شارون وحماتي كتاب يسجل لحظات ضحك مؤلمة لمعاناة كبيرة تحت الاحتلال

يسجل كتاب (شارون وحماتي) تفاصيل الايام الطويلة المتخمة بالمعاناة والخسارات الانسانية للفلسطينيين تحت الاحتلال والحصار الاسرائيلي الذي حول وطنهم الى سجن كبير اصبحت فيه امور الحياة اليومية امنيات صعبة المنال.

وتقول الكاتبة والمهندسة المعمارية الفلسطينية الدكتورة سعاد العامري لوكالة (كونا) انها لم تكن بصدد تأليف الكتاب الذي "ولد بالمصادفة المحضة في وقت استحالت فيه الحركة وتقلصت المساحات وأصبح الوقت وحشا يجب القضاء عليه تحت حصار اسرائيلي قاس لمدينة رام الله فى الضفة الغربية عام 2002 ".

وتضيف انها سجلت تفاصيل الأيام الطويلة تحت الحصار الإسرائيلي في رام الله في مذكرات يومية ارسلتها طوال 37 يوما عبر البريد الالكتروني الى الاهل والعائلة والاقارب والاصدقاء حول العالم كانت تروي فيها القصص عن لحظات الحزن والتوتر والقلق والحب والضحك في تلك الأيام.

وتوضح العامري ان تلك القصص انطلقت لتجوب العالم كله وتحدثت عنها المنتديات على الانترنت ووصلتها رسائل تدعوها الى جمع تلك المذكرات فى كتاب وقد فعلت ذلك واسمته (شارون وحماتي) نشرته دار (فلترينللي) بمدينة ميلانو وهي من أكبر دور النشر الايطالية باللغة الانكليزية واصحابها معروفون بتقدميتهم ومناصرتهم للقضية الفلسطينية العادلة.

وتقول ان الكتاب جعلها كاتبة مشهورة بالمصادفة ولم تسع يوما لتصبح كاتبة بل تنزعج من وصفها بأنها كاتبة وتضيف "انني مدينة بهذه الشهرة لشخصين يصعب على المرء ان يشكرهما هما ارئيل شارون وحماتي فالأول لدوره فى تعذيبنا كشعب فلسطيني والاخر حماتي التي تأكل في أوقات معينة وأطباق ذات حجم معين وهي انتقائية في كل شيء وفي كل الأحيان".

وتضيف ان الكتاب ذاع صيته ونشر مترجما الى 12 لغة عالمية ليس منها العربية و"حظيت بسببه بقدر كبير من الاعجاب والاهتمام العالميين وحصلت بسببه عام 2004 على جائزة فياريجيو - فيرسيليا الايطالية المميزة التي سبق أن فاز بها كتاب ايطاليون معروفون".

ويتكون الكتاب من جزأين الاول بعنوان (هذه ليست حياة - مش عيشة) ويتضمن المذكرات اليومية للكاتبة طوال عشرين عاما تمتد بين عامي 1981 و2001 وهي الفترة "التي انتقلت فيها الكاتبة لتعيش في رام الله وتعمل وتتزوج.

والجزء الثاني من الكتاب هو بعنوان (شارون وحماتي) الذي اختارته الكاتبة عنوانا للكتاب كله وتقع فترته بين 2001 و2002 خلال انتفاضة الاقصى والتي تعرضت خلالها رام الله للاجتياح والحصار العسكري الاسرائيلي واضطرت العامري نتيجة الظروف الطارئة الى الاقامة مع حماتها (ام سليم) في بيت واحد طوال 37 يوما.

وتقول العامري ان الكتاب "يروي قصة الخسارات اليومية للفلسطيني الذي وجد نفسه في رام الله وقد تحولت الى سجن كبير ويرصد هذه التفاصيل دون مبالاة احيانا وبغضب يخالطه احباط وسخرية وتهكم في كثير من الأحيان فينتهي الغضب واللامبالاة غالبا بحالة من الكآبة والشعور بعدم الجدوى ".

وتضيف قائلة " تخيل مدينة يقطنها سبعون ألف مواطن تتحول ساعة رفع حظر التجول فيها الى ساعة جنونية ينطلق الجميع خلالها لشراء الحاجات والأدوية والطعام فى اندفاع هستيري وكنت اسجل تفاصيل هذه الحالة بدقة وانقلها عبر الرسائل والايميلات الى الاصدقاء".

