امراء المحاكم الشرعية في الصومال: لسنا اتباع القاعدة ولسنا اعداء امريكا

 

 إن الانتصار الذي حققته المحاكم الشرعية مؤخرا على تحالف أمراء الحرب قد يكون وضع حدا لصراع استمر لسنوات في العاصمة مقديشو، وإن الحركة الآن تسعى لإحلال نوع من الأمن والنظام في المدينة. مراسل صحيفة التايمز، روب كريلي، وينقل عن أحد موظفي فندق السلام في العاصمة الصومالية مقديشو بعد أن تسلمت إدارته أوامر السلطات الجديدة في المدينة بحظر حفلات الرقص والغناء في الفندق. "لقد أبلغتنا المحاكم الشرعية أن لا مجال لموسيقا البوب بعد الآن. لعمري أن هذا الأمر محزن جدا. نحن هنا جميعا نأمل بألا تصبح بلدنا أفغانستان أخرى".

وينقل المراسل عن الموظف قوله إن فندق السلام هذا قد شكل عبر السنين الماضية مركز جذب لمحبي الرقص والغناء وخصوصا أولئك المشاركين في الأعراس التي كانت تنتهي غالبا بحفلات تمتد حتى الصباح حيث تغص القاعات والساحات الخارجية بمئات الراقصين والراقصات.

إلا أن كريلي يردف قائلا إن لا شيء يتحقق في هذه المدينة بدون ثمن باهظ. فالمحاكم الشرعية قد أمرت بالمقابل بإغلاق صالات السينما التي اتهمت بعرض "أفلام منافية للأخلاق"، كما اعتبرت تنظيم احتفالات رأس السنة في العاصمة جريمة يعاقب عليها القنون.

وينقل الصحفي عن سكان مقديشو تذمرهم من قرار الميليشيا الإسلامية منعهم من مشاهدة مباريات كأس العالم لكرة القدم على شاشات التلفزيون.

ويرسم المراسل صورة أخرى عن النظام الذي تسعى المحاكم الشرعية إلى إحلاله في البلاد من خلال سرده لرواية ذلك الصبي الذي سمح له بطعن قاتل أبيه حتى الموت وسط هتافات وتصفيق الحشود الغفيرة التي اجتمعت في ساحة عامة لمشاهدة عملية الأخذ بالثأر تلك.

وينقلنا المراسل مباشرة إلى مقر شيخ شريف أحمد، رئيس اتحاد المحاكم الشرعية في الصومال، ليقدم من خلال لقاء صحفي معه صورة للرجل الذي فرض تطبيق الشريعة الإسلامية في المدينة التي كانت مسرحا لأكثر الأحداث عنفا ودموية في القارة الإفريقية عبر السنين المنصرمة.

وينقل كريلي عن المدرس السابق وزعيم اتحاد المحاكم الشرعية الذي لمع نجمه مؤخرا قوله: "نحن لا نريد شيئا البتة. نحن فقط نريد تقديم المساعدات لأبناء هذا المجتمع سواء أكانوا سياسيين أم مفكرين أم نساء أم أطفال...نحن نريد الدفاع عن الناس فقط".

ويضيف المراسل أن شيخ أحمد قد أكد له أن لا نية للمحاكم الشرعية بتحويل البلاد إلى دولة إسلامية أو إلى حكم شبيه بذاك الذي أقامته حركة طالبان في أفغانستان.

كما ينقل عنه نفيه القاطع لوجود أية صلات للمحاكم الشرعية مع تنظيم القاعدة، حتى وإن اشتملت الحركة في عضويتها على أسماء "جهاديين" كالشيخ حسن ضاهر إيويس الذي اعترف بأنه قد اجتمع مع زعماء القاعدة وهو لذلك مطلوب من قبل الأمريكان.

ويقول شيخ سعيد في المقابلة: "إن الناس في الغرب هم ضد ديننا، ولكن نحن لا نعرف ما هو سبب ذلك".

