الولادة المباركة لبطلة كربلاء (ع)

محمد العرادي

لقد خلق الله سبحانه وتعالى البشر في هذا العالم الكبير وأحسن خلقهم وزودهم بالفطرة التي من خلالها يصل الإنسان إلى الحقيقة فهي بمثابة السراج المضيء في بيتاً مظلم فهم ينطلقون من فطرتهم إلى كل ما هو حق ونبذ كل ما هو باطل وكل إنسان وحسب طاقاته المعنوية التي أودعها الله سبحانه وتعالى فيه.

 فالله لم يخلقهم على مستوى واحد من العلم فهناك العلماء وهناك الجهلاء وهناك ما دون ذلك وصدق أمير المؤمنين عليه السلام حيث قال ((الناس ثلاثة عالم رباني ومتعلم على سبيل نجاة وهمج رعاع إتباع كل ناعق)) والعظمة ملكة من الله سبحانه وتعالى أودعها في أناس هم صفوته من خلقه لا يسبقهم السابق ولا يلحقهم اللاحق وصفوته من خلقه هم محمد وآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين الذين هم القرآن الناطق وعدل القران لا يفترقون عنه ولا يفترق عنهم قال الرسول الأعظم ((إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي)).(1)

 فهم والقرآن في خطً واحد ومسيرة واحده يجمعهم الهدف والمنهج ومن هذا البيت الطاهر الكريم ظهرت العظمة والعظماء ليشعوا على العالم النور والضياء وشخصيتنا مدار البحث ليست بالشخصية العادية فهي وليدة هذا البيت الكريم المحتد...

حقيقة يخذلني قلمي عن إدراك عظمة هذه الشخصية عقيلة الهاشميين السيدة الحوراء زينب عليها السلام إني لاقف متحيرا لا ادري من أين ابدأ وفيما انتهي وماذا أقول عنها حقاً هي شخصية لا تدرك جوانبها.

أأقول عنها هي الصحابية الجليلة أم أقول عنها إنها سيدة نساء عصرها، (2) أم أقول إنها الشخصية الثورية التي هزت عروش الظالمين حقاً الباحث التاريخي ليعجز عن إدراك وسمو وعلو شأنها عليها السلام......

ولكن لا بأس بالمحاولة لسبر غور هذه الشخصية العظيمة فكما يقال ((ما لا يدرك كله لا يترك جله)).

الولادة المباركة:

لقد كانت السنة السادسة من الهجرة سنة الخير والبركة والضياء على البيت العلوي الفاطمي الطاهر وكيف لا وهو يستقبل الطفل الثالث المبارك ألا وهي البنت الأولى للإمام أمير المؤمنين عليه أفضل الصلاة والسلام.....

فقد كانت ولادتها عليها السلام في اليوم الخامس من شهر جمادى الأولى في السنة السادسة للهجرة، لتولد في بيتاً من أطهر بيوتات الإسلام والعرب  لأبوين من أطهر البشر وجداً من اطهر الجدود وخاتم المرسلين عليه وعلى آله أفضل الصلاة والتسليم ولأخين هما سيدا شباب أهل الجنة، حقاً أنها لمفخرة ما بعدها مفخرة.

وليدة أبكت سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم:

ما أن نظر الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم إلى وجه هذه الوليدة المباركة إلا واخذ البكاء منه كل مأخذ ؟؟

فحينما اخبر الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله بولادة السيدة الطاهرة زينب عليها السلام أتى منزل ابنته سيدة نساء العالمين الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام وقال يا بنتي أتيني ببنتك المولودة.

فلما أحضرتها أخذها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وضمها إلى صدره الشريف ووضع خده على خدها فبكى بكاء شديداً عالياً وسالت دموعه على خديه.

فقالت فاطمة عليها السلام مم بكاؤك !!

لا ابكى الله عينيك يا أبتاه ؟

فقال يا بنتاه يا فاطمة، أن هذه البنت ستبتلى ببلايا وترد عليها مصائب شتى ورزايا أدهى. (3)

أسمها وكنيتها:

لقد جاء القول في اسمها عليها السلام على قولين:

القول الأول: إن زينب هو كلمة مركبة من ((زين)) و((أب)) (4)

القول الثاني: إن اسم زينب ليس مركب وإنما هو اسم لشجرة أو وردة (5)

أما كنيتها عليها السلام فهو أم كلثوم وأم الحسن (6)

تسمية مصدرها السماء:

يالها من مفخرة عظيمة ان يسمى الوالد ابنه باسم يفتخر به حيث ان هذا من حق الولد على الوالد ان يحسن تسميته كما جاء في رسالة الحقوق للإمام علي بن الحسين زين العابدين عليهم الصلاة والسلام، ولكن ما بالك بمن تأتي تسميتها من السماء من الله جل جلاله فقد ورد في الأثر ان جبرائيل نزل بعد ولادة العقيلة عليها السلام على النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ عليه السلام من الله الجليل وقال سم هذه المولودة زينب (7).

