العراق بلاد  ابو الذرعة " !!

محمد الوادي

وقفنا مع العملية السياسية في العراق ومازلنا، دافعنا عنها من خلال الكتابة في الصحف والمجلات والمواقع الالكترونية وايضا من خلال البرامج التلفزيونية والمؤتمرات التي نشارك فيها، كل هذا لم ياتي من فراغ بل لاننا نؤمن ان العراق وبعد هذه العقود الطويلة من الظلم المزمن لابد ان يمر بمرحلة عسيرة حتى يصل الى بر الامان وان اهله الكرام الطيبين يستحقون الحياة الكريمة الهادئة.

 ولم تكن مواقفنا هذه تمر دون ان ندفع الثمن من بعض الجهات العربية والعراقية التي اتخذت مواقف اتجاهنا شديدة الغرابة من خلال محاولة المساومة على الحرف والكلمة التي نكتبها ونقولها دفاعا عن العراق . حتى وصلت الحالة عند البعض ان يرسل لنا الرسائل والاميلات التي تحمل الشتائم الدنيئة والخسيسة التي لاتستحق الذكر لاهي ولااصحابها .

 وكنا نقول ومازلنا  عندما نقف مع العملية السياسية ورموزها المعروفة فذلك لايعني صك على بياض لهذه الرموز الجديدة في العراق، لاننا في الاخير لاندعم اشخاص واسماء معينة بقدر ما ندعم العملية السياسية العراقية.

ومما يساعدنا في موقفنا الحر هذا, هو عدم انتمائنا الى اي جهة او حزب سياسي رغم محاولة البعض معنا.

لذلك الان وبعد تشكيل الحكومة وانعقاد البرلمان ارى انه من الواجب بل والشرف الكبير ان نتابع حلقات الارهاب بقدر متابعتنا لحلقات الفساد الاداري الموجود في ادارات الدولة العراقية الجديدة، لان حسب فهمي  الفئتين الفساد والارهاب يشتركون بذبح العراقيين يوميا كلا على طريقته الاجرامية الخاصة به .

العراق بلاد الرافدين .. والاشارة الى الرافدين العظمين دجلة والفرات هي ليس حالة انشائية او سطحية عابرة، بل لان كل خير ورفاه وامن العراقيين ارتبط تاريخيا وجغرافيا بهذه التسمية المميزة والجميلة . واليوم وقد  وصلت الذروة بالعراقيين الى فقدان كل امنهم ورفاههم المفقود من زمان طويل اصلا . فانه تسمية مثل بلاد الرافدين بما تحمل من معاني للخير والامان اتصور يجب ان تركن جانبا مع الاقرار بحجم الالم الذي يعتصر القلب وانا اردد ذلك . لكن هذا واقع يجب التعامل معه بواقعية وجدية تحاكي الموجود فعلا على الارض وليس مانتمناه لبلدنا . فلاخير ولابركة تاتي مع الدماء التي تتوسط شوارع بغداد كل يوم وجثث مجهولة الهوية وقد فصلت رؤوس بعضها ولاامان مع الالاف من العوائل المهجرة قسرا من ديارها ليخلفوا ورائهم الدار والحلال والاحبة والذكريات ترافقها الحسرة والالام على دولة مازلت عاجزة ليس بمنع الارهابين من تفجير القنابل وسط الابرياء فحسب بل وفي حماية المواطن وهو جالس في داره، وطبعا هذه الحالات لاتتحملها حكومة السيد المالكي التي يضع العراقيين عليها الكثير من امالهم المفقودة الحكومة. لم تكتمل حتى هذه اللحظة بغياب تعين اشخاص لاهم وزارت امنية ودفاعية مختصة بامن المواطن وحياته التي اصبحت ارخص الاشياء في العراق. هذه الحالة تتحملها كل الوزارت السابقة بدون استثناء، والاهم انها تتحمل السرقات والاختلاسات الكارثية التي حدثت خلال ثلاث سنوات من تاريخ سقوط الصنم . فهل يعقل ان نفط العراقيين حتى هذه اللحظة يباع بطريقة الذرعة بالمتر !! في وقت ان سعر العدادت القياسية المتبعة في كل دول العالم سعرها لايصل لسعر " الفله " او البيت الذي اشتراه احد فطاحل السرقة الجدد في عراق اليوم في الامارات العربية المتحدة قبل اسبوعين ، رغم  للامانة  ان الرجل لم يسجله باسمه الشخصي !!

