جذور الارهاب في العراق وخفايا العامل الدولي

المحامي طالب الوحيلي

ما بين صدور اول بيان على موقع الانترنت بتوقيع المقبور الزرقاوي وبين هلاكه، اتسعت دائرة فسيحة من التداعيات الامنية والسياسية والعقائدية حتى انها قد احتلت الصف الاول من الاهتمام بما يجري على الساحة العراقية منذ سقوط النظام البعثي وانهيار مؤسساته الدموية بما كان يكنه ويشتمل عليه من تراث استبدادي اسسه عبر قواعد طائفية وعنصرية ونفعية وجدت نفسها وجهاً لوجه مع شعب طالما ذاق منهم الامرين فكان لابد من القصاص العادل ليرتج الامر على القواعد المؤثرة لذلك النظام امام انحسار الامر وجلائه باتجاه تصدي قوى الشعب المتوالدة من رحم مظلوميته لقيادة البلاد على وفق منطق ديمقراطي يستمد صيرورته من ذات العطاء الروحي للفكر المرجعي المنهجي.

 فيما ذهل اعداء الشعب امام هذه الحقيقة بانتظار صنمية اخرى تمدهم بآلية الانقياد الاعمى كما كان ديدنهم في العهود الغابرة، اذ الظاهر ان حياتهم لا تستقيم الا بضلال سيوف الطغاة التي تقطر من دماء اتباع اهل البيت (عليهم السلام) منذ العهد الاموي حتى عهود السفيانيين الجدد، لذا كان لابد لهم من استجداء سلطان يحكّم سيفه في اعناق الجميع، فظهور الزرقاوي بهذا الحجم من الترويج الاعلامي الذي ساهمت به قوى الشر من اعداء الشعب العراقي واصطباغ معظم الجرائم الارهابية بحق الشعب العراقي بصبغة طائفية تكفيرية يذكرنا بنزعة تأريخية عرج عليها الكاتب حنا بطاطا بكتابه الموسع عن تاريخ العراق، لا سيما بعد ان شن (اخوان نجد) الذين كان يقودهم فيصل الدويش زعيم عشيرة علوة مطر، هجمات متكررة ما بين عامي 27,28 من القرن الماضي، وهي هجمات استمرت بعد عودة الملك فيصل من انكلترا.

وفي احد المضارب التي هوجمت قرب (جحيحة) قتل خلالها كل الرعاة العشائريين العراقيين الذين وقعوا بأيدي (الاخوان). ولا يستطيع دارس في التاريخ العراقي الا ان يلاحظ ان الدويش كان يقوم بغاراته هذه تحديداً في المناسبات التي كان فيها العراقيون او حكومتهم يرفضون الانصياع للرغبات البريطانية أي في العام 1922 عندما وقف الملك ضد الانتداب، وفي عام 1924 عندما تنامت معارضة قوية مضادة للمعاهدات داخل الجمعية القاسيسية، ويبدو من غير المرجح انه ما كان للدويش ان يهاجم، وخصوصاً في المدة بين 1927-1928 لو لم يكن يعرف مسبقاً ان القوات الجوية البرطانية التي كانت ملزمة بمعاهدة للدفاع عن الحدود العراقية ستعطيه حرية التصرف. ولعل هذه النصوص التأريخية قد تستغرقها المئات من الصفحات تحكي واقع متكرر لا تختلف ابجدياته الا من حيث الزمان وتغير الوجوه.

وقراءة صريحة للنص المذكور تتدل على وجود الكثير من المقاربات بين ذلك الزمن من العراق وهذا العهد فقد اتيح المجال للزرقاوي كثيراً في تطوير تنظيمه حتى هيمن على كل ميادين الارهاب ومد جذوره الى بقايا النظام الصدامي لتنخرط في صفوفه مذعنة بعد ان وجدت فيه قائداً بديلاً لصنمهم فيما انعكس وجود الزرقاوي وامثاله كوسيلة لتقويض حركة الشعب العراقي ومحاولة صرف ذهنه عن التوحد باتجاه بناء الهيكل الصلب للنظام الديمقراطي الجديد المتحرر من شبهة التهميش والاضطهاد الطائفي والعنصري.. فترى التصعيد الارهابي يستفحل خلال اخطر الممارسات السياسية التي تتطلب وحدة الصف ولم الشمل، من ذلك اقتران ابشع حملات التفخيخ والتفجير والترهيب بالانتخابات او تشكيل الحكومات الثلاثة مستهدفة ذات الخصم التاريخي وهم اتباع اهل البيت (ع) لان قدرهم ان يكونوا هم الاكثرية العددية وسط محيط عربي لا يميل الى المذهب المذكور بشيء، لقد كان المقبور الزرقاوي الورقة القبيحة التي سعت بعض الانظمة العربية للاستفادة منها واللعب بها بدافع طائفي وأثني صرف، وقد تأكد ذلك من خلال المواقف المشينة التي اتخذوها اثر سقوط هذا الطاغية من ذلك موقف منظمة حماس الفلسطينية التي صرفت النظر عن اهدافها التي وجدت من اجلها لتلقي بثقلها تجاه الشعب العراقي المظلوم متباكية على شهيدها المسخ وبذلك تعرية للكثير من المواقف البائسة للانظمة الشمولية التي باركت قتل ابناء وادي الرافدين فيما بكت بدموع من دم على موفديها من الارهابيين الذين اغدقت عليهم المنح والعطايا من دول معروفة الاتجاهات والنوايا حتى بلغ ما قدر من اموال لغرض احراق العراق قد يجعله عماراً وازدهاراً لو رصد لبنائه..

الورقة الزرقاوية ان تلمسنا لها اطرافها لمعرفة ابعادها نجدها لا تعني شيئاً اكثر من انها كانت ورقة ضد القوى الاسلامية التي اتخذت من فكر مرجعيتها النير ستراتيجية بناء ديمقراطي اذهلت الكثير من علماء السياسة لانها دعت الى توحيد الرؤى مهما كانت متباينة ايديولوجياً وعقائدياً فاسقطت الكثير من التوقعات التي كانت بحكم المسلمات لدى الدول الزاحفة باتجاه تحرير العراق من الطاغية صدام لتتحول فيما بعد بحكم قرارات مجلس الامن الى دول احتلال وبذلك تتشابه فقرات الواقع مع خافيات الماضي مع فارق واحد وهو الضغط الزمني الذي يقتضي على القوى التقليدية تغيير تكتيكاتها تحت وطئة تكنولوجيا المعلومات وصغر صناديق الاسرار وسرعة انكشاف الحقائق.

شبكة النبأ المعلوماتية-السبت   17/حزيران /2006 -19  /جمادي الاول/1427