مقتل الزرقاوي ….الابعاد محليا وعربيا ودوليا

د. احمد باهض تقي

 لم تكن النهاية التي انتهى اليها أبو مصعب الزرقاوي بالمفاجاة للعراقيين، ربما كانت بين المفاجاة والصدمة والذهول لغيرهم، لكنها بالتأكيد كانت لحظة سعادة لكل عراقي يحب وطنه ولكل عائلة عراقية ثكلت بابناءها وبناتها واباءها الذين استشهدوا بعملياته (البطولية) التي يحلو للمستعربين ان يصفوها، ولكن الإرادة الإلهية أبت إلا أن تتدخل لتضع حدا لتلك العنجهية التي كان بها الزرقاوي ينصب نفسه اميرا على شعب يعده كتاب التاريخ بانه من الشعوب الصعبة في انصياعها للطغاة والظالمين.

ولكن الذين تأسلموا واستسلموا لأهواء العداء للإنسانية أوهموا أنفسهم إن للباطل صولة جسور وان الحق ليس له أنصار، وهكذا تنادت الاصوات بان الذي يحصل بالعراق هو مقاومة واية مقاومة، وان الزرقاوي بطلها الاوحد ولاضير في ان يسيل الدم العراقي مدرارا، ولكن المهم هو ان يبقى العراق تلك البقرة الحلوب، ولذلك جاءت عملية القضاء على ابي مصعب الزرقاوي بغض النظر عن اليات تنفيذها وحيثيتاها لتشكل انعطافة مهمة في مسيرة البناء الجديد للعراق، ويمكن مناقشة هذه القضية من خلال الابعاد الآتية:

البعد الداخلي

تعطي عملية القضاء على ابي مصعب الزرقاوي مدلولات وابعاد في غاية الاهمية على مستوى الداخل العراقي من اهمها:

1.      تؤكد اولا على ان المجتمع العراقي مهما حاول اعداؤه في شق وحدته الوطنية فانه سوف لن يتوانى في الوقوف بوجه تلك الموجات الفكرية الارتدادية لتلك الموجات التي افرزها التاريخ العربي – الاسلامي على مر التاريخ .

2.      إن التأكيد على مسألة الطائفية وإثارتها في العراق هي قضية خاسرة وان مغازلة فئة دون أخرى، وان تحقق بعض الاستجابات من هنا او هناك الا انها بالتاكيد قضية مرفوضة من عامة الشعب.

3.      إن مقتل الزرقاوي في منطقة كانت حتى وقت قريب لاتشهد عمليات من ذلك النوع الذي ينفذه الزرقاوي وانصاره، يعني انه خسر مواطئ قدمه في مناطق اخرى كان من المتوقع ان تكون حاضنة له، مما يستوجب على الحكومة الجديدة التحرك وبشكل فعال وجاد وموضوعي في الحوار مع ابناء المناطق التي تشهد عمليات عسكرية متواصلة، مما يزيد من معاناة العامة من ابناء الشعب في هذه المناطق ،ولذلك لابد من الحوار وليس غيره سبيلا للتعرف على اسباب ذلك التدهور الامني فيها ومعالجة الخلل في الاجراءات كي يحس ابناء الشعب في هذه المناطق، إن هذه الحكومة هي حكومتهم إنهم سيصبحون درعها الحصين والمدافعين عنها.

4.      تاكيدا على ما تقدم فان ذلك يعطي مؤشرا أن كثير من الذي يحصل في هذه المناطق هو خارج ارادة الزرقاوي واتباعه فلا بد من تشخيص أسباب ذلك وإيجاد السبل الكفيلة لوضع الحلول المناسبة.

5.      ان القضاء على الزرقاوي مع بدء تشكيل الحكومة الجديدة يدفع باتجاه اعطاء مؤشرات وارسال رسائل الى كل الذين يراهنون على العودة بعجلة التاريخ الى الوراء بان لاسبيل امامهم الا العودة الى رشدهم والمساهمة في بناء العراق الجديد وتجاوز الصعاب .