  لقد أبلغتنا المحاكم الشرعية أن لا مجال لموسيقا البوب بعد الآن. لعمري أن هذا الأمر محزن جدا. نحن هنا جميعا نأمل بألا تصبح بلدنا أفغانستان أخرى

صحيفة الإندبندنت رصدت في تقرير مصور ومفصل احتفالات المحاكم الشرعية في الصومال بمناسبة فوزها الكاسح على تحاف أمراء الحرب الذي سيطر على المدينة لأكثر من 15 عاما. ويصور لنا مراسل الصحيفة في مقديشو كيف أن أنصار اتحاد المحاكم الشرعية قد بدؤوا يلوحون ببنادق الكلاشينكوف وصنوف الأسلحة الأخرى معلنين أنهم أصبحوا "المجاهدين" الجدد الذين باتوا يحكمون قبضتهم على المكان.

ويقول المراسل: "بينما يتحدث زعماء اتحاد المحاكم الشرعية لغة السياسة أمام العالم، فهم يقومون في الوقت ذاته بفرض أحكام الشريعة الإسلامية على الأرض".

وفي مقال تحليلي منفصل بقلم محررها للشؤون الدبلوماسية، ترصد الصحيفة تحول الصومال إلى أرض "للمغامرات غير المحسوبة العواقب للسياسة الخارجية الأمريكية".

ويدلل الكاتب في مقاله على إخفاق السياسة الأمريكية في الصومال بخسارة أمراء الحرب الذين تدعمهم واشنطن أمام المحاكم الشرعية في معارك مقديشو.

ويقول المراسل: "يقوم الأمريكيون الآن بدعم أمراء الحرب الذين عارضوهم ذات يوم وذلك في محاولة منهم لمنع أي نظام إسلامي أصولي من إحكام السيطرة على الوضع هناك".

هذا وقال مسؤولون يوم الاربعاء ان اربعة من امراء الحرب الصوماليين الذين خسروا في صراع دام على السلطة مع ميليشيا اسلامية فروا من اخر معاقلهم بينما انسحب حليف رئيسي من معسكرهم.

وهذه التحركات خارج مدينة جوهر هي احدث ضربات لتحالف امراء الحرب المناهض للارهاب الذي يعتقد على نطاق واسع انه مدعوم من واشنطن والذي خسر هذا الشهر مقديشو بعد صراع امتد 15 عاما.

وقال الكولونيل عبدي حسن اوالا رئيس الشرطة السابق في العاصمة مقديشو ان شيوخ قبيلته أقنعوه بوقف القتال في جانب امراء الحرب لوقف سفك مزيد من الدماء.

وقال "قررت التخلي عن عضويتي في التحالف المناهض للارهاب بعد ضغوط من عشيرتي."

وفر زملاؤه الذين لجأوا الى جوهر التي تبعد 90 كيلومترا شمالي مقديشو في ساعة متأخرة من مساء يوم الثلاثاء عندما اقتربت الميليشيا الموالية للمحاكم الشرعية.

وقال عبد الله ظاهر وهو احد مسؤولي الادارة في جوهر لرويترز ان الوزراء السابقين بوتان عيسى عليم ومحمد قنياري غادروا قاعدتهم في جوهر يرافقهم اثنان من امراء الحرب الاقل شهرة.

ووردت تقارير عن اندلاع قتال لفترة وجيزة على بعد نحو 15 كيلومترا خارج جوهر في الليلة السابقة. وقالت مصادر ان امراء الحرب الاربعة تحركوا نحو مناطق الدور الوسطى حيث تتمركز عشائرهم.

وأبلغت ميليشيا المحاكم الشرعية الولايات المتحدة بأنها ليست عدوا لواشنطن لكن ادارة الرئيس جورج بوش تتخذ اسلوبا حذرا ازاء الظهور الجديد للمحاكم الشرعية.

ويقول المحللون ان امراء الحرب اصبحوا معزولين بدرجة متزايدة وان كان بعضهم هدد بالعودة والقتال.