زينب والعهد الرسالي:

بلا شك ان للسيدة العقيلة عليها السلام وجود قوي في العهد الرسالي وكيف لا وهي جزء لا يتجزأ وكيان لا ينفصل عن هذا البيت العظيم، وسوف أتناول بشكل مختصر علاقتها عليها السلام بالرسالة المحمدية صلى الله عليه وآله وسلم وامتداداتها المتمثلة في أمها البتول سيدة نساء العالمين على الصلاة والسلام وأبوها أمير المؤمنين عليه أفضل الصلاة والتسليم وأخواها سيدا شباب أهل الجنة وذلك من خلال النقاط التالية:

العقيلة وجدها المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم:

لقد كانت العقيلة زينب عليها السلام تعاين الجو المحزن الذي خلفه فقدان العالم لجدها المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بشكل عام وحزن أمها وأبوها وأخواها بشكل خاص، فحين أنتقل الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم لجوار ربه كانت عليها السلام في الخامسة من عمرها الشريف ولابد إنها عاشت خمس سنين مع جدها الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ونالها ما نالها من العطف والحنان الذي كان صلوات الله عليه وعلى آله يفيضه على أحفاده حيث لم يكن هناك رجل يحب أحفاده بمثل رسول الإسلام والإنسانية ومعلم الأجيال صلى الله عليه وآله وسلم.

واذكر هنا حادثة تدل على التناغم والتفاعل بين السيدة زينب عليها السلام وجدها الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله حيث جاءت عليها السلام لجدها لتروي له رؤيا مخيفة رأتها وهي في عمر الطفولة، فحدثت بذلك جدها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

فقالت: يا جداه رأيت البارحة أن ريحاً عاصفة قد انبعثت فاسودت الدنيا وما فيها وأظلمت السماء، وحركتني الرياح من جانب إلى جانب، فرأيت شجرة عظيمة فتمسكت بها لكي أسلم من شدة الريح العاصفة، وإذا بالرياح قد قلعت الشجرة من مكانها وألقتها على الأرض !

ثم تمسكت بغصن قوي من أغصان تلك الشجرة فكسرتها الرياح، فتعلقت بغصن آخر فكسرتها الريح العاصفة،!!

فتمسكت بغصن آخر وغصن رابع، ثم استيقظت من نومي !

وحينما سمع رسول الله منها هذه الرؤيا بكى وقال: أما الشجرة فهو جدك، وأما الغصنان الكبيران فهما أمك وأباك، وأما الغصنان الآخران فأخواك الحسنان، تسود الدنيا لفقدهم، وتلبسين لباس المصيبة والحداد في رزيتهم (8)

العقيلة وأمها البتول سيدة نساء العالمين عليها السلام:

الأم وما إدراك ما الأم إنها مصدر العطف والحنان وهي الصدر الحنون الدافئ التي تلجأ له البنت في شدتها ورخائها فهي مصدر الحب والعاطفة الكبيرة والبنت بطبيعتها تميل للعاطفة أكثر من كل شيء، وكيف إذا عرفت ان هذه الأم هي أعظم سيدة في العالم وسيدة نساء العالمين وحبيبة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأم أبها كما وصفها صلوت الله عليه وعلى آله وقرة عينه وثمرة فؤاده فقد عاشت السيدة زينب عليها السلام كل المحن التي عاشتها أمها سيدة نساء العالمين بدأً من فقدان جدها الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ومروراً بهجوم المنحرفين على البيت الطاهر وكسر أضلاع أمها الطاهرة عليها الصلاة والسلام إلى ان سقط أخوها المحسن قتيلاً بيد مجرمي التاريخ لعنهم الله إلى ان روت عن أمها الخطبة الشريفة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك المسجد الذي استولوا عليها المفسدون في الأرض، لقد عاشت سلام الله عليها كل هذه المحن إلى ان استشهدت أمها الطاهرة على يد اللعناء الحاقدون فلعن الله من ظلمكم إلى يوم الدين.