والقصص المختصرة التي تضمنها الكتاب ولدت استجابات عاطفية وانفعالية كثيفة عند القارىء الذي تنقله اجواء القصص من الشعور بالصدمة والاستفزاز الى الضحك الى الاحساس بحالة من الخيبة والحزن العميق.

وتوضح العامري ان الارض هي جوهر الصراع مع المحتل وان الاوجاع المصاحبة للصراع فى جوانبه المختلفة تعتبر امورا معتادة في مختلف مناطق العالم وفي السياق الطبيعي للحياة الانسانية التي حولها الاحتلال الى امنيات صعبة المنال.

وتشير فى هذا الاطار الى مشكلة الوثائق العائلية في ظل الاحتلال مثل الهوية الشخصية وجواز السفر وتصاريح السفر والعبور من مدينة الى اخرى اثناء فترة الحصار وحملة اعادة احتلال مدن الضفة الغربية.

وتلقي هذه المفارقات ضوءا مؤلما على احوال الشعب الفلسطيني تحت احتلال صار التعامل معه يتطلب ابتكارات طريفة والخضوع لمنطق ينعدم فيه المنطق ويؤسس لحالة من الكوميديا السوداء تحتوي قدرا كبيرا من العبث والجنون.

وحظي كتاب (شارون وحماتي) برواج واسع فى الاقطار التي تم عرضه وتوزيعه فيها وبخاصة الدول الاوروبية ويعتبر الان من الكتب الأكثر مبيعا في فرنسا بسبب ما يتميز به من بساطة وصدق الخطاب وحراراته العالية والانحياز الى التفاصيل الانسانية الصغيرة فى تناوله للويلات التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني.

وردا على سؤال عن ردود الفعل الاسرائيلية على الكتاب الذي نشر ايضا بالعبرية قالت العامري ان ميزة الكتاب انه يتحدث عن معاناة الفلسطيني في ظل الاحتلال دون ان يسلط ضوءا مهما على الاحتلال نفسه ودون ان يجعله شغله الشاغل في اشارة الى حتمية زوال الاحتلال وانه لا يشكل بالنسبة للفلسطيني المحب للحياة والفرح سوى قلق عابر.

واضافت ان هذه الميزة اثارت حفيظة كثير من الاسرائيليين ازاء الكتاب الذي يباع فى اسرائيل وحظي بتأييد بعض المفكرين والاكاديميين المنصفين لكن بشكل عام " شعر الاسرائيليون بغيرة شديدة لأن الكتاب يعرض كل شيء عن الضحية ويتجاهل العامل الاسرائيلي".

وقالت "لقد غضبوا لسببين لأنني لم أشتمهم ولأن الكتاب يصور واقع الفلسطيني الضحية والذي حاولت وتحاول الدعاية الاسرائيلية تصويره على انه المجرم وان ضحاياه هم الاسرائيليون الذين عودوا العالم على النظر اليهم دائما باعتبارهم ضحايا ".

وعن الموعد المتوقع لصدور الكتاب باللغة العربية افادت بانه سيصدر قريبا عن دار الاداب فى بيروت بعد الفراغ من ترجمته الى اللغة العربية معربة عن تفاؤلها بنشر الكتاب خلال العام الحالي.

واشادت العامري بالدور الكبير الذي تقوم به دولة الكويت فى خدمة الثقافة العربية والعالمية من خلال المؤسسات الثقافية الرائدة والمطبوعات المختلفة.

يذكر ان العامري المولودة في دمشق عام 1951 درست الهندسة المعمارية في الجامعة الأمريكية في بيروت ثم جامعة ميتشغن في الولايات المتحدة وبعدها جامعة أدينبره في سكوتلندا وعاشت وعملت في عمان ودمشق وبيروت والقاهرة وتقيم حاليا برام الله واسست هناك (مركز رواق) لصيانة التراث المعماري الفلسطيني وحمايته.

وللعامري التي كانت عضو الوفد الفلسطيني في مفاوضات السلام مع اسرائيل في واشنطن بين عامي 1991 و1993 مؤلفات تتعلق بالعمارة والمكان والذاكرة منها (البلاط التقليدي في فلسطين) بالاشتراك مع لينا صبح وكتاب (عمارة قرى كراسي) وكتاب (زلزال فى نيسان) عن الاجتياح الاسرائيلي لجنين ومخيمها والذي الفته بالاشتراك مع مهند حديد.

شبكة النبأ المعلوماتية-الاحد 28/ايار/2006 -29/ربيع الثاني/1427