحفاظ عليها.

الدولة الحديثة هي أكثر أنظمة القهر الإنساني ذكاء وقدرة، وبمعول قمع لا يدركه كثيرون منا، هي ذلك الظهور الكاذب كما يصفه "نيتشه"، وشعوب العالم تعيش أكبر خدعة على مر التاريخ دون أن تتنبه.

الدولة الحديثة تستخدم كل شيء لإدارة القطيع /الشعب، هي تستخدم الدين وشخصياته البارزة، تستخدم الأحزاب السياسية، وبالطبع لها أن تستخدم أهم أجهزة الإتصال الجماهيرية.

الدولة الحديثة توظف كل شيء لتُقِرَ للقطيع ذلك القانون الموحد وتلك الحقيقة النهائية التي لابد أن يلتزم بها، فالناس سواسية، كان الناس في الدولة الدينية سواسية أمام الرب، وهم اليوم سواسية أمام الدولة الحديثة وقانونها، فما الذي تغير!!.

الأكثر خطورة هو تحالف الدولة مع الفلسفة، فالدولة تختار لمؤسساتها خادميها الفلاسفة، ولا معنى لتحالف الدولة الفلسفة إلا إذا كان بإمكان الفلسفة أن تعد بان تكون صالحة للدولة دون قيد او شرط، أي "أن تكون مصلحة الدولة فوق مصلحة الحقيقة" كما يعبر عن ذلك "نيتشه".

الكاتب نور الدين الشافي يرى في هذا الأفق إمتداداً مرضياً، فحين "تكون مصلحة الدولة هي مصلحة الفلسفة، يصبح دين الدولة، ومذهبها، ومؤسساتها المدنية والعسكرية هي العناصر الأولى بالرعاية والإهتمام".

شبكة النبأ المعلوماتية-الاثنين   19/حزيران /2006 -21  /جمادي الاول/1427