العقيلة ووالدها أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام:

لم يبق لهذه السيدة الطاهرة سلام الله عليها بعد فقد جدها وأمها إلا أبوها أمير المؤمنين سيد الوصيين صلوات الله عليه وأخواها سيدا شباب الجنة الحسنان عليهم الصلاة والسلام، فقد عشت سلام الله عليها وعاصرت الأحداث التي مرت بأبيها صلوات الله عليه بكل جوانبها من وقعة الجمل إلى صفين إلى النهروان لقد عاشتها بكل أبعادها، لقد عاشت الآلام والمحن وهي ترى والدها صلوات الله عليه والجبناء يتكالبون عليه وعاينت الضعف العام في أهل الكوفة الذي وصفهم والدها أمير المؤمنين صلوات الله عليه بأشباه الرجال ولا رجال (9) ولم تكن تدري سلام الله عليها ما يخبأ لها القدر من محن تزيدها ألم على ألم، فسرعان ما فقدت والدها في يوم كئيب حزين على يد أشقى الأشقياء ولكنها هي الصامدة الصابرة وهي تعلم وتعي جيداً قول جدها الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله ((ما منا إلا مسموم أو مقتول)) لكي الله يا سيدة الصابرين.

العقيلة واخاها الحسن المجتبى عليه الصلاة والسلام:

إن الإمامة لم تنقطع باستشهاد أمير المؤمنين على الصلاة والسلام فهي سلسة متصلة ابتداء من الإمام على عليه الصلاة والسلام الوصي الشرعي بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وانتهاء بالخلف الحجة الإمام المنتظر عليه السلام وعجل الله فرجه ياكريم، وعلى هذه القاعدة الإلهية أصبحت السيدة زينب عليها السلام تنظر لأخيها الإمام الحسن عليه الصلاة والسلام بمنظورالاخ الأكبر ومنظور الإمام المعصوم المفترض الطاعة، ولا ننسى موقفها الحزين عندما حضرت سيدنا ومولانا الإمام الحسن صلوات الله عليه الوفاة ((صاحت زينب عليها السلام: وأخاه ! وأحسناه ! واقلة ناصراها يا أخي من ألوذ به بعدك ؟!

وحزني عليك لا ينقطع طول عمري: ثم بكت على أخيها وهي تلثم خديه وتتمرغ عليه، وتبكي عليه طويلاً)) (10)

العقيلة وأخاها الإمام الحسين الشهيد صلوات الله عليه:

لقد كانت العلاقة بين السيدة زينب عليها السلام وأخوها الإمام الحسين الشهيد عليه الصلاة والسلام علاقة متميزة قوامها الحب والاحترام والود والتعاطف حيث إنها لم تقدر على ان تفارقه في حياته وحتى بعد استشهاده عليه الصلاة والسلام وهي عليها السلام تعرف جيداً مكانة أخاها عند جدها وعند الله فهو الإمام المعصوم المفترض الطاعة، وسيدتنا سلام الله عليها لم تستطع ان تفارقه حتى في كربلاء ظلت عون لأخيها سلام الله عليه وظلت إلى جنبه حتى بعد استشهاده عليه الصلاة والسلام صابرة محتسبة تصلي على جسده الطاهر وقد غسلته الدماء الطاهرات وهي ترفع يداها بالدعاء وتقول يارب تقبل منا هذا القربان فأي صبر صبرك يا سيدتي.

نهاية المسيرة الطاهرة:

توفيت السيدة زينب عليها السلام واختلف في تحديد يوم وفاتها عند المؤرخين ولكن أشهر الاقول إنها توفيت سلام الله عليها يوم الأحد مساء الخامس عشر من شهر رجب سنة 62 للهجرة (11) لتدفن في الشام، لقد رحلت السيدة العقيلة عليها السلام لتلحق بآبائها الطاهرين وبخمسة أصحاب الكساء الذين طهرهم الله تطهيرا، لقد رحلت عن هذه الدنيا الدنية بعد ان عاشت البطولة بكل أبعادها ولتسجل اسمها البطولي في التاريخ بأحرف من نور، وأصبحت مشعل النور الذي يضيء دروب الثائرين في وجوه الظلم والظالمين، فسلام عليك يا سيدتي يوم ولدتي ويوم توفيتي ويوم تبعثين لمحاسبة من ظلموك وظلموا جدك وأمك وأباك وأخواك صلوات الله عليهم اجمعين.

الهوامش:

1) شرح النهج لأبن أبي الحديد المعتزلي

2) لان سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين لم تثبت إلا لأمها الزهراء صلوات الله عليها.

3) زينب الكبرى من المهد إلى اللحد ((السيد محمد كاظم القزويني))

4) القاموس المحيط ((الفيروزآبادي))

5) لسان العرب

6) تحفة العالم في شرح خطبة المعالم ((السيد جعفر بحر العلوم))

7) زينب الكبرى ((جعفر النقدي))

8) نفس المصدر

9) نهج البلاغة

10) معالي السبطين ((المازندراني))

11) أخبار الزينبات ((العبيدلي))

alaradimohd@hotmail.com

 

شبكة النبأ المعلوماتية-الجمعه 2/ حزيران /2006 -4/جمادي الاول/1427