
يغرون الشبان بحكايات عن الارض الموعودة ويجنون ثروة طائلة دون أن
يأبهوا بما يكبدونهم هم وأسرهم من تكاليف باهظة.. ثم ينتهي الأمر بموت
ما يصل الى خمس زبائنهم.
ولكن المغاربة الفقراء الذين يتوقون لحياة جديدة يرون في أفراد
عصابات تهريب المهاجرين مثالا عصريا لروبن هود اذ يجازفون بالتعرض
للسجن كي ينقلوا زبائنهم الى قلعة اوروبا.
كان بلقاسم عبد الهلال يعول نفسه ووالدته بعد وفاة أبيه وذلك من
خلال بيع النظارات الشمسية في بلدته خريبكة حين عرض عليه أحد معارفه
الذهاب الى اسبانيا.
وقال عبد الهلال "فكرت أنه اذا كان هذا العدد الكبير من الأميين
يستطيع النجاح في اوروبا فلماذا لا أفعل؟. انا الرجل الوحيد في الاسرة
وهذا واجبي."
باعت والدته مصوغاتها واقترضت من أقاربها حتى تدفع الاموال المطلوبة.
واختبأ عبد الهلال 15 يوما في فندق قذر في مدينة سبتة الاسبانية قبل
أن يعلم أن العبارة التي كان من المفترض أن تقله ورفاقه الى داخل
اسبانيا لم تكن سوى زورق خشبي صغير لا يتجاوز طوله خمسة أمتار.
قال عبد الهلال "جثوت على ركبتي وتلوت دعاء الموتى... كنا كمن يعلم
مصيره مسبقا."
تقاذفت الامواج الزورق الذي كان يطفو على مرمى أضواء اسبانيا قبل أن
يبدأ هطول المطر. امتلأ الزورق بالماء وغرق. انتشل أحد أفراد قوات حرس
السواحل الاسبانية عبد الهلال من الماء. كان الجندي يدعى باكو وقد أطلق
عبد الهلال على نفسه هذا الاسم اعترافا بجميله.
وتم ترحيل عبد الهلال الى المغرب بعد فترة قصيرة.
ويقول الصليب الاحمر ان أكثر من الف لقوا حتفهم هذا العام خلال
محاولتهم الوصول الى جزر الخالدات الاسبانية عبر المحيط الاطلسي. وتصل
مراكب صيد مكتظة بالناس من افريقيا جنوب الصحراء الى جزر الخالدات
يوميا.
وقال خليل جمعة الذي يعمل مع عبد الهلال في مجموعة دعم أسر
المهاجرين غير الشرعيين المغاربة في خريبكة "الناس الذين يستقلون هذه
الزوارق هم الطبقة الكادحة من المهاجرين."
وأضاف "كثير منهم لم يروا البحر قط وليست لديهم اي فكرة عن الخطر."
وجعل تشديد المراقبة وتعزيز الدوريات الساحلية وصول المهاجرين
الافارقة الى اوروبا أصعب من اي وقت مضى.
ومع رغبتهم الشديدة في الهجرة يتدفق المزيد من المال في أيدي
العصابات التي تسيطر على طرق الهجرة المتبقية حيث تتقاضى مبالغ باهظة
ولا تعير عوامل الامان اهتماما ولا توفر أي ضمان بالنجاح.
وقال عبد الهلال ان الحصول على مقعد في زورق يتكلف حوالي ثلاثة الاف
يورو (3829 دولارا) في بلد يبلغ فيه الحد الأدنى للدخل السنوي نحو 2400
يورو.
وتبلغ تكلفة استخراج جواز سفر مزور نحو ستة الاف يورو فيما يشتري
البعض عقدا وهميا للعمل في اوروبا بما يصل الى تسعة الاف يورو.
أما الخيار الارخص فهو زيجة قصيرة من مغربية تعيش في اوروبا.
وقال عبد الهلال "لن تصدقوا كم عدد حفلات الزفاف التي تقام هنا في
اغسطس حين يعود المغتربون الى الديار وكم حالات الطلاق التي تحدث في
اكتوبر ونوفمبر."
وتقول جماعة دعم أسر المهاجرين غير الشرعيين المغاربة ان ثلثي
المهاجرين غير الشرعيين المغاربة الذين اعتقلتهم السلطات الاسبانية في
الاعوام الاخيرة ينتمون الى منطقة الزراعة وتعدين الفوسفات الواقعة الى
الجنوب من خريبكة على بعد 120 كيلومترا جنوب شرقي الدار البيضاء
العاصمة الاقتصادية للمملكة.
ورحلت أجيال عن المغرب سعيا للحصول على فرص عمل في مصانع فرنسا
واسبانيا وايطاليا ولكن الابواب أوصدت مع انتهاء حقبة جلب أعداد كبيرة
من العمال الى اوروبا.
وقال محمد خشاني رئيس جمعية دراسات وأبحاث الهجرة بالمغرب ان ما
يزيد عن مليون مغربي يفلتون من الفقر بفضل الاموال التي يرسلها أقاربهم
المقيمون في الخارج.
وفتحت الحكومة مركزا اقليميا للاستثمار في خريبكة وتمد الطرق وخطوط
الكهرباء والمياه الجارية تدريجيا.
غير أن بعض السكان يشكون من أن المغتربين يهدرون الاموال التي
يعودون بها الى البلاد على المنازل الواسعة والسيارات والسلع
الاستهلاكية بدلا من الاستثمار في المشاريع التي توفر فرص عمل.
ويتشتت الشبان من جهة أخرى أمام صور النجاح في الغرب والثروة التي
يتفاخر بها المغتربون.
وقال خشاني "يعيش البعض 11 شهرا من السنة في ظروف قاسية في اوروبا
لكنهم ينفقون ببذخ في الشهر الوحيد الذي يمضونه في الوطن."
أما نجاة فقد خرج زوجها الصمدي البالغ من العمر 20 عاما ولم يعد.
وبعد اسابيع واثناء مشاهدتها التلفزيون اكتشفت أنه غرق خلال محاولته
العبور من تونس الى ايطاليا.
وترك الصمدي نجاة لترعى قطيعا مستأجرا من الخراف والماعز وطفلة
رضيعة وأما مسنة في منزل ريفي صغير متهالك وتتعرض لضغوط من أقارب لرد
المال الذي اقترضه زوجها ليدفع ثمن هجرته.
وقالت نجاة "ام زوجي ما زالت لا تستطيع أن تصدق أنه توفي... وأنا
مازلت في انتظار شهادة الوفاة فبدونها لا أستطيع أن أبيع هذا المكان
وأبدأ حياة جديدة."
ولقي ستة من أقارب نجاة حتفهم اثناء محاولتهم الوصول لاوروبا.
وفي بلدتها فوكرا قرب خريبكة اختفى 65 حين غرق قاربهم ذات ليلة.
وأدى هذا الحادث الى محاكمة نادرة لثلاثة مهربين بلغ مجموع الاحكام
بالسجن الصادرة بحقهم 44 عاما.
لكن معظم المهربين يواصلون ممارسة تجارتهم دون قلق حيث يعرضون على
المهاجرين فرصة ثانية وربما ثالثة مجانا اذا ألقي القبض عليهم والتزموا
الصمت.
ويدفع خطر التعرض للسجن المهاجرين غير الشرعيين الى التفكير مرتين
قبل توجيه أصابع الاتهام الى مهربهم.
وقال جمعة "يجازف الضحايا بالسجن لما بين ستة أشهر و12 شهرا اذا
اعترفوا بالحقيقة. نحتاج الى تعديل القانون لازالة الحماية عن المهربين." |