تؤكد هذه النظرية على تجارب وخبرات الأنسان والمشكلات التي
تواجهه في حياته اليومية. وقد ظهرت كردة فعل على هيمنة وسيطرة نظرية
التحليل النفسي والنظرية السلوكية منذ بدايات القرن الماضي على نظريات
الشخصية، اذ تؤكد نظرية التحليل النفسي على الجانب اللاشعوري من حياة
الانسان في الارشاد والعلاج النفسي، بما يحويه من خبرات مؤلمة او سارة
وعقد تكونت خلال مراحل الحياة السابقة له، وتعده المنطلق الاساس في
العلاج، بينما اكدت النظرية السلوكية على المثيرات والاستجابات لها وما
يرافق ذلك من عمليات تعلم غير صحيحة تؤدي الى ظهور مظاهر سلوكية غير
مرغوبة تحتاج الى معالجة شعورية من اجل تعديل السلوك وابداله بسلوكيات
مرغوبة. فاختلفت النظرية الانسانية عن نظرية التحليل النفسي في اساس هو
ان الانسان خير بطبعه، بينما اختلفت عن النظرية السلوكيةفي اساس ان
السلوك الانساني واعي وعقلي وليس سلوكا آليا، فكانت النظرية الأنسانية
وفقا لذلك فكرا ونهجا جديدا يختلف في اسسه الفلسفية عن فكري النظريتين
العتيدتين.
من اشهر منظري هذه النظرية هما كارل روجرز 1902-1987 و
ابراهام ماسلو1908-1970 الذي اهتم في دراساته بالافراد الذين يعملون في
مجالات حياتيه مختلفة ويعانون من مشكلات نتيجة لهذا العمل. كما حرص في
دراسات اخرى على دراسة الشخصيات المشهورة والمبدعة، وذلك لمعرفة
الكيفية التي يحققون بها الانجازات في مجالات اعمالهم. ومن خلال جملة
الدراسات التي اجراها توصل الى ان الذي يتحكم او الذي يلعب الدور
الاساسي هو السعي لتحقيق الذات Self- actualization. اذ يرى ماسلو ان
الشخص الذي يحقق ذاته هو الشخص الذي لديه دافع للابداع واستخدام جميع
امكانياته في عمله او مهنته او وظيفته.
ويتفق معه على ذلك كارل روجرز، الذي يرى ان الأنسان لديه دافع فطري
لتحقيق ذاته، وان الفشل او الاحباطات التي تعترض طريق تحقيق ذاته هو
الذي يؤدي الى ظهور الاعراض او المشكلات المرضية لديه.
يرى اصحاب النظرية الانسانية من القدماء والمحدثين ان حل
المشكلات والاستبصار باسبابها والكيفية التي يمكن من خلالها الوصول الى
حلول او معالجات يعتمد بشكل رئيس على العميل Client او المسترشد، فهو
الذي يضع الحلول لمشكلاته عندما يصل الى مرحلة الأستبصار باسبابها،
لذلك تسمى الطريقة العلاجية او الأرشادية لديهم بالارشاد المتمركز حول
العميل Clint-centered therapy or counseling.
تؤكد النظرية الأنسانية في العملية الأرشادية على سعي
المرشد الى الارتقاء بالمسترشد كي يحقق ذاته في اي مجال من مجالات
الحياة. فاذا تمكن او بلغ هذا المستوى من الانجاز في العلاقة الارشادية
بين المرشد والمسترشد، فان شعور المرشد سيتمركز او يتمحور حول تحقيق
هذا الهدف، اي بمعنى اخر يعد نقطة الشروع في تحقيق الذات، والتي سيكون
لها معنى وليست روتينية او هامشية، ومن ثم يشعر بالراحة والسعادة
والرضى عن النفس، على الرغم من ذلك يجب على المرشد ان يوضح جميع
الامكانيات والظروف التي يمكن له ان يستخدمها للتغلب على المشكلات او
الاحباطات التي تعترض سير تحقيقه لذاته. ويمكن ان تكون عملية التوضح في
ستراتيجية تحقيق الذات تتبع المتطلبات الآتية:
1- امتلاك الرغبة في التغيير.
2- اختبار الدوافع والتأكد منها.
3- الاختبار الصادق والصريح وبطرق مباشرة للحاجات او الرغبات.
4- الاستعداد لتحمل المسؤوليات وعدم التهرب منها.
5- استخدام وتوظيف التجارب الايجابية في الحياة.
6- الأستعداد النفسي لتقبل التغيير.
7- المرونة في تقبل الأفكار المخالفة.
