تنميةٌ زائفة

مازن مرسول محمد

  في كل بقاع الارض وكما هو معلوم يوجد وينتشر البشر الذي وجِد ليعمر هذه الارض، ولكن بالمقابل هو يحتاج وبشكلٍ جدي وجوهري الى من يُعمر حياته ويقومها ويضعها على المسلك الصحيح والممنهج.

  فليس كل البشر حقيقةً بنفس القابليات العقلية والقدرات القادرة على اعمار الارض ونفوسهم. فهناك البسيط والمتوسط والمتمكن جداً من هذه الناحية.

  ولكن هل وصلت البشرية برمتها منذ نشأتها والى الآن الى تحقيق تنمية حقيقية تلائم ان تسمى ( تنمية )؟

  هل حققت شعارات مروجي التنمية قدراُ ولو بسيطاً في انقاذ الانسان من الهلاك الذي هو فيه الآن؟

  ربما ان لسان حال البشر يتكلم بوضوح، وربما تقول مؤتمرات التنمية وتقاريرها اننا حققنا جزءاً ولو يسيراً من تنمية الانسان.

  اذا كان الامر هو كذلك فعليهم ان لا يتكلموا بملء الفم ويقولوا ان التنمية البشرية في اوجها، فهي في اضعف حالاتها ولم تحقق الا نزراً بسيطاً لا يجدي نفعاً.

  اليوم تكاد ظاهرة او آفة الفقر تحط من مستوى النوع البشري، بل تحطم كل معنىً للحياة. فأعداد الفقراء وكمعلومات اكيدة في تزايدٍ فضيع وخطر للغاية. وعندما نتكلم عن تزايد الفقر قد لا نعني به فقر الحال والمال فقط وانما يشمل كل نواحي الحياة الانسانية.

  اذ ان الفقير بعد محنته وصراعه مع الحياة وعدم حصوله على المعيشة اللازمة، ممكن ان يدخل في دهاليز التخلف وعدم الوعي في كل شيء مجبوراً بآفة وداء الفقر ؛ الامر الذي يعوّق عمل انسان ممكن ان يشارك بجهدٍ خلاّق قي بناء نفسه ومجتمعه، الشيء الآخر هو ان الفقر ممكن ان يعطّل كل قابلية نحو التقدم والتطور والازدهار، فالذي لا يجد رغيف خبز يقيه الجوع الكافر، لا يفكر بمثل هكذا فنتازيا.

  فأين نحن من مقولة التنمية، واين صيحات تقارير التنمية البشرية في تقليل عازة الفقراء وقيعان الفقر المؤلمة؟

  ان المشكلة الخطيرة الاخرى، هي ان هناك علاقة عكسية بين التطور والتقدم الحاصل في العالم وبين ازدياد التخلف وعدم الوعي، الا يدفع هذا التطور البشرية نحو السمو والرقي؟

  اننا نلحظ ان المستويات العقلية البشرية كأنما تعود القهقرى، فما زالت تحبو في سلم الحضارة والتقدم.

  فأين تنمية البشر من ذلك كله؟

  ان ما يتم التركيز عليه الآن ليس جوهرياً بحد ذاته، فلا تُعالج المشكلة  بالمساس ببعض أجزاؤها الخارجية، وإنما بالمعالجة من الجذور والأساس.

  فكيف ندّعي بوجود تنمية بشرية والاضطرابات تعم العالم بلا هوادة من حروب ونزاعات وصراعات ومجاعات وفقر مدقع وإتلاف مقصود للثروة البشرية الموجودة؟

  الم تعمل الحروب الضروس القائمة الآن في اغلب بقاع العالم على تقزيم طاقات الانسان والحد من قدراته التي من الممكن لو فسح المجال له لطورها في خدمته والبشرية على حدٍ سواء.

  فلماذا لا تنادي مؤتمرات ومنتديات التنمية البشرية بالحد منها و القضاء عليها بشكلٍ حقيقي، حتى لا يقع الانسان بعد نتائج هذه الحروب قي الفقر والعوز والتخلف والعوق بكافة انواعه؟

  الم تؤدي النزاعات والصراعات على مختلف مشاربها الى تاخر وانحطاط الانسان، فأين من ينادي بالتنمية من ايقافها؟

  ان المسألة باتت ليس فقط توفير لقمة للعيش، وان توفرت بما يضمن الكرامة الانسانية فجزيل الشكر، وانما يجب ان يرافقها وعي بالانسان نفسه، ذلك الانسان المقهور، وتنمية عقليته لبناء نفسه بدءاً من اسرته وانتهاءً بالمجتمع الاكبر.

  لذا يجب على دعاة التنمية ان ينظروا الى الانسان نظرة مجهرية ومن اعلى لتشخيص ما يجب تنميته عند ذلك الانسان وما يجب العمل به.

  فأطلاق الشعارات البراقة ممكن ولا يوجد اسهل منه، ونعتقد ان التحقيق ممكن ان يكون سهلاً بالتصميم الصادق الجاد وليس المتأتي من الحرفنة الكلامية.

  وعليه فالتنمية البشرية ستبقى حبراً على ورق ولم تصل الى الدرجة التي تستحق هذا اللفظ، الا عندما تنخفض نسب المعاناة الانسانية من كل النواحي ولفترات طويلة، حتى يصبح من الممكن الانتقال الى مراحل اخرى من التنمية والتفكير جدياً بما يسمى بالتنمية البشرية المستدامة التي نخشى انها لن ولم تتحقق يوماً للبشرية على هذه ألارض.       

شبكة النبأ المعلوماتية-الثلاثاء  6/حزيران /2006 -8/جمادي الاول/1427