وايضا هل يعرف العراقيين ان نفطهم يباع كل يوم بسعر " تراجعي " اكرر نعم كل يوم بمعنى اذا سعر برميل النفط اليوم خمسة وسبعين دولار وامس كان بسعر سبعين دولار فانه يباع اليوم بسعر الامس والنسبة محفوظة وتحول فورا الى بنوك عربية وبعضها هنا في اوربا !! هذا طبعا ناهيك عن النفط المسروق يوميا بدون رقيب او حسيب ومن كل الاتجاهات والبوابات الشمالية والغربية والجنوبية . والسؤال الاكثر الحاحا ان مفتش وزارة النفط العراقية اعلن عن وجود اختلاسات مالية تصل الى حد المليار شهريا في وزارة النفط !! لكن ومع ذلك لم نشاهد او نسمع مسؤول قديم او جديد في حكومة سابقة او حالية طالب بفتح تحقيق في الموضوع !! بل ان بعض اعضاء البرلمان العراقي الجديد يتصرفون وكان الامر لايعنيهم ومازالوا حتى هذه الحظة يضعون الاسس المتفق عليها لتقسيم اموال العراقيين المسروقة تحت بند في الدستور  وبشكل قانوني والتي تصل الى اكثر من خمسة وسبعين مليون دولار التي هي تخصيصات البرلمان العراقي لفترة الستة الاشهر القادمة فقط !! تحت مسميات عديدة مثل ثلاثين شخص حماية او شقق لهم ولعوائلهم وسيارات مدرعة وبيوت في المنطقة الخضراء ناهيك عن الايفادات التي بدا البعض يحضر اوراقه هذه الايام لممارستها . وايضا جادت بعض القوائم بالمطالبة بمائة الف دولار لكل عضو كمنحة .

 والمفارقة ان هذه الامور تجري بشكل علني دون ادنى خجل او تردد او حتى خوف من حساب او قانون،لقد اصبح البعض الكثير يتعامل مع ثروات العراقيين التي حرموا منها وكانها بقايا ارث عائلي !! او كانها اموال مسروقة وهو احد الحرامية الجدد في عراق اليوم الذي لابد ان ياخذ حصته منها، وليذهب بعد ذلك العراقيين والعراق الى مستنقع الجوع والهاوية . لقد ثلمت كرامة الانسان العراقي اكثر ممايتصوره العقل البشري واصبح ابن العراق هو الجائع والمشرد والمهجر والمهدد والمحتاج في بلده، وفيما سعر برميل النفط العالمي وصل الى حدود الخمسة وسبعين دولار مازال ابن البصرة يبحث عن فرصة عمل شريفة في وقت ان ميناء ونفط العراق كله يخرج من تحت اقدامه الحافيه ويشرب الماء المالح والرافدين العظمين يلتقيان على ارضه الطيبة وابن ميسان ينام الليل ويتمنى ان لايصحوا صباحا تهربا من الضيم المزمن الذي يقع عليه كل يوم خاصة وهو يتجرع الطين مع كل شربة ماء وابن الناصرية حتى هذه اللحظة يبحث عن مستشفى او مستوصف صحي يليق بهذه المحافظة الكريمة وابن السماوة مازال يحلم بجامعة وكليات علمية تمحوا على الاقل جزء من ظلم تاريخي تعرض له وليس بعيد عن ذلك ابن الكوت والحلة ومدينة الصدر ومدينة الصدرين الشعلة اما مدينة بعقوبة فهي كل يوم تتعرض لمحاولة تشويه لوجهها  وتكوينها الحقيقي على يد الارهابين الاوجاس والنجف الاشرف وكربلاء المقدسة والكاظمية الشريفة لولا وجود هذه المراقد المطهرة لامير المؤمنين وسيد الشهداء واخيه العباس وموسى بن جعفر لكان فعلا اصبحت هذه المدن الحواضر وكانها هباء منثور اما سامراء المتشرفة بمرقدي الامامين الهادي والعسكري فهي مازالت تئن ليل نهار لتلك الجريمة الشنيعة الجبانة النكراء . فهل هذه احلام المجانيين ام هي حق انساني وقانوني وحتى سماوي فلماذا هذا الظلم المستمر على هذه المحافظات المظلومة مع العلم ان كل ومعظم ثروات العراق تخرج من تحت اقدامهم وهل يلومهم احد على تصرف او تحرك يصدر منهم قد يراه البعض مفاجئا ويحسبه العقل منطقيا، ففي الوقت الذي من الممكن مشاهدة درجة فقر الدم التي يعاني منها اطفال الجنوب وعوزهم، في هذا الوقت نفسه يسرق نفطهم بطريقة مفضوحة تسمى " الذرعة " واضافة الى ذلك يسرق فقط من وزارة النفط شهريا مليار دولار، وماخفي كان اعظم، رغم ان الحرامية الجدد يتوهمون اذا ظنوا ان شيئا ممكن ان يخفى في عراق اليوم حتى ولو بعد حين .

 بالذرعة او بدون هذه الذرعة الخسيسة والعار بحق كل سياسي عراقي يمارس دور الشيطان الاخرس الساكت على الحق .

 al-wadi@hotmail.com

شبكة النبأ المعلوماتية-الاثنين  5/حزيران /2006 -7/جمادي الاول/1427