معرض القاهرة للكتابِِ كتب بلا قراء: العرب هزموا في 67 لأنهم لا يقرأون

أصبح في حكم المؤكد أن هناك تراجعا في معدل الإقبال على القراءة، خاصة لدى الشباب، ولعلنا ندرك بشكل بديهي أن الميديا، بكل ما تمتلكه من تنوع ويسر وانتشار، هي المنافس الأول للقراءة التي تحتاج إلى العديد من المقومات، حسب ما يقول الناقد والروائي سيد البحراوي، أهمها المال والرغبة والقدرة، ومن يمتلكون هذه المقومات أصبحوا قلة لا تتجاوز الواحد في المليون حسب تقديره، لكن هل الإعلام والسينما والتلفزيون والنت والفيديو كليب هي وحدها المسؤولة عن تراجع المصدر الحقيقي للثقافة القائمة على إعمال العقل واستنهاض مقوماته الفكرية، أم أن هناك أسبابا أخرى جعلت الشباب يكتفي بالسماع والمشاهدة من دون رغبة أو قدرة على تمضية ساعة بين سطور كتاب للتعرف على فكر صاحبه وعالمه وما يطرح من قضايا ؟ يقول البحراوي في تقرير نشرته القبس:

أثرت الميديا بشكل مباشر كواحد من حلول ملء الفراغ الذي يعنيه الشاب، والنت هو الوسيلة العبقرية التي وفرت لهم كل شيء ما عدا حب القراءة، وذلك لأن منظومة التربية والتعليم ضد هذه الفكرة، فالمنطق الذي يتعامل به التعليم مع الكتاب كان مصدر كراهية هؤلاء الشباب للقراءة، فقد صوروا لهم الكتاب على أنه عبء على التلميذ.

 أضف إلى ذلك طريقة إعداد الكتاب وتقديم المدرس له على اعتبار أنه وثيقة ينبغي حفظها لصبها على صفحة الإجابة، منهج التلقين هو السبب الأول في انحسار موجة القراءة لدى الشباب، ولو انهم دربوهم على استعمال العقل وإعماله لوجدنا من يقاوم الأسباب التي ذكرتها في البدء ويرى البحراوي الحل في أن تتحمل الدولة مسؤولياتها في المسائل الخدمية مقابل الضرائب التي تتقاضاها من المواطنين، ومن هذه الخدمات الثقافة، لكن هذه الدولة غير موجودة، فالواقع يقول ان الموجود مجموعة من الأنظمة الأمنية لضبط الأمر على ما هو عليه وان الباقين مجموعة من الموظفين اللصوص.

وذهب الشاعر محمد عفيفي مطر الذي اختصر حديثه على قراءة الشعر حين قال قراءة الشعر في كل لغات العالم وجميع الثقافات والعصور مسألة صعبة لما يحتاجه الشعر من شروط خاصة بالقراءة والتي تتمثل في علاقة ولو بسيطة بالتراث عموما، وتراث هذا النوع من الفن خاصة ويزيد على ذلك الظروف التي يعيشها الشباب المصري والعربي في هذا الوقت، حيث تتلاحق الأحداث والتغيرات السياسية وما يصاحبها من تغييرات اقتصادية وسياسية غير مستقرة ولا محكومة بمسارات واضحة. أضف إلى ذلك دخول أدوات جديدة كالكمبيوتر والنت مع عدم اهتمام الصحف والمجلات الأسبوعية بصفحات الثقافة والأدب مما جعل الجيل الحالي من الشباب أقل من سابقه في قراءة ومحبة هذا الفعل. ويبدو أن التربية والتعليم حجر أساس في كل الرؤى فقد عرج مطر عليها قائلا ان مناهجها تتكفل وحدها بإقامة عشرات الحواجز بين الشباب والقراءة بل وكراهيتها والسخرية منها، وتطرق مطر إلى مناهج الشعر وتراتبيتها من العصر الجاهلي ثم الذي يليه حتى عصرنا الحديث قائلا:إن الشعر يجب أن يكون بالترتيب مع ما هو قريب من حياة الشاب.

 ثم كلما تعمق فيه دخل إلى ما هو أقدم وأضاف هذه هي الأولى أما الثانية فهي أن النماذج التي يختارونها للدراسة دالة على عناد وغباء وانتهازية مقيتة من واضعي برامج اللغة العربية في المراحل الإعدادية والثانوية،وكأن الشعر لا يتجاوز غير قال ليمدح وقال ليهجو، وهذان غرضان لا يتواءمان مع نفسية الشاب الصغير،بدلا من أن يكون الشعر بابا للتعاطف مع الطبيعة والجماعة وحب الإنسان والإنسانية.

وإذا كان لنا أن نقدم فاصلا حيا من أبناء هذا الجيل الذي نناقش واحدة من كبرى مشكلاته التي لا يعيها، كان لابد لنا أن نذهب إلى أحد الخريجين الجدد من كلية الهندسة وهو أسامة عبد العزيز(27عاما) فسألناه عن نفسه فقال أما أنا فأقرأ وتوجهي في القراءة هو توجه ديني، أما عن الشباب عامة فلا أظن أنهم مهتمون بهذا الفعل، وعن الأسباب قال انها انشغال الناس بالتلفزيون والنت وأنهم لم يتعودوا من الصغر على القراءة والكتابة لأنهم جيل تلفزيون، والمناهج في التربية والتعليم مناهج مفرغة ولا تجد أحدا لهذا العمل، وحتى التربية الدينية في المدارس كتبها سطحية، وعن الكتب العلمية قال انها غير متوافرة كما أن المكتبات مغلقة بشكل دائم داخل المدارس ونادرة خارجها.