6.      يعطي مقتل الزرقاوي دفعة قوية وفعالة للحكومة الجديدة في بسط سيطرتها على البلاد، خصوصا وانها تتمتع بتاييد شعبي وسياسي محلي ورسمي اقليمي ودولي واسع النطاق لم يتوفر لسابقاتها، مما يحتم عليها استثمار هذا الفوز وتحقيق نصر حاسم على كافة معاقل الارهابيين اينما كانوا وحيثما وجدوا.

7.      ومثلما على الحكومة ان تمسك بقوة على كافة مفاتيح الحلول الامنية، فان عليها أن تمسك بغصن الزيتون بنفس القوة التي تمسك بها السلاح، وذلك كي يتسنى لكل من اغوته ودفعته الظروف للانحراف عن مسيرة هذا الشعب بالعودة الى رشده، وعندها تتحقق المكاسب حتى لو عاد الى الصف شخصا واحدا، ولتنتفي حينها الاعذار عن اولئك الذين يعرقلون مسيرة هذا البلد.

8.      على الحكومة ان تتبنى خطاب الشعب فهي الحكومة المنتخبة وهي الحارس الامين لحقوقه وامنه، ولذلك عليها ان تكون صريحة وواضحة غاية الوضوح وان لاتنحدر في المجاملات على حساب حقوق الشعب، وعليها ان تتصرف في سلوكها الدولي والاقليمي وفقا لمصالح العراقيين ومواقف البلدان الاخرى من قضاياهم، واهمها الموقف من قضية القتل الجماعي الذي مارسته وتمارسه العصابات الارهابية بحقهم يوميا وعلى رأسها جماعة أبو مصعب الزرقاوي.

9.      على الحكومة أن تستثمر وبشكل كبير حالة التفاؤل التي تسود الشارع العراقي وانعقاد الامل على الحكومة الجديدة في بسط الامن والاستقرار، ومن ثم قتل رأس الإرهاب الزرقاوي، وانعكاس ذلك كله على نظرة البيئة والمحيط الدوليين الى العراق ومن ثم بالامكان تشجيع المستثمرين في التوجه نحو العراق، المساهمة في خلق فرص العمل واقامة المشاريع الاقتصادية التي من شأنها أن تحل الكثير من عقد ومشاكل الاقتصاد العراقي.

البعد العربي –الإقليمي:

1. لابد من القول ان الموقف العربي – الاقليمي ازاء العراق قد شابه الغموض والتردد في احيان كثيرة والريبة والشك في احيان أخرى، حتى بات من الصعب تفسير الكثير من المواقف السلبية التي وقفتها اغلب الانظمة السياسية العربية على اختلاف توجهاتها، وصار الإعلام العربي ممثلا حقيقيا للتوجهات السياسية لتلك الانظمة ومواقفها حيال العراق والتطورات السياسية الجارية فيه.

وقد تجلت صور هذه المواقف بوضوح من خلال المواقف السلبية من قضايا القتل الجماعي الذي مارسته وتمارسه الجماعات الإرهابية في العراق، حتى ان العديد من هذه الانظمة في خطابها السياسي والاعلامي تعد تلك العمليات من نوع العمليات المقاومة للاحتلال والوجود الاجنبي في العراق، وإن ما يجري هو حقا مشروعا حتى وإن قتل آلاف العراقيين، وبنفس الوقت اذا جرت تلك العمليات في بلدانهم فهي تعد إرهابا وتقويضا للأمن الوطني، وهذا ما يؤكد حقيقة النفاق السياسي الذي تمارسه تلك الانظمة في سلوكها السياسي الداخلي والخارجي.

وما موقف حركة حماس التي تشكل الحكومة الفلسطينيةالحالية إلا مثالا صارخا وواضحا على ذلك، والمؤلم في الأمر إن ذلك يعد نكرانا وتنكرا لتضحيات الشعب العراقي من أجل القضية الفلسطينية، وربط تلك التضحيات بكونها جزءا من مواقف نظام صدام المقبور، متناسين ان اعظم تلك التضحيات قدمها العراقيون قبل حكم النظام السابق.

