أبعد من مقتل الزرقاوي

أحمد شهاب

 بدءا من رئيس الوزراء، يحاول العراقيون المضي في خطوات طموحة لترسيخ الاستقرار بعد الإنجاز النوعي الذي تحقق باختفاء زعيم تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين عن المشهد السياسي داخل العراق. رغم ان مقتل الزرقاوي لا يشكل أهمية تذكر بحد ذاته، فالساحة العراقية تكتظ بالعناصر المسلحة والمتحفزة لإجراء عمليات نوعية ضد الأبرياء والمدنيين باسم الجهاد والكفاح، أو لابتزاز من يستطيعون لتحصيل بعض المكاسب المادية. لكن الفرصة النادرة التي يوفرها مقتل الزرقاوي تكمن في الدفقة المعنوية الهائلة التي يحتاجها الشعب العراقي هذا الوقت في معركته ضد الإرباكات السياسية التي شاغلت الدولة والقيادة العراقية القائمة، والتي عطلت مشروع البناء والتنمية ووضعت الانسان العراقي في مأزق إنساني لايحسد عليه.

الأهم من مقتل الزرقاوي بنظري هو ما يمكن أن يَعكسه من إشارات إيجابية، ومن دفقة معنوية يمكن أن تساعد الحكومة الجديدة على بناء الثقة بها كإدارة عليا قادرة على قطع خطوات هامة نحو ترسيخ الاستقرار وتدشين مشروع الأمن في عراق يعتبر أولى أولوياته إنجاز المشروع الأمني، كما صرح رئيس الوزراء نوري المالكي.

لكن ما يجدر الالتفات إليه أن المشروع الأمني لا يتحقق بالذخيرة والقوة الأمنية والعسكرية، ولا يكتمل بملاحقة الميليشيات وفلول البعث البائد، وإنما يتم من خلال بناء نظام سياسي قائم على برنامج عمل واضح المعالم يتسم بالنظر إلى الشأن العراقي والخصوصية العراقية بمنظار دقيق ينفذ إلى عمق المجتمع وحاجاته ومطالبه، إذ يكفل وضوح المشروع السياسي في العراق إذابة المشكلات المستعصية، فكلما تقدم المشروع السياسي تراجع العنف السياسي وفق معادلة ادماج الجهات المتشددة في المشروع الوطني، وهو ما يتحقق الآن ولكن ببطء شديد، ومع تبلور رؤية وطنية للاصلاح يمكن أن تتعانق الميليشيات مع المشروع الدولتي لتكون عامل اثراء وحماية وأمن يُضاف كرصيد وثروة للعراق.

الموازنة الفعالة

يحتاج العراق الآن، للاستفادة من ارتفاع المعنويات العامة، وانخفاض معنويات دعاة الإرهاب، إلى موازنة فعالة بين جانبين:

الأول: الاسلام النوعي بمضامينه وقيمه العالية، والذي يتحقق بمقدار استجابة مجتمعاتنا إلى الفهم الواعي لقواعد الدين المتسامح، والبعيد عن العنف، والتطرف، والعصبية، ومحاربة الإنزواء في قوالب فكرية جامدة. الاسلام المتصالح مع حقوق الناس والمؤمن بحقهم في الحياة بكرامة واحترام يليق بإنسانيتهم. لذلك من المهم أن تخرج الكفاءات والجماعات الاسلامية العراقية من هموم الصراع على المواقع السياسية وتصفية الحسابات القديمة، إلى المساهمة في تجديد فهم الاسلام، وتثوير الأسئلة الصعبة والضرورية للانطلاق بالمسلمين من حال إلى آخر، فالأهم من اطلاق رصاصة على رأس العدو، إطلاق فكر مستنير ينتقل بالذهنية العراقية إلى مرحلة الذوبان في مشاريع التنمية..

الثاني: الحداثة الواعية بأدواتها الفاعلة، والدافعة للمساهمة في اثراء المشروع الوطني، عبر إفساح الفرصة لجميع الأطياف للمشاركة المتكافئة في صناعة القرار السياسي، إن العراق الجديد بحاجة إلى عقد اجتماعي تُصان به الحقوق وتحترم الأديان، ويعلوه الإيمان بمبدأ تداول وتوزيع السلطات بعدالة، ويتم تجاوز ثقافة المحاصصة الطائفية والعرقية، وكلما تفعلت الديموقراطية كأبرز أداوت الحداثة توضحت المساحات المشتركة أمام فرقاء الساحة، وتراجع صوت الرصاص لصالح صوت الحوارات الوطنية والجدل حول المستقبل.

يمكن لهذه الموازنة أن تبلور وعيا حضاريا يتجاوز الاجتهادات التاريخية والسياسية والفكرية القائمة على الإلغاء والتصنيف إلى اجتهادات تستطيع أن تستوعب المجتمع العراقي بجميع مكوناته وتنوعاته، وتنقله من التفكير الاصطفائي إلى النظر بايجابية إلى جميع الاختلافات الفكرية بصفتها عامل اثراء وقوة، وإلى الديموقراطية كأداة فعالة للمشاركة في القرار ووضع السلطة موضع التداول السلس والسلمي، حتى يتمكن كل العراق من بلورة استراتيجية البناء وتنمية موارد القوة وطريق النصر.

دعوة:

للمرشحين الذين يؤمنون بالإصلاح السياسي طريقا لبناء الكويت وبلورة مستقبلها، ويتفقون على أن التقسيم الحالي للدوائر فاسد ولا يحقق العدالة ويفسح فرص العبث بالكويت، عليهم إنجاز مشروع تعديل الدوائر بما يُقلص من الفساد ويُطوق أصحابه كخطوة أولى وأساسية في دور الانعقاد المقبل.. على ان يتلوه استقالة جماعية من النواب كموقف لإعادة الانتخابات وفق تقسيم الدوائر الجديد.

Alshehab4@yahoo.com

شبكة النبأ المعلوماتية-الاثنين   19/حزيران /2006 -21  /جمادي الاول/1427