في قواميسنا كل شيئ يفقد معـناه!!

حيدر حسين

هذه الأيام كثر المتحدثون عن مصطلح "دولة الرفاه".

ما هو المقصود من دولة الرفاه أولا ؟

لماذا التركيز على هذا الشعار وتحديدا في هذا التوقيت ؟

ما هي الظروف التي أدت إلى إتخاذ هذا المفهوم كستراتيجية جديدة للحكومات ؟

ما هي الأليات التي تساعد على الوصول الى دولة الرفاه وإستمرارها ؟

إن دولة الرفاه التي تسمى ايضا بدولة الرفاه الإجتماعي ببساطة وبإختصار هي دولة تقوم على المفهوم إقتصادي وتركزعلى الجانب الإقتصادي أكثر من تركيزه على الجانب السياسي للدولة و تتخذ من التدخل في السوق كآلية لتنظيم الإقتصاد من جهة وتقديم الخدمات العامة  للمواطنين مثل الرعاية الصحية والتعليم والضمان وما أشبه.

لكن الخطير ان قواميسنا السياسية أو بعضها تسقط الجزء الثاني والأهم من التعريف. فأسس دولة الرفاه في العصر الحديث انطلقت من المدرسة التي تقوم على القبول بمبادئ و قيم الديموقراطية كأساس لتداول السلطة وبشكل سلمي وسلس أو بعبارة أخرى شرعية دولة الرفاه وتطبيق نظرياته الإقتصادية وليدة  إختيار وإنتخاب الشعب كما في بريطانيا أو اسبانيا بفوز مايصنف في خانة اليسارالوسط في الإنتخابات.

ومن هنا يمكن القول بأن المفهوم يساء فهمه اوإستخدامه سهواً أوعمداً في كثيرمن الأحيان.

لماذا التركيز على هذا الشعار وتحديدا في هذا التوقيت ؟

إن المنطقة و تحديداً مؤخرا عايشت مسألتين:

الأولى:  تزايد الدعوات الى الإصلاح السياسي والمطالبة بالحريات والحقوق.

والثانية:  إرتفاع أسعار النفط في ظل تزايد الطلب الصيني والهندي من جهة ومجموعة من الأزمات الدولية المتداخلة.

فالفائض الإقتصادي الذي تحقق من خلال إرتفاع هذه الأسعار منح الباحثين عن شعار بديل للإصلاح السياسي فرصة ذهبية التي طالما بحثوا عنها لتأجيل الإصلاح السياسي اوالهروب منه ومن فرفعوا شعار دولة الرفاه للإلتفاف على الضمانة الأساسية  لدولة الرفاه والمتمثلة في  الديموقراطية و بنظامها السياسي المستقرالشفاف الكفء. وفعلاً قدموا بعض الشيئ في هذا المجال من الإزدياد في خدمات الرعاية الصحية أوزيادة رواتب الموظفين و ما نحو ذلك مما يصنف في خانة تجميل الصورة الإقتصادية ولايمكن وصفه بالإصلاح الإقتصادي كما يحلو للبعض تسميته.

بغض النظرعن عقبات ذلك وما ستحمله من تضخم مستقبلي على إقتصاديات هذه البلدان فهو تكتيك مؤقت وناجح على المدى القصير لإمتصاص بعض ضغوط الإصلاح السياسي إلى هذه القضية. لكن الحلقة المفقودة تتمثل في عدم العمل الجاد لإيجاد البنية التحتية الإقتصادية ناهيك عن البنية السياسية نفسها المطلوبة لدولة الرفاه و هذا يعني بقاء الوضع الإقتصادي هشا والإعتماد على تصدير النفط  كمصدر وحيد لدخل الدولة و بقاء الإقتصاد رهنا يقوم على للمراسيم والأوامر والنواهي من هذه الجهة اوتلك  والعشرات من الثغرات الأخرى.

وتداعيات هذا النهج ستكون خطيرة  في المدى المتوسط او القريب على الصعيدين السياسي والإقتصادي عند وقوع أول نزول حاد في أسعار النفط.

بل حتى لو فرضنا إستمرار الوضع القائم في الأسعار فماذا سنفعل بالطوابير المليونية للعاطلين طالما لا نستخدم هذه الإيرادات الهائلة بإستثمارها في المشاريع المثمرة التي تخلق فرص عمل لهولاء و..... من هنا يمكن أن نقول أن دولة الرفاه ليست إلا كلمة حق يراد بها باطل!! و اخرجت من القواميس ناقصة وبإنتقائية لطرحها كبديل لمشروع الإصلاح و الديموقراطية والقفزة النوعية في اسعار النفط ساعدت في ذلك.

يبدوا أن التسييس يمكن أن يقلب المفاهيم والممارسات فينقلب الدواء الى داء والداء الى دواء.

أجل في قواميسنا كل شيئ يمكن أن يفقد معـناه!!

معهد الإمام الشيرازي الدولي للدراسات – واشنطن

http://www.siironline.org

شبكة النبأ المعلوماتية-الاحد 28/ايار/2006 -29/ربيع الثاني/1427