2. إن المواقف المترددة للانظمة السياسية العربية ازاء العراق وعدم تقديم الدعم الواضح والجلي لشعبه، تأتي انسجاما مع الازمة الحقيقية التي يعيشها الفكر العربي بكل ابعاده، ذلك الفكر الذي اوصل العرب الى ادنى مراحل الانحطاط والتخلف وجعل منهم أمة تجلس في القاطرة الاخيرة من قطار التطور العالمي، ذلك الفكر الذي انشغل كثيرا بتمجيد السلاطين ورموز الطغيان، ويكفي لنا ان ننظر الى الخارطة السياسية للبلدان العربية ، فاننا نجد ان الحكام العرب إما أن يموت ويذهب الى مزبلة التاريخ، أو يبقى متسلطا على رقاب الشعب، وحتى الشعوب في البلدان العربية اوهموها بأن عليها طاعة اولياء الأمور حتى وان كان ولي الامر يصلي الجمعة يوم الاربعاء، وأن يحج في في شهر محرم وأن يصوم في ذي القعدة، حتى أضحت هذه الشعوب كسولة خاملة لاتشعر باي معيار للتطور واللحاق بركب الحضارة، ولاغرابة حينها أن تنمو وتتوالد وتتكاثر بسرعة تفوق سرعة تكاثر الاميبا تلك الافكار التكفيرية والمتطرفة والشوفينية لتتسيد الفكر العربي، بفعل البيئة اللائمة لها.

3. ولا غرابة أن نجد في الوقت نفسه الساحة السياسية العراقية ميدانا لتصفية الحسابات بين الانظمة الاقليمية ذات السياسة المتقاطعة مع السياسة الامريكية، ليصبح العراق ساحة المواجهة على حساب دماء شعبه وحقوق اهله .

4. وهنا يأتي مقتل الإرهابي أبو مصعب الزرقاوي ليؤكد حقيقة المواقف العربية ازاء ما يجري في العراق من تطورات ايجابية، ومن إشاعة للحريات والممارسات الديمقراطية على الرغم من الوجود الاجنبي على اراضيه، كما تؤكد تلك المواقف حقيقة الخوف الواضح والجلي من تلك التحولات وان رافقتها بعض السلبيات ، من ان تشجع الشعوب العربية والمجاورة في المطالبة بحقوقها في الحرية والديمقراطية ، ولعمري ان هذا السبب كافيا في ان يدفع العديد من الحكام العرب نحوتلك المواقف السلبية، ويحاولوا بكل ما يملكون من قوة عرقلة العملية السياسية في العراق واشاعة الفوضى فيه، كي يعطوا إشارة إلى شعوبهم بأن التغيير يعني الفوضى وان الديمقراطية لاتصلح للشعوب العربية والاسلامية.

5. لقد أعطت عملية مقتل أبو مصعب الزرقاوي مؤشرا واضحا عن مدى تغلغل الفكر التكفيري في اوساط الشعب والانظمة السياسية في كثيرٍ من البلدان العربية من خلال تلك المواقف المعلنة أو غير المعلنة من هذه القضية، ونعتقد إن سبب ذلك هو ماذكرناه سابقا حول ازمة الفكر العربي، فضلا عن رداءة وضعف الخطاب السياسي للانظمة السياسية العربية تجاه القضايا الهامة والمصيرية التي واجهت وتواجه المنطقة بأسرها.

6. إن التأييد النسبي والملحوظ في الاوساط الشعبية والاعلامية العربية والصمت الذي مارسته الاجهزة الرسمية العربية حيال عملية مقتل أبو مصعب الزرقاوي، يؤكد وبشكل جلي السلوك المزدوج والكيل بمكيالين الذي تتبناه هذه الاوساط ازاء قضية العراق وشعبه وبين القضايا الاخرى التي تحصل في العديد من البلدان العربية، فالذين سقطو في الاردن اثر تفجيرات الزرقاوي هم شهداء وان الذين يسقطون في العراق هم غير ذلك، لا بل إن الأمر وصل عند البعض بان ذلك الامر جهاد وقتال ضد العملاء.

البعد الدولي :

  منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 تخوض الولايات المتحدة الامريكية حربا اطلقت عليه الحرب العالمية ضد الارهاب، وجاءت الحرب في العراق تحت ذلك العنوان والسياق فيما هو معلن على الرغم من إن السيطرة على العراق تأتي ضمن مبررات اوسع واكبر، ونحن هنا لسنا بصدد مناقشة اسباب الوجود الاميركي في العراق، إذ يأتي مقتل أبو مصعب الزرقاوي عقب الكثير من الجرائم التي اقترفها و ليعطي المدلولات الآتية :

1.      إن ذلك يعطي مبررا للخطاب السياسي الاميركي الذي يتبنى الوجود الاميركي في العراق، في إنه لولا القوات الاميركية لما تم القضاء على أبي مصعب الزرقاوي وإن القوات العراقية بمفردها غير قادرة على مواجهة الإرهابيين، لعدم جاهزيتها عددا وعدة.

2.      إن ذلك يلجم افواه الكثير من اللذين هم ينتقدون سياسة الرئيس الامريكي في العراق ويتهمونها بالفشل، سواء من اعضاء الكونغرس أو الصحافة أو من بعض بلدان اوربا كفرنسا أو ألمانيا، أي إن قتل الزرقاوي اعطى مؤشرا ايجابيا بجدوى الحرب في العراق والبقاء فيه وإن ذلك وجه ضربة كبيرة لتنظيم القاعدة،والذي شن العديد من العمليات الارهابية التي حصلت  وبضمنها هذه البلدان .

3.      إن مقتل الزرقاوي يعطي دفعة مهمة نحو تشجيع المنظمات الدولية والبلدان الكبرى والمانحة في الاهتمام بالعراق من خلال اشاعة الشعور باتجاه الاوضاع فيه نحو الاستقرار بعد القضاء على رأس الإرهاب فيه، وبالتالي حصول العراق على منافع ومكاسب من شأنها الخروج بالبلاد من الازمة الاقتصادية التي تمر بها .

4.      إن ذلك يعطي مدلولات ومؤشرات لجميع المنظمات الارهابية في العراق أو العالم، بأن العراق لا يمكن أن يكون إنموذجا لأفغانستان أو أي بلد آخر ينمو فيه الارهاب بفعل العوامل الاجتماعية والسياسية والحضارية التي يتميز بها الشعب العراقي وبالتالي سهولة الكشف والقضاء على تلك المجاميع الارهابية، فضلا عن الطبيعة الطوبوغرافية التي تميز العراق والتي تجعل من الصعب لهذه المجاميع الارهابية التخفي فيها والاستمرار بذلك التخفي مدة طويلة.

رؤية مستقبلية:

إن مقتل أبي مصعب الزرقاوي وان لم ينهِ العمليات الإرهابية في العراق إلا أنه  يعد ضربة قاضية لتنظيم أقيم وبني أساسا على أساس تنظير قائده وسلوكه، ويؤكد حقيقة مفادها إن العراق يسير باتجاه الاستقرار والأمن والتطور المنشود، وإنه لا مكان للفكر التفكيري في العراق وإن تأخر ذلك بعض الشيء.

كما يؤكد على حقيقة إن ضيق الحريات السياسية والمدنية في البلدان العربية والاسلامية ساهم في نمو وازدياد ظاهرة الانحراف في الفكر الاسلامي وتبني الافكار التكفيرية، وارتباط ذلك كله بمراكز المال العربي في العديد من البلدان العربية مما يشكل ذلك غطاء داعما له.

 و يصبح لزاما على المراكز الدينية والمدارس والجامعات في البلدان العربية والاسلامية التصدي الى الافكار المنحرفة، من اجل اشاعة الاعتدال والوسطية في المجتمع والابتعاد عن التطرف.  

مركز الفرات للتنمية والدراسات الستراتيجية

www.fcdrs.com

شبكة النبأ المعلوماتية-الاربعاء   14/حزيران /2006 -16 /جمادي الاول/1427