واستولت الميليشيا الموالية للمحاكم الشرعية على مقديشو في وقت سابق من الشهر الحالي بعد معارك قتل فيها 350 شخصا على الاقل في اعمال عنف وصفت بأنها الاسوأ منذ عام 1991 للاطاحة بالرئيس السابق محمد سياد بري.

وقال سكان ان الوزراء السابقين موسى سودي يالاهاو وعمر محمد فينيش وزعيم الميليشيا بشير راجي هم امراء الحرب البارزون الباقون في مقديشو.

بدوره قال مسؤول كبير في وزارة الخارجية الامريكية يوم الثلاثاء ان المحاكم الشرعية الصومالية التي سيطرت ميليشياتها على العاصمة مقديشو في الاسبوع الماضي ابلغت الولايات المتحدة بانها ليست عدوا لواشنطن.

وقال هنري كرامتون منسق شؤون مكافحة الارهاب في وزارة الخارجية امام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ ان اتحاد المحاكم الشرعية بعث اخيرا برسالة إلى الحكومة الامريكية "يعلن فيها أنه ليس عدوا للولايات المتحدة."

واضاف "فهمنا لهم منقوص."

وتابع "كان ردنا بالغ الوضوح وهو أننا نتوقع منهم العمل مع الحكومة المؤقتة (الصومالية) ونتوقع منهم ايضا العمل معنا لتسليم مقاتلي القاعدة والمقاتلين الاجانب الذين وجدوا ملاذا في مقديشو."

واشار كرامتون إلى أن ادارة الرئيس جورج بوش تتخذ موقفا يتسم بالحذر من الصعود الجديد لدور المحاكم الشرعية وقال إن أهداف الزعماء الاسلاميين غير واضحة.

وقال ايضا ان ادارة بوش فوجئت بقدرة الميليشيات الاسلامية على انتزاع السيطرة على مقديشو من امراء الحرب العلمانيين الذين يعتقد على نطاق واسع ان الحكومة الامريكية تمولهم.

واسفرت شهور من المعارك بين الميليشيات الاسلامية وتحالف امراء الحرب عن مقتل ما لا يقل عن 350 شخصا اغلبهم مدنيون في اسوأ اشتباكات شهدتها العاصمة الصومالية منذ اكثر من عشر سنوات.

ويفتقر الصومال الى حكومة مركزية فعالة منذ عام 1991. والحكومة المؤقتة التي شكلت في اواخر عام 2004 ضعيفة الى حد لم تتمكن معه من دخول العاصمة.

وقال كرامتون ان اولويات الحكومة الامريكية في الصومال هي طرد خلية للقاعدة تعتقد واشنطن انها مرتبطة بتفجير السفارتين الامريكيتين في شرق افريقيا عام 1998 وتحاول ان تقيم ملاذا امنا لها في الصومال مضيفا انها "تمثل خطرا لا على المصالح الامريكية فحسب بل خطرا على المنطقة كلها خاصة كينيا".

واعاد كرامتون تأكيد دعم الولايات المتحدة لحكومة الصومال المؤقتة التي قال انها تحتاج لمزيد من المساعدة من المجتمع الدولي.

وتستضيف الولايات المتحدة اجتماعا دوليا يوم الخميس في نيويورك لمناقشة الوضع في الصومال وسبل دعم حكومته المؤقتة بعد انتصار الاسلاميين في مقديشو.

ووافقت كل من الامم المتحدة والسويد والنرويج وبريطانيا وايطاليا وتنزانيا على حضور الاجتماع الاول لما سمي مجموعة الاتصال للصومال.

وشدد كرامتون على ضعف الحكومة الوطنية وتعرضها لمخاطر النزاعات القبلية والعشائرية الدائمة. وقال "يتوقف الكثير على الصوماليين انفسهم وقد قصروا عن الوفاء بالتطلعات حتى الان."

شبكة النبأ المعلوماتية-الخميس   15/حزيران /2006 -17 /جمادي الاول/1427