أما عبد الفتاح محمود علي فهو حاصل على بكالوريوس تجارة ويعمل في مجال الحاسب الآلي أو الكمبيوتر، قال: أحيانا لا أجد وقتا للقراءة، وإذا قرأت فلابد أن أقرأ شيئا يعرفني ديني: فلا يمكن أن أقرأ كل عدة أيام ساعة أو ساعتين وأضيعهما في رواية أو غير ذلك، وحين سألناه عن بقية الشباب قال الشباب يريد أن يكون نفسه ماليا حتى يتزوج، أو على حد تعبيره 'عايز يعمل فلوس علشان يتجوز ويظبط نفسه' فاهتماماته مادية بالأساس و'دماغه فاضية'، وعن نسبة الشباب العاطلين وغير المنشغلين باهتمامات مادية قال 'بيشرب بانجو علشان ينسى ولما يشتغل بيدخل دوامة الجري وراء الدنيا علشان يلحق اللي فاته'، ورغم ذلك رفض عبد الفتاح أن يكون العامل الاقتصادي وغلاء الكتب هما الأساس، لأن الأسطوانات المدمجة مكتبات كاملة، وهناك بائعو الكتب القديمة وليس شرطا أن تكون لهذه الكتب رائحة ماكينات الطباعة حتى نقرأ.

العرب هزموا في 67 لأنهم لا يقرأون

أما الكاتب الروائي سعيد الكفراوي فيرى أن القراءة أصبحت إحدى الوسائط في تعبير الشباب عن ذواتهم، ففي زمن الدولة الليبرالية وثورة يوليو كانت هي الوسيط الوحيد لاكتشاف المعرفة والشكل الأمثل لتعبير الشباب عن أنفسهم فقد قلت في عصرنا الراهن، وأضاف الكفراوي ان التعليم في تلك الفترات كان يضيف لصاحبه معارف جديدة ويخلق رؤى جديدة، ومن ثم كانت القراءة مهمة وفاعلة وتكوينا أساسيا من تكوين الشباب، وأضاف أن الثقافة ترتبط بالضرورة بتنمية المجتمعات وتقدمها اقتصاديا، وكلما كان الرواج الاقتصادي في مجتمع له حضوره كانت الثقافة في موقع محترم، ولا نستطيع أن ننسى مقولة موشيه ديان حين سئل عن سبب هزيمة العرب في يونيو 67 قال 'لأنهم شعوب لا تقرأ'، أنهى الكفراوي حديثه بأن عودة الوعي الثقافي للشباب هي إحدى المهام الأساسية لأي نظام سياسي يريد بالفعل إحداث أي تغيير في بنية الواقع الذي نعيشه وتختلط فيه الأمية بالخرافة والميتافيزيقا بالجهل.

أما الكاتب أحمد الشيخ، صاحب كفر عسكر، فقد أرجع ذلك إلى انشغال الشباب بأشياء في النت والقنوات الفضائية التي تبث أحداثا مرحلية لكنها ممدودة، وتهتم بمصير هذا العنصر البشري المهدد، ولم ينف الشيخ وجود مهتمين ومنشغلين لكنه أكد أيضا أن هذا المناخ لا يؤدي إلى نمو القراءة، وضرب مثلا بما حدث في معرض الكتاب الأخير قائلا إن المؤسسة اهتمت بالكرة أكثر منه، بل جعلت الكرة أهم من حادث العبارة المؤسف الأليم، ولك أن تتخيل أنها دفعت للاعبي الكرة أكثر مما دفعت لأسر ضحايا هذا الحادث المرعب، فالدولة الآن مهتمة بأشياء جميعها ضد الثقافة، في السبعينات والستينات كانت ترى أن الثقافة شيء ذو قيمة أما الآن فلا أظن، كما لا أظن أن هذه السياسة عفو الخاطر أو محض غفلة من أصحابها.

وأنهى الشيخ حديثه بأن الستينات كان بها مشروع ثقافي حقيقي أما الآن فقد تعودنا أن نقيم عناوين مشاريع ثقافية، ولك أن تعود إلى مشروع مهم مثل مكتبة الأسرة الذي ضاع بسبب المجاملات والعلاقات الشخصية، وفي المجلس الأعلى للثقافة - وأنا عضو بإحدى لجانه - يقيمون مؤتمرات يحضرون فيها أصحابهم وأصدقاءهم وشللهم ولا يدعون المثقفين المصريين، ولا يمكنك أن تنتظر ثقافة في بلد يتعمد أن يأتي بالكوادر الثقافية من خارج السلك الثقافي، لأنهم دائما لا ولن يعرفوا فيها، ومن ثم سيتصرفون ضد منطق ورؤى أصحابها.

شبكة النبأ المعلوماتية-الثلاثاء 31/ايار/2006 -2/جمادي الاول/1427