8- تقويم التقدم الحاصل بشكل مستمر ومتواصل.
تعني هذه المتطلبات ان الارشاد عند الانسانيين يستهدف مساعدة
العميل او المسترشد على النمو النفسي السوي، ومحاولة لاحداث التطابق
بين الذات الواقعية والذات المدركة (الذات عند الفرد كما يدركها هو)
ومفهوم الذات للفرد كما يدركها الاخرون فيه. ويعني ايضا ان الارشاد
يركز على محاولة تغيير الذات للفرد كي تكون متطابقة مع الواقع، او
تحويل الذات المثالية عند الفرد (مثاليات الفرد في الحياة) الى ذات
واقعية (واقع الفرد كما هو عليه في الحياة). فاذا حصل هذا التحويل، حدث
التوافق لدى الفرد، وهو دلالة على الصحة النفسية.
تنقسم الطريقة الارشادية وفقاً للنظرية الانسانية على قسمين:
الاول هو التلقائية Spontaneity، وهي جعل العميل او المسترشد يستبصر
بالامور والمشكلات التي يعاني منها، والتي من خلالها تظهر له نتيجة
مفهومه عن ذاته ومفهوم الاخرين عنه، ومن خلال هذا الاستبصار Insight يلمس
مدى الاختلاف بين مفهوم ذاته وممارساته الفعلية وخبراته. والثاني هو
التعاطف Empathy الذي يعني تلقي العميل او المسترشد التشجيع على
الاستمرار في الجلسات الارشادية والقبول، ويعني هنا القبول، تقبل
المرشد للمسترشد بكل عيوبه وسيئاته فضلا عن استشفاف مشاعر العميل او
المرشد لحظة بلحظة ومشاركته فيها، واحساسه بالاهتمام في حل مشكلته.
كي يصل العميل او المسترشد الى مرحلة الاستبصار باسباب مشكلته،
فانه يحاول ان يفهم ذاته الحقيقية، ويتقرب في التعرف عليهااثناءالجلسات
الارشادية من خلال الامكانيات والقدرات والظروف التي يتحدث عنها في
الجلسات الارشادية، لان المشكلة ببساطة حسب ما تراه هذه النظرية هو
الصراع بين تحقيق الذات (بوصفها حاجة غريزية) و التحقيق الايجابي للذات
(اي تحقيق الذات وفقاً للمعايير الاجتماعية والاخلاقية السائدة في
المجتمع).
يمكن ان نستخلص من توظيف النظرية الانسانية في العملية
الارشادية ان مسارها يتخذ الخطوات الآتية:-
1- العلاقة الارشادية بين المرشد والمسترشد يسودها جو التعاطف
والتقبل للمسترشد كما هو.
2- يحاول المرشد ان يعطي التوضيحات والتفسيرات ويجيب على اسئلة
المسترشد المباشرة اثناء سير العملية الارشادية بصورة هادئة ومناسبة،
مع تعزيز المسترشد ورفع معنوياته بشكل متواصل على انه قادر على حل
مشكلته، لكن بشرط ان لايعطيه حلول جاهزة، بل يترك امر الوصول الى حل
المشكلة للمسترشد نفسه (يحل مشكلته بنفسه بعد الوصول الى مرحلة
الاستبصار باسبابها).
3- بعد مرور عدة جلسات ارشادية، يحاول المرشد ان يعطي تأويلات
لمشاعر المسترشد المتدفقة لاسيما المشاعر الهائمة او المكبوته، على
الرغم من ان المسترشد يحاول ان يخفي بعض هذه المشاعر، لكن على المرشد
ان لايهتم بذلك تاركاً المجال لزيادة الثقة والاطمئنان بالعلاقة
الرشادية والمرشد ان تمكن المسترشد من البوح والكشف عن اسرار او خفايا
ادق عن اسباب المشكلة، وهو كثيرا ما يحث بعد مرور عدة جلسات ارشادية
والتزام المرشد بمتطلبات العملية الارشادية وشعور المسترشد ان الهدف
العام للعملية الارشادية هو الحل الجدي لمشكلته.
4- لابد في نهاية الجلسات الارشادية مهما كان عددها من اجراء
تقويم شامل لسير العملية الارشادية (يقوم بها المرشد نفسه او بينه وبين
المسترشد مباشرة) لرؤية مدى التطور او التغيير الحاصل على مفهوم الذات
لدى المسترشد، فضلا عن معرفة الرؤية المستقبلية التي تكونت لدى
المسترشد عن تحقيق ذاته. |