(رافضة) الظلم والاستبداد أقوى من كل قوى الظلام

المحامي طالب الوحيلي

الحديث عن الارهاب في العراق يجر الى الحديث عن منظومة دولية ابتدأ التخطيط لها منذ الاحتلال السوفيتي لأفغانستان، الأمر الذي فرض على الطرف الآخر في الحرب الباردة إلى التفكير الجدي في استخدام الخيار السهل الذي يمكن أن يبعدها عن المواجهة الفعلية في ميادين قتال قد يكون الفائز فيه الأقرب إلى الطبيعة الجغرافية التي تسهل عليه الكثير من العقد اللوجستية.

لذا اتخذ خيار اللعب على الوتر العقائدي الذي بدا لاول وهلة صراع إيجابي من اجل تحرير تلك البلاد من عقيدة لا تنسجم مع واقع المجتمع الأفغاني الذي مازالت تغمره الطبيعة البدائية وتتحكم به الأعراف العشائرية اكثر من غيره من مجتمعات وسط آسيا، لذا انسحب السوفيت ليترك الصراع لنزاعات مذهبية تباينت بين الاعتدال والتشدد لينتهي المطاف بسيطرة الطالبان وما اتصف به من نزعات لا صلة لها بالإسلام لامن قريب او بعيد مما أدى إلي اعتباره والتنظيم الذي يحكمه قرينا بالإرهاب العالمي، فكان ذلك مبررا كافيا لتحرير أفغانستان من تلك الزمر البدائية، لكي تنتشر في الأرض بحثا عن مواطن لها لتعيث فيها الدمار والقتل وإرعاب الأبرياء واستهداف الفقراء تجويعا وقتلا،وافضل مرتع لتلك الضواري الجائعة هو وادي الرافدين عندما اقترن الارهاب الفعلي فيه بظهور البيانات الاولى للزرقاوي اذ استثمر بكل سهولة الطبيعة المنهزمة لبقايا النظام الصدامي الحاضن الاول للزرقاوي وبعض التنظيمات التي تنتمي لذات السنخية التي استقى منها ما يسمى بتنظيم قاعدة وادي الرافدين أيديولوجيا القتل والتكفير.

ولاشك ان أيتام النظام قد فقدوا الهيكلية التنظيمية اثر انهيار حزب البعث، وهم على استعداد لوضع أيديهم بأيدي أعداء الشعب من اجل حرمانه من نعمة الحرية التي لاحت في افق العراق الجريح، ساعين الى محاولة افغنة المجتمع المتآلف منذ الازل ولو بازالة اتباع اكبر مذهب ديني وهم الأغلبية المطلقة الذين شاءت صناديق الاقتراع إعلانهم الطائفة السائدة في البلاد،ولعل من اطلع على البيان الاول الذي نسب الى الزرقاوي يجد معظم مفردات خطابه لاتخرج عن هذا المنحى الظالم، الذي قسم الشعب الى روافض وكرد من جهة، وسنة (متقاعسين) عن مقاومة القوى المتصدية للعملية السياسية من جهة اخرى، وكان جل ذلك الخطاب التهكم على أبناء شعبنا ووصفه بأقذع الأوصاف مستثيرا، الحقد الطائفي لدى طائفة كان ينتسب اليها من حكم العراق ظلما وجورا ، وقد كان له ما أراد وبكل أسف لان ذلك الخطاب قد تفرد فعلا في إشعال ما لايقل خطرا عن حرب طائفية ضحيتها الأول الوئام الاجتماعي الذي لم يتاثر يوما باستبداد السلاطين.

 منذ البيان الأول للمقبور الزرقاوي ظهرت آراء عدة من خلال كتابات في عدة صحف عراقية او أحاديث لمحللين ومنظرين عراقيين وساسة بعضهم اليوم في قمة الهرم الحكومي للبلاد وعرب تعمدوا خلط الاوراق بشأن حقيقة ومدى وجوده الفعلي وما ينسب اليه من جرائم إرهابية بشعة تحت مسمى تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين، في الوقت الذي تتلاقف قنوات فضائية معينة ما يصدر عنه من ادعاءات وأكاذيب ودعوات جاهلية لمحاربة اتباع مذهب ال البيت عليهم السلام تحت عنوان الرافضة وظهوره البشع وهو يقوم بذبح الأبرياء، لاسيما موقف دولته الام التي تبرءات من جرائمه معلنة اكثر من حكم بإعدامه لما اقترفه من جرائم بحق أبناء جلدته، فإذا ما عم شّره على شعبه ان كان ينتمي له فعلا، فما بالك بالشعب العراقي الذي يستحيل ان يقبله اللهم الا من كان من شاكلته ممن يضمر الحقد والخيانة لماء وتراب واهل هذا الوطن.

حين يفجع الشعب العراقي بمجزرة هنا او هناك يذهب ضحيتها العشرات من الشهداء،ويعلن ذلك التنظيم مسؤوليته عنها،  ينكر دعاة(المقاومة الشريفة) انتمائهم للزرقاوي ويردون على ذلك بكونه شخصية وهمية صنعتها قوات الاحتلال في الوقت الذي يتهربون من إعلان براءتهم منه او تكفيره ليكونوا بذلك شركاء بجرائمه لان من رضي بعمل قوم اشرك بعملهم، لكن ظهور الزرقاوي على شاشات الفضائيات رغم ما عكسه من انكسار وضعف أمام قوة وصلابة اتباع مذهب اهل البيت(ع) وإصرارهم على قبر كل بوادر الفتنة الطائفية،  اسقط ورقة التوت عمن اختبأ وراء جرائم الإرهابيين ليضعهم وجها لوجه أمام حقيقة المؤامرة السياسية ضد أبناء الأغلبية البرلمانية ومرجعيتها الرشيدة التي كانت وستبقى منار الهدى والسلام حين أجهضت بحكمتها تلك المؤامرات واحتضنت جميع قوى الشعب العراقي ومدت يد الوفاق والمودة للنسيج العراقي على امتداد وادي الرافدين مما أوغر صدر هذا الدعي ومؤسسته المنهزمة في تكثيف جرائم القتل وتهجير الأسر الآمنة بقصد إحراج الحكومة العراقية بعد إشاعة الفوضى العارمة على الصعد المختلفة، مما يوجب على المسؤولين عن الملف الأمني استخدام القوة المفرطة وهو ما لا يسوغه مجتمع دولة القانون الفتية ودعواتها الصادقة في تحقيق الوفاق الوطني.

 ان هذه الهجمة من قبل الزرقاوي واشباهه هي دليل على هزيمته ومؤسسته امام كل مواطن عراقي شريف وامام الرأي العام العربي،ولعل قراءة لردود افعال مئات متصفحي موقع العربية نت التي نقلت مقتطفات من الحديث الذي نسب الى الزرقاوي تحت عنوان (هل أتاك حديث الرافضة) على شبكة الإنترنت خير مثال على الاستهجان والاستنكار للزرقاوي  لما دعى  فيه الى إثارة وإشاعة الفتنة في البلاد و الذي تعرض فيه بالإساءة الى مقام اكبر مرجعية في العراق والعالم الإسلامي ناهيك عن الطعن بجهاد اتباع ال البيت في تحرير جنوب لبنان وفي مواقفهم الجليلة من اجل تحرير الإنسان من ربقة الجهل والعبودية،وذلك مثال جديد يعكس تنامي الوعي بحقيقة القوى التي أرادت تخريب العراق..

وصدق الله سبحانه وتعالى وعده بعاقب الذين ظلموا آل محمد عليهم السلام واتباعهم (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون والعاقبة للمتقين)فقد عجل الله بنصر المؤمنين وانتصار الدماء الطاهرة التي أراقها هذا المسخ واتباعه على ارض وادي الرافدين منذ استشهاد المرجع السيد محمد باقر الحكيم عند الروضة الحيدرية في النجف مرورا بالمجازر الرهيبة التي استهدفت اتباع اهل البيت والابرياء من ابناء الرمادي والموصل والفلوجة وتلعفر وتفجيرات الروضة العسكرية وانتهاءا بالتصعيد المريع بالجرائم البشعة التي طالت مدن محافظة ديالى والتي اشارت بلجوء هذا الطاغية اليها بعد ان فتحت البيوت الذليلة له ولزمره الابواب دون حياء من دينها ان كانت مسلمة او من عروبتها وعراقيتها ان كانت كذلك، وتحولت منطقة هبهب فيها الى موقع معتاد للجثث الطاهرة للعراقيين بعد ان عبثت بها ايدي السفاحين الزرقاويين، من ذلك ذبحهم لعريس اختطفوه من حفل عرسه هو وابيه واخيه وبعض اقاربه، ليعثر عليهم في تلك المناطق وقد قطعت رؤوسهم، وتلك طبيعة الجرائم الزرقاوية.

واقول الزرقاوية نسبة الى مدينة الزرقاء الاردنية التي نكبت عن بكرة ابيها بمقتل ابنها البار سفاح (الرافضة)يشاركهم بذلك العديد من الاردنيين والفلسطينيين، الذين هم على الضد من المواقف الرائعة للملك عبد الله عاهل الاردن الذي يأمل منه الشعب العراقي ان يقطع دابر ومصادر الارهاب التي لاتنسجم مع طبيعة البلد المسالم والنازع الى التحرر من عقائد الحقد والكراهية، فيما يؤمل من جميع النظم العربية ان ترتقي الى مصاف المسؤولية في تجفيف منابع الارهاب..

وعودة الى مقتل الزرقاوي فتلك ليست بنهاية المطاف فقد فرخ هذا الدعي اكثر من زرقاوي، مادام له من لم يلعنه اويكفره من دعاة الدين والافتاء في العراق، كما ان معركة الشعب العراقي ضد الارهاب ينبغي ان تشهد تطورا باتجاه الحسم مادامت الاصوات العراقية قد توحدت في حكومة وطنية تستطيع ان تعلن الولاء للعراق وشعبه بعيدا عن المصالح الطائفية او المنافع الآنية،على وفق ماعقب به رئيس الوزراء المالكي من انذار نهائي للارهاب، مما يدعو الحكومة استثمار مقتل الزرقاوي بحزم ودون أي تراخ، في الوقت الذي يصر اتباع القاعدة على السير على النهج الذي اختطه لهم ذلك المقبور،والذين يمكن ان يحاولوا اثبات دورهم في التصعيد الارهابي واستمرار نزف الدم.

شبكة النبأ المعلوماتية-الاثنين    12/حزيران /2006 -14 /جمادي الاول/1427