إن الطفرة الاقتصادية التي حصلت في بعض دول منطقة الخليج بسبب
إرتفاع أسعار النفط بصورة غير عادية فجرت العديد من السجالات الجديدة
القديمة على أكثر من مستوى.
فمن الإقتصاديين من هلل لهذه الطفرة ورأى فيها الفرصة لتلك الدول
لتطوير قدراتها الإقتصادية المحورية في مجال التنمية. واخرين أبدوا
مخاوفهم من هذه الطفرات لطرق التعامل مع الفائض الهائل لهذه القفزات
المفاجئة التي جاءت على شكل صدمة لحجمها وسرعتها من جهة، وللهبوط
المفاجئ المحتمل المنتظر ليشكل صدمة أخرى... صدمات متتالية كبيرة وقوية....
هلْ الصدمة الإقتصادية يمكن أن تكون بديلا لإستراتيجية الصدمة
العسكرية فالإرعاب والتي استخدمت في المواجهة مع صدام؟!
السجال الأكثر حرارة و إحتداما يدور حول مستقبل الإصلاح السياسي في
هذه الدول في ظل هذا النمو أو بالأحرى الطفرة الإقتصادية الهائلة.
فالبعض يرى أن هذه الطفرة ستساعد و تسرع حركة الإصلاح. والبعض الأخر
تمسك بتلك النظرية السياسة التي تقول كلما زاد المال قلّ الميل للإصلاح
السياسي. وكل فريق يملك من الدلائل والشواهد المقنعة وربما الكافية له.
لكن ما يغفله أحياناً البعض هو الإجابة على سؤال محرج الذي طالما شغل
الكثير من الإقتصاديين والسياسيين في العالم وهو :
إلى أى مدى يؤثر شكل النظام السياسي وطبيعة السلطة على الوضع
الإقتصادي ؟
أو العكس و :
إلى أي مدى يؤثر الوضع الإقتصادي للمجتمع على الحياة السياسية و
تغييرها ؟
إن الإجابة على هذه الأسئلة يفتح الباب أمام قضية هامة تتمحور حول
العلاقة بين الإصلاح السياسي والنموالإقتصادي.
من المؤكد أن النمو الإقتصادي لا يحصل إلا في ظل الإصلاح الإقتصادي
لايمكن أن ينتعش إلا مع الإصلاح السياسي، فالإصلاحان المذكوران
متضايفان فضلا عن انهما متعاصران، وبعبارة اخرى فهما جناحان لطائر واحد
إسمه التنمية.
ومن هنا يجب التأكيد على أن النمو الإقتصادي كنتيجة للإصلاح
الإقتصادي إذا لم يخطط له كي ينجز بشكل متوازن وصحيح ومتكامل ومتوازي
وعادل وبالتزامن مع الإصلاح السياسي فسيخل بالوضع الإجتماعي ويجهض
مشاريع الإصلاح السياسي فسيتسبب بأزمات وإضطرابات تنمو وتنمو في
المجتمع لتؤثر سلبا على الإصلاح في كل المسارات وتمنح ذريعة ذهبية
لتجميد الإصلاح السياسي الذي لا مفر منه لإنجاح الإصلاح الإقتصادي
وبذلك تنهارجهود التنمية التي لا بد منها على كل حال وعلى الأقل للخروج
من الإنسداد والعجز المستدام ومن هنا نقول إن الطفرة الإقتصادية
الأخيرة للدول النفطية يجب أن تتزامن مع إصلاح سياسي داخلي منفتح
مدروس شامل جذري واقعي مرحلي وإن التباطئ اوالتراجع عن الإصلاح
خطيرسواء اكان التراجع مستندا الى الإقتداء بالنموذج الصيني اوالى
التكهن بسقوط المشروع الديمقراطي في العراق ونتائج ذلك السقوط
اوالإنخداع بالفائض المالي المغري الهائل الجديد.
لـمـاذا ؟
لأن النموذج الصيني إستثناء وهو وليد مرحلة ستراتيجية حساسة خاصة من
الحرب الباردة المفقودة بين القطبين الشرقي والغربي من جهة والمحاور
الأساسية في كل قطب والتشكيك في تواصل التنمية في الصين ليس بقليل
لإنعدام تلك الأسباب ولإفتقاد الصين لأي مشروع جدي متكامل لضمان
الأصلاح السياسي المطلوب.
ولأن التكهن بسقوط المشروع الديمقراطي في العراق ونتائج ذلك السقوط
مبالغ فيه ولا إنتقال من دكتاتورية مطلقة بدون خسائر وإضطرابات، ولأن
الفائض المالي المغري الهائل الجديد سيتم إمتصاصه وهبوط الأسعار بشكل
صدمة ليس بمستبعد فالحذر من الإسقواء بالفائض او بالتدهور في العراق
اوبالنموذج الصيني لأن المغريات الثلاث مؤقتة مع إختلاف في
الأعمار،والقياس في السياسة ممنوع، والتاريخ لايعيد نفسه دائما وربما
يعيد نفسه لمفتقدي الذاكرة فقط والصدمة العاصفة أتية وستكون كبيرة
فاحذروها وقد أعذر منْ أنذر.
معهد الإمام الشيرازي الدولي
للدراسات – واشنطن
http://www.siironline.org |