
كانت وما تزال برامج التبادل التعليمي والثقافي الدولية أحد أهم
الوسائل التي تحاول الإدارات الأمريكية المتعاقبة استخدامها كوسيلة
تحقيق أهداف السياسة الخارجية بصورة مقبولة حيث تتوزع الفوائد على كل
الأطراف المشاركة فيها، ومن أهم برامج التبادل التعليمي الدولي برنامج
منح فولبرايت Fulbright الدراسية الذي مكن أكثر من 250 ألف طالب من
185 دولة من الدراسة في أمريكا منذ عام 1946، وبرنامج غيلمان Gilman
للمنح الدراسية الذي مكن 2200 طالب أمريكي من الدراسة في الخارج منذ
عام 2000.
ويقول تقرير واشنطن انه خلال عام 2005 وصل عدد الطلبة الأجانب في
الولايات المتحدة إلى أكثر من 565 ألف طالب، إلى جانب 89 ألفاً و634
عالماً دولياً (أساتذة وباحثين) في عام 2005. وتسعى الولايات المتحدة
إلى إقامة علاقات جديدة للتبادل التعليمي مع الدول الآخذة في لعب دور
متزايد الأهمية على الساحة الدولية.
ويبلغ عدد الطلبة الجانب في الولايات المتحدة عام 2004:
الهند
80 ألفاً و466 طالباً
الصين
62 ألفاً و523 طالباً
كوريا الجنوبية
53 ألفاً و358 طالباً
اليابان
42 ألفاً و215 طالباً
وقد ساهمت الأوضاع السياسية في العالم اليوم، عالم ما بعد 11 سبتمبر،
في زيادة الاهتمام العالمي والأمريكي بصفة خاصة بما يدور في العالم
العربي والإسلامي، وينعكس الاهتمام الأمريكي المتزايد في عدة صور من
أبرزها إقبال الآلاف من المواطنين الأمريكيين على تعلم اللغة العربية،
وازدياد برامج الدراسات الإسلامية في العديد من الجامعات والمعاهد
الإسلامية. من ناحيتها، تعمل الحكومة الأمريكية جاهدة على دعم برامج
التبادل الطلابي مع الدول العربية والإسلامية، بهدف توفير فرصة لهم
للإطلاع على الحياة عن قرب من خلال الدراسة والإقامة لفترة طويلة في
الولايات المتحدة. ومن الجهود الأمريكية الهامة لإقامة رابطة بين
الولايات المتحدة وشعوب العالم العربي والإسلامي برامج تسمح للحكومة
الأمريكية بإحضار طلبة عرب ومسلمين لتلقي تعليم جامعي بهدف خلق أصدقاء
جدد للولايات المتحدة اثر عودة هؤلاء الطلبة إلى بلدانهم بأفكار وتجارب
جديدة. وبلغ عدد الطلبة من منطقة الشرق الأوسط في الولايات المتحدة 31
ألفاً و248 طالبا عام 2005.
من أهم البرامج التي تديرها وزارة الخارجية الأمريكية برنامج "
Plus- بلاس" الذي يمنح الحاصلين على دبلوم أو الحاصلين على سنتين من
الدراسة الجامعية بعثة لمدة سنتين في الولايات المتحدة لإكمال الدراسة
والحصول على شهادة البكالوريوس الجامعية. والبعثة الأمريكية تشمل
مصاريف الدراسة وتكاليف التأمين الصحي والسكن والمعيشة وتذاكر السفر.
ويمول برنامج بلاس وزارة الخارجية الامريكية وبدأ تطبيقه في العام
الدراسي 2004- 2005 ويهدف إلى جلب مجموعة من الطلبة من عدة دول من
الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وجنوب آسيا، ويحصل هؤلاء الطلبة في نهاية
دراستهم لمدة سنتين بإحدى الجامعات الامريكية على شهادة البكالوريوس.
وقد تم اختيار هؤلاء الطلبة بناء على تفوقهم الدراسي في الجامعات التي
كانوا بها ببلدانهم لمدة سنتين، ومن المعايير المهمة الأخرى لاختيار
هؤلاء الطلبة هي طموحاتهم لتولي مناصب هامة في بلدانهم بعد إتمام
دراستهم الجامعية بالولايات المتحدة، وتهيئهم لتسلم مواقع ريادية
مستقبلا في بلدانهم.
ويتمتع هؤلاء الطلبة بمنحة كاملة من طرف وزارة الخارجية الامريكية
تمكنهم من مزاولة تعليمهم بالجامعة والقيام ببعض الأنشطة التي من شانها
أن تضيف إلى تجربتهم الدراسية وأن تعدهم للمستقبل كالمشاركة في بعض
الندوات والحصول على التدريب العملي اللازم كل في مجال دراسته.
ويهدف هذا البرنامج إلى تعزيز التبادل الثقافي بين الولايات المتحدة
والبلدان المذكورة سابقا وتقوية التفاهم بينها بالإضافة إلى تغيير صورة
العلاقات بين الولايات المتحدة والبلدان المسلمة. ويسعى القائمون على
البرنامج إلى خلق أرضية جديدة للحوار البناء بين المسلمين والأمريكيين.
ويتلخص الهدف الرئيسي لبرنامج بلاس على حد تعبير احد المسئولين في
تغيير نظرة الشباب العربي للولايات المتحدة الأمريكية و خلق علاقة
جديدة بين العالم العربي و الولايات المتحدة مبنية على الحوار و
التفاهم.
وقد قال المسؤول إن أهداف وزارة الخارجية الأمريكية من خلال هذا
البرنامج هي أهداف طويلة المدى و ينتظر أن تظهر النتائج المرسومة
للبرنامج بعد تخرج الدفعة الأولى من الطلبة وعودتهم إلى بلدانهم و
القيام بدور في تغيير نظرة مجتمعاتهم للولايات المتحدة.
وأضاف أن الهدف من البرنامج هو تقليص الهوة في طريقة التفكير مما من
شأنه أن يقلل من الخلافات بين الولايات المتحدة وبلدان الطلبة
المشاركين في هذا البرنامج. وتتضارب الآراء حول هذا البرنامج و غيره
من البرامج الأخرى التي تهدف إلى جلب الطلبة الأجانب و خاصة منهم العرب
للدراسة بالولايات المتحدة. حيث يرى البعض من الطلبة أن مثل هذه
البرامج تمثل فرصا هامة تمكنهم من الاطلاع على ثقافات وإيديولوجيات
مختلفة مما يمكنهم من النظر للمشاغل العالمية من جوانب مختلفة. ويعتبر
هؤلاء الطلبة أنفسهم محظوظين لاختيارهم من بين الآلاف من الطلبة
المتقدمين. في حين يعتقد البعض الآخر من الطلبة المشاركين في البرنامج
أن هدف البرنامج الأساسي هو محاولة غسل أدمغتهم من أجل أن يقتنعوا
بالسياسات الأمريكية، خاصة وكونهم سيكونون من قادة مجتمعاتهم بعد
العودة لبلدانهم... ويبرر العديد من الطلبة وجهة نظرهم بكون الحكومة
الأمريكية قد اختارت أفضل العناصر الطلابية من الجامعات العربية
للمشاركة في هذا البرنامج. فما هي حقيقة هذه البرامج وهل سيستطيع
الطلبة العرب والمسلمين الاستفادة منها وإحداث التغيير المنتظر منهم في
بلدانهم؟
المنظمات الأمريكية المحتضنة للبرنامج
Amideast أمديست
هي منظمة خاصة غير حكومية تهتم بتقوية التفاهم والتعامل بين
الأمريكيين وشعوب الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتقوم أمديست كل سنة
بتقديم منح لدراسة اللغة الانجليزية وتصميم تقنيات الامتحانات والتدريس
لمئات الطلبة والمدرسين من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. كما تقوم
بإدارة مشاريع بالمنطقة العربية، وتشرف على التنسيق بين الولايات
المتحدة والبلدان السالف ذكرها بشان برامج التبادل الثقافي. ويوجد
المقر الرئيسي للامديست التي تأسست سنة 1951 بمدينة واشنطن العاصمة،
وتتوزع فروعها في عدة بلدان أخرى هي: مصر، والعراق، والأردن، والكويت،
ولبنان، والمغرب، وسوريا، والإمارات العربية المتحدة، وقطاع غزة،
واليمن.
AED أي د
منظمة غير حكومية مستقلة تأسست سنة 1961 وتهدف إلى الاستجابة
للحاجات الإنسانية خصوصا التعليمية منها في الولايات المتحدة وفي كل
أنحاء العالم. وتعمل المنظمة مع عدة أطراف حكومية وغير حكومية، ويعتبر
العمل على توفير المعرفة بهدف تعزيز التقدم والحد من الفقر ونشر
الديمقراطية والقيم الإنسانية من أهم اهداف المنظمة.
برنامج بلاس في الإعلام الأمريكي
يتميز طلبة بلاس بجديتهم وانكبابهم على دراستهم مما أدى بهم إلى
الظهور والتميز في جامعاتهم الأمريكية، ولفت الأنظار إليهم وهو من
الأهداف الأساسية لطلبة برنامج بلاس الذين يعدون سفراء لبلدانهم
وثقافاتهم. ومن خلال تفوقهم وجلب الاهتمام لهم في محيطهم يتمكن الطلبة
من التعريف ببلدانهم وثقافاتهم وتغيير الصورة التقليدية عن بلدانهم
وثقافاتهم ودياناتهم.
وقد تحدثت العديد من الصحف عن برنامج بلاس وأجرت بعض المقابلات مع
العديد من الطلبة. ومن بين وسائل الإعلام التي تحدثت عن برنامج بلاس
"موروكن تيمز" عن الطلبة المغربيين في عدد شهر يناير. وتحدثت "كرفليس
جازيت" عن طلبة بلاس الذين يدرسون في ولاية أوريغن. وتحدثت "سكارلت أند
بلاك"، الصحيفة المحلية لجامعة غرينان عن طلبة بلاس الذين يدرسون
بولاية ايوا. وقامت " دايلي تايمز" في ولاية تنيسي بإجراء مقابلتين
صحفيتين مع طالب عراقي من برنامج بلاس متحدثين عن الحياة بالعراق وعن
أهدافه الشخصية كطالب عراقي بالولايات المتحدة.
كما قامت العديد من الصحف المحلية بالعديد من الولايات الأخرى
بإجراء مقابلات مع طلبة برنامج بلاس ومنحهم الفرصة بالتحدث عن بلدانهم
وثقافاتهم وأديانهم وخاصة عن دورهم كطلبة أجانب وخاصة عرب بالولايات
المتحدة الامريكية. وقامت وزارة الخارجية الامريكية بنشر العديد من هذه
المقابلات والمقالات حول برنامج بلاس على موقعها ابتداء من 14 أبريل
2004
شهادات حول برنامج بلاس
يقول عرفان رزفي احد العاملين بمنظمة "أ ي دAED" أن تعامله مع
الطلبة ببرنامج بلاس يعبر تجربة ايجابية ثرية له حيث قال أن التعامل مع
طلبة من "النصف الآخر من العالم" قد مكنه من التعرف على عدة عادات
وتقاليد لم يكن ليعرفها لولا الاحتكاك بطلبة برنامج بلاس. وأضاف انه
انبهر بمستوى الطلبة المشاركين بهذا البرنامج، وخاصة بشجاعتهم وإقدامهم
على ترك بلدانهم وعائلاتهم لمدة تتجاوز السنتين. وأضاف انه مع تخرج
الدفعة الأولى من الطلبة هذه السنة بدأت وزارة الخارجية الامريكية
ومنظمة "أ ي د" بالاتصال بأطراف خارجية لتأمين فرص عمل للطلبة
المتخرجين في بلدانهم، ولهذا الغرض سافرت مديرة برنامج بلاس ساندرا
ماكدونالد إلى عدة دول لمناقشة فرص التشغيل للطلبة المتخرجين من برنامج
بلاس.
وقال سكوت ليو المشرف المالي لبرنامج بلاس أن دوره لم يكن اصعب من
زملائه بالبرنامج وانه سعيد لأنه تمكن من إدارة الشئون المالية
للبرنامج بشكل يرضي احتياجات جميع الأطراف. وأضاف كذلك انه أعجب بمستوى
الطلبة المشاركين بالبرنامج وانه وجد متعة في التعامل معهم لأنهم
يمثلون صوت "الآخر" مضيفا انه قد درس بالقاهرة وانه مهتم جدا بالاحتكاك
بين مختلف الثقافات في العالم.
وقال راندل برجر احد المنسقين لبرنامج بلاس بولاية كاليفورنيا أن
دوره كمنسق ومدرس للغة الانجليزية لا يقتصر على تحضير الطلبة أكاديميا،
بل انه يقوم بتحضيرهم للدخول في المجتمع الأمريكي والاندماج مع زملائهم
من الطلبة الأمريكيين. وقد أضاف انه يعتبر نفسه محظوظا للمشاركة في
التنسيق لهذا البرنامج الذي اتاح له فرصة التعامل مع طلبة بخلفيات
ثقافية ودينية مختلفة وهي فرصة لا تتاح لكل الأمريكيين على حد قوله،
وأضاف أن طلبة بلاس قد ساعدوه على إثراء هذه التجربة لأن اغلبهم
يتكلمون الانجليزية بطلاقة.
أما توم كوب منسق ببرنامج بلاس في ولاية أوهايو فقد اكد على وجود
العديد من التحديات التي يواجهها طلبة برنامج بلاس حيث كان من الصعب
جدا ضمان تخرجهم خلال سنتين و"قد زاد في صعوبة هذا الموقف صعوبة الحصول
على الوثائق التي نحتاج إليها لاتخاذ هذا القرار" كما أضاف "في البداية
واجهنا العديد من المشاكل الخاصة بالسكن والطعام ولكن بالتعاون مع
الجامعة والصبر الذي أظهره الطلبة استطعنا أن نتغلب على هذه المشاكل.
ومن المشاكل الأخرى التي يواجهها الطلبة في برنامج بلاس انخفاض
رواتبهم مما يؤدي بكثير من الطلبة إلى الاقتراض من الآخرين أحيانا
لسد احتياجاتهم، ولكن كوب يؤكد على انه يعمل على مساعدة الطلبة وحل
مشاكلهم قدر المستطاع ويشير الى ان القائمين على البرنامج شهدوا تحسنا
كبيرا بين النصف الأول والنصف الثاني للسنة الدراسية إذ بدأ الطلبة في
الاندماج أكثر والمشاركة في الأنشطة الجامعية بشكل